(الصفحة 39)
كونها فاقـدة للسورة بصدق عنوانها، وإلاّ فلو كان الجـزء المشكوك بحيث يشكّ في تحقّق عنوان الصلاة مع فقدانـه فلا مجال لجريان البراءة أصلا، كما هو واضح لا يخفى.
هذا في ناحيـة الأمر، وأمّا لو كان العامّ المجموعي متعلّقاً للنهي فالظاهر جواز ارتكاب الفرد الذي يشكّ في تحقّق المجموع بـه، لأنّ حقيقـة النهي عبارة عن الزجر عن المنهي عنـه، ومع ارتكابـه لا يعلم بتحقّق المنهي عنـه في الخارج وليس النهي كالأمر، فإنّ معناه هو الطلب، ولابدّ من تحصيل مطلوب المولى بعد العلم بالطلب، وحينئذ فلو شكّ في تحقّق المجموع بإكرام غير الفرد المشكوك فمقتضى الاشتغال اليقيني هو تحصيل البراءة اليقينيّـة بإكرام الفرد المشكوك أيضاً، وهذا بخلاف النهي، فإنّـه زجر عن إكرام مجموع الفسّاق مثلا في المقام ومع ارتكاب إكرام الفرد الذي يشكّ في تحقّق المجموع بـه لا يعلم بتحقّق المنهي عنـه حتّى يكون مزجوراً عنـه، كما هو واضح.
نعم لو كان النهي عبارة عن طلب الترك فلابدّ حينئذ أيضاً من تحصيل مطلوب المولى وهو ترك المجموع، فلا يجوز ارتكاب إكرام الفرد الذي يشكّ في تحقّق المجموع بـه، لأنّـه لا يعلم مع ارتكابـه بحصول المطلوب، كما لايخفى.
ومن هنا يعلم أنّ ما أفاده في الكفايـة من أنّـه لو كان النهي عن شيء في زمان أو مكان بحيث لو وجد في ذاك الزمان أو المكان ولو دفعـة لما امتثل أصلا كان اللازم على المكلف إحراز أنّـه تركـه بالمرّة ولو بالأصل، فلا يجوز الإتيان بشيء يشكّ معـه في تركـه(1).
(الصفحة 40)
إنّما يتمّ بناء على ما ذهب إليـه في باب النواهي من أنّ معنى النهي هو طلب الترك، وأمّا بناءً على ما هو التحقيق في معناه فلا يلزم على المكلّف إحراز أنّـه تركـه بالمرّة، بل يلزم عليـه أن لا يعلم بحصول الشيء المنهي عنـه. وبعبارة اُخرى أن لا يرتكب ما علم بكونـه منهيّاً عنـه، كما لايخفى.
هذا كلّـه فيما لو تعلّق الأمر أو النهي بالطبيعـة على نحو العامّ المجموعي.
حكم ما لو تعلّق الأمر أو النهي بالطبيعة على نحو صرف الوجود
وأمّا لو تعلّق الأمر بصرف الوجود الذي يكون عبارة عن الأمر المتحصّل من أوّل الوجودات أو المنتزع منـه، فلا شبهـة في أنّـه لا يكتفى في مقام الامتثال بالإتيان بالفرد الذي يشكّ في كونـه مصداقاً للمأمور بـه; لأنّ مقتضى الاشتغال اليقيني هي البراءة اليقينيـة، وأمّا لو تعلّق النهي بـه فيجوز الإتيان بالفرد المشكوك، لعدم العلم بكونـه مصداقاً للمنهي عنـه، فيشكّ في تحقّق الزجر بالنسبـة إليـه، هذا.
حكم ما لو تعلّق الأمر والنهي بنفس الطبيعة
ولو تعلّق الأمر أو النهي بنفس الطبيعـة فحكمـه حكم ما لو تعلّق بصرف الوجود، فلا يكتفى في مقام امتثال الأمر بالإتيان بالفرد المشكوك، ويجوز الإتيان بـه فيما لو كانت متعلّقـة للنهي.
فانقدح مـن جميع مـا ذكرنا: أنّ الإتيان بالفرد الـذي يشكّ في تحقّق المنهي عنـه بـه جائز في جميع الأقسام الأربعـة المتقدّمـة، والسرّ في أكثرها
(الصفحة 41)
هـو ما ذكرنا مـن أنّ النهي ليس بمعنى طلب الترك حتّى يلزم على المكلّف تحصيل المطلوب وهو ترك المنهي عنـه جـزماً، كيف والترك الذي هـو العدم كيف يعقل أن يكون متعلّقاً للطلب ومورداً للاشتياق؟! لأنّـه ليس شيئاً حتّى يمكن أن يصير مطلوباً ومشتاقاً إليـه، وهذا لا فرق فيـه بين العدم المطلق والعدم المضاف.
وأمّا ما في بعض الكتب العقليّـة من أنّ العدم المضاف وأعدام الملكات لها حظّ من الوجود ونصيب من التحقّق(1) فلا ينبغي الاغترار بما يدلّ عليـه ظاهر عبائرهم، فإنّ مراد أساطين الفنّ هو تقريب أذهان المتعلّمين، وإلاّ فمن الواضح أنّ العدم لا يمكن أن يصير وجوداً.
وأمّا الإتيان بالفرد الذي يشكّ في تحقّق المأمور بـه فلا يجب في العامّ الاستغراقي ولا يكتفى بـه في امتثال الأمر المتعلّق بنفس الطبيعـة أو بصرف الوجود ويجب الإتيان بما يشكّ في تحقّق المجموع بـه في العامّ المجموعي كما عرفت.
ثمّ إنّـه يقع الكلام بعد ذلك في الأصل المحرز للموضوع فنقول: لو كان المتعلّق مأخوذاً بنحو العامّ الاستغراقي، وكان هنا فرد داخل في العامّ سابقاً، والآن شكّ في بقائـه فيـه، فالظاهر جريان الاستصحاب، ويترتّب عليـه كون إكرامـه أيضاً مأموراً بـه; لما عرفت من أنّ الحكم في العامّ الاستغراقي إنّما تعلّق بعنوان الكلّ، لا بما أنّـه عنوان واحد كسائر العناوين، بل بما أنّـه عنوان إجمالي
- 1 ـ الحكمـة المتعاليـة 1: 345 ـ 352، شرح المنظومـة، قسم الحكمـة: 47 ـ 48.
(الصفحة 42)
مرآة لجميع الأفراد، ولذا ذكرنا أنّ الأمر فيـه ينحلّ إلى أوامر متعدّدة، وحينئذ فبالاستصحاب يثبت فرد آخر، فيترتّب عليـه حكم العامّ.
وأمّا لو كان المتعلّق مأخوذاً بنحو العامّ المجموعي الذي قد عرفت أنّـه أمر واحد وشيء فارد وهو عنوان المجموع، فالظاهر عدم جريان الاستصحاب في الفرد الذي يشكّ في كونـه عالماً بعد كونـه عالماً سابقاً قطعاً، أو غير عالـم كذلك، لأنّ استصحاب بقاء عالميّـة فرد لا يترتّب عليـه أثر شرعي، إذ الأثر الشرعي إنّما ترتّب على المجموع، والاستصحاب لا يثبت أنّ المجموع لا يتحقّق إلاّ بذاك، كما أنّ استصحاب عدم العالميّـة لا يثبت تحقّق عنوان المجموع بماعداه، كما لا يخفى.
نعم لو جرى الاستصحاب في نفس عنوان المجموع كما لو كان إكرام مائـة من العلماء متّصفاً بأنّـه إكرام مجموع العلماء سابقاً، والآن شكّ في بقائـه لأجل احتمال كون الزائد على المائـة أيضاً عالماً، فيترتّب عليـه الأثر الشرعي ولا يكون مثبتاً.
مسألتان لم يتعرّض لهما المحقّق الخراساني في الكفايـة:
(الصفحة 43)
المسأ
لة الاُولى
في دوران الأمر بين التعيين والتخيير
إذا دار الأمر بين التعيـين والتخيـير فهل الأصل الجاري هي البراءة أو الاشتغال، ولابدّ قبل الخوض في ذلك من تقديم اُمور:
الأوّل : حقيقة الواجب التخييري
قد عرفت في تصوير الواجب التخيـيري أنّ الالتزام بثبوت الواجب التخيـيري في مقابل الواجب التعيـيني ممّا لا يرد عليـه شيء من المحذورات المتوهّمـة من كونـه مستلزماً لتعلّق الإرادة بأحد الشيئين أو الأشياء على سبيل الترديد الواقعي، بأن يكون التعلّق بحسب الواقع ونفس الأمر مردّداً، وكذا تعلّق البعث بأحدهما أو بأحدها على سبيل الإبهام النفس الأمري.
وكذا عرفت أنّ ما أفاده في الكفايـة(1)، من أنّـه لو كان هناك غرض واحد مترتّب على الشيئين أو الأشياء فلا محالـة يكون الواجب هو الجامع والقدر المشترك بينهما أو بينها; لأنّـه لا يمكن صدور الغرض الواحد من المتعدّد بما هو متعدّد، فحيث إنّ الغرض يترتّب على الجامع فلا محالـة يكون الجامع واجباً.
محلّ نظر، بل منع; فإنّـه ـ مضافاً إلى منع ما ذكره من عدم إمكان صدور الواحد من المتعدّد، فإنّ ذلك إنّما هو في موارد مخصوصـة كما حقّق في