(الصفحة 387)
طوائف أربع من الروايات، لدلالـة طائفـة ثالثـة على التخيـير في خصوص زمان الحضور، ورابعـة على التوقّف في خصوص ذلك الزمان ـ من أنّ مقتضى التحقيق في الجمع بينها هو أنّ النسبـة بين ما دلّ على التخيـير في زمان الحضور وبين ما دلّ على التخيـير المطلق وإن كانت هي العموم والخصوص، وكذا بين روايات التوقّف، إلاّ أنّـه لا تعارض بينهما، لعدم المنافاة بين التوقّف المطلق والتوقّف في زمان الحضور، وكذا بين التخيـيرين، فالتعارض بين ما دلّ على التخيـير وبين ما دلّ على التوقّف، غايتـه أنّ التعارض بين ما دلّ على التوقّف والتخيـير مطلقاً يكون بالعموم من وجـه، وبين ما دلّ على التوقّف والتخيـير في زمان الحضور يكون بالتباين، ولا يهمّنا البحث في الثاني، فإنّـه لا أثر لـه، فالحري رفع التعارض في الأوّل، وقد عرفت أنّ النسبـة بينهما العموم من وجـه، لكن نسبـة ما دلّ على التخيـير مطلقاً مع ما دلّ على التوقّف في زمان الحضور هي العموم والخصوص، فلابدّ من تقيـيد إطلاق التخيـير بـه، وبـه يتحقّق انقلاب النسبـة من العموم من وجـه إلى العموم المطلق، ومقتضى الصناعـة حمل أخبار التوقّف على زمان الحضور والتمكّن من ملاقاة الإمام (عليه السلام)، فتصير النتيجـة هي التخيـير في زمان الغيبـة كما عليـه المشهور(1)، انتهى ملخّصاً.
ويرد عليـه:
ـ مضافاً إلى أنّـه لم يظهر لنا أنّ النسبـة بين ما دلّ على التخيـير مطلقاً وبين ما دلّ على التوقّف كذلك كيف تكون بالعموم من وجـه بعد شمول كلّ منهما لحالتي الظهور والغيبـة، بل النسبـة بين الدليلين هي التباين كالنسبـة بين أدلّـة التوقّف والتخيـير في زمان الحضور، كما لايخفى. ومضافاً إلى
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 764 ـ 765.
(الصفحة 388)
ما أورده الفاضل المقرّر في الهامش من أنّـه لا وجـه لملاحظـة دليل التخيـير مطلقاً مع دليل التوقّف في زمان الحضور حتّى يختصّ دليل التخيـير بحال الغيبـة وصار مخصّصاً لدليل التوقّف المطلق بعدما كانت النسبـة بينهما هي العموم من وجـه، على حسب ما أفاده، فإنّـه ليس بأولى من العكس وملاحظـة دليل التوقّف مطلقاً مع دليل التخيـير في زمان الحضور وتخصيصـه بحال الغيبـة ثمّ جعلـه مخصّصاً لدليل التخيـير مطلقاً، كما لايخفى ـ أنّـه لا وجـه لملاحظـة دليل التخيـير مطلقاً مع دليل التوقّف في زمان الحضور بعد كونـه مبتلى بالمعارض على ما هو المفروض، وهو دليل التخيـير في زمان الحضور الذي ذكر أنّ النسبـة بينهما التباين.
وبالجملـة: فهذا النحو من الجمع ممّا لا وجـه لـه.
وبـه ينقدح الخلل في الجمع الذي أفاده الشيخ
(قدس سره)
في الرسائل
(1) وهو حمل أخبار التوقّف على صورة التمكّن من الوصول إلى الإمام (عليه السلام)، فإنّـه لا وجـه لـه بعد اختلاف الأخبار بالنحو الذي عرفت، مضافاً إلى أنّ المراد بالتمكّن إن كان هو التمكّن الذي كان الشخص معـه قادراً على الرجوع إلى الإمام فوراً كما إذا كان معـه في مدينـة واحدة، فمن الواضح إباء أخبار التوقف عن الحمل على خصوص هذه الصورة، وإن كان المراد بـه هو التمكّن بمعنى مجرّد القدرة على الوصول إلى محضره ولو مع تحمّل مشقّـة السفر، فمن الواضح أنّ حمل أخبار التخيـير على صورة عدم التمكّن بهذا المعنى بعيد جدّاً، كما لايخفى، خصوصاً مع كون الغايـة في بعض الروايات ملاقاة من يخبره، ومن المعلوم أنّ المخبر أعمّ من الإمام (عليه السلام).
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 763.
(الصفحة 389)
ومنها: ما أفاده المحقّق الحائري
(قدس سره)
في كتاب الدرر(1) في مقام الجمع، من حمل أخبار التوقّف على التوقّف في مقام الرأي والإفتاء، وأخبار التخيـير على التخيـير في العمل.
ويرد عليـه:
أنّـه كما يستفاد من أدلّـة التخيـير جواز العمل بكل واحد من الخبرين، كذلك يوجد في أخبار التوقّف ما ظاهره النهي عن العمل بشيء منهما لا النهي عن الرأي والإفتاء، فراجع، فهذا الجمع أيضاً ممّا لا شاهد لـه.
وا لذي يمكن أن يقا ل في مقام ا لجمع :
إنّ أدلّـة التخيـير صريحـة في جواز الأخذ بكلّ من الخبرين، فإنّ قولـه (عليه السلام):
«فموسّع عليك بأيّهما أخذت»(2)، صريح في التوسعـة وجواز الأخذ بكلّ منهما. وأمّا أخبار التوقّف فليس فيها ما كان نصّاً في ذلك، بل غايتـه الظهور في التوقّف وعدم الأخذ بشيء منهما، والظاهر لا يقاوم النصّ، فيحمل أخبار التوقّف على الاستحباب، لصراحـة أخبار التخيـير في الجواز.
وهنا وجوه اُخر من الجمع
،
مثل حمل أخبار التخيـير على العبادات وأخبار الإرجاء على المعاملات، أو حمل أخبار الإرجاء على صورة عدم الاضطرار إلى العمل بأحدهما، وأخبار التخيـير على ما إذا لم يكن لـه بدّ من العمل بأحدهما، وذكر أكثر هذه الوجوه العلاّمـة المجلسي (قدس سره)
في كتاب مرآة العقول(3).
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 657.
- 2 ـ الاحتجاج 2: 264 / 233، وسائل الشيعـة 27: 121، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث40.
- 3 ـ مرآة العقول 1: 218 ـ 219.
(الصفحة 390)
وقد استدلّ لبعض هذه الوجوه بروايـة الميثمي الطويلـة التي أوردها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب كتاب القضاء(1) ولكنّها لا دلالـة لها على التخيـير الذي هو المقصود في المقام، لأنّـه حكم ظاهري والتخيـير الذي يدلّ عليـه هذه الروايـة هو التخيـير الواقعي، لأنّ مورده النهي التنزيهي مع دليل الرخصـة أو الأمر غير الإلزامي مع ذلك الدليل.
ومن المعلوم أنّ التخيـير في مثل هذه الموارد تخيـير واقعي، كما هو واضح.
نعم ذيلها يدلّ على التوقّف والتثبّت حتّى يأتي البيان من ناحيتهم، فهذه الروايـة أيضاً من أخبار التوقّف، ولابدّ من علاج التعارض بينها وبين أخبار التخيـير فتأمّل جيّداً.
تنبيهات
وينبغي التنبيـه على اُمور:
التنبيه الأوّل
: في معنى التخيير في المسأ
لة الاُصولية
لا ينبغي الارتياب في أنّ المستفاد من أخبار التخيـير هوالتخيـير في المسألـة الاُصوليـة، ومرجعـه إلى كون المتحيّر مخيّراً في الأخذ بأحد الخبرين والمعاملـة معـه معاملـة الحجّـة، كما لو كان بلا معارض، إنّما الإشكال في
- 1 ـ وسائـل الشيعـة 27: 113، كتاب القضاء، أبـواب صفـات القاضـي، الباب9، الحديث21.
(الصفحة 391)
ما يرجع إليـه حقيقـة التخيـير بعدما عرفت(1) من كون مقتضى القاعدة العقلائيـة في مقام التعارض تساقط الخبرين وسقوط الحجّتين والطريقين.
قد يقال بأنّ مرجع جعل التخيـير إلى جعل الطريقيّـة عند التعارض.
ويرد عليـه ـ مضافاً إلى أنّ أصل جعل الطريقيّـة والكاشفيـة ولو مع عدم التعارض غير معقول، لأنّ الكاشفيّـة من الاُمور التكوينيّـة واللوازم العقليّـة للكاشف ولا يعقل تعلّق الجعل الشرعي بها ـ أنّـه إن كان المراد جعل الطريقيّـة لكلا الخبرين فهو مستحيل بعد فرض التعارض وعدم إمكان الاجتماع، ضرورة أنّـه لو لم يكن مستحيلا لما كان العقل يحكم بالتساقط، كما هو واضح.
وإن كان المراد جعل الطريقيّـة لأحد الخبرين بالخصوص، فمضافاً إلى أنّـه لا مرجّح في البين، مناف لمقتضى الأدلّـة، حيث إنّها تدلّ على التخيـير لا الأخذ بخصوص واحد منهما، وإن كان المراد جعلها لأحدهما غير المعيّن فمن الواضح أنّ أحدهما لا على سبيل التعيـين ليس شيئاً وراء كلا الخبرين، ضرورة أنّـه ليس هنا أمر آخر في البين، وقد عرفت استحالـة جعل الطريقيـة لكليهما أو واحد معيّن منهما، هذا.
وقد يقال بأنّ التخيـير المجعول في الخبرين المتكافئين هو حكم ظاهري مجعول عند الشكّ وفي مورد التحيّر، ويؤيّده ما في بعض الروايات المتقدّمـة من ترتيب الحكم بالتوسعـة على ما إذا لم يعلم، فهو أيضاً كسائر الاُصول المعتبرة في موارد الشكّ.
ولازم هذا القول الاقتصار في مقام الأخذ بأحد الخبرين على مجرّد
- 1 ـ تقدّم في الصفحـة 379.