(الصفحة 417)
الأمر بين الأمرين في أحدهما ريب ليس في الآخر ذلك الريب يجب الأخذ بـه، وليس المراد نفي مطلق الريب، كما لايخفى(1)، انتهى.
ويرد عليـه أنّ الظاهر عدم كون هذه الروايـة ناظرة إلى باب المتعارضين أصلا، بل الظاهر أنّها ناظرة إلى أنّ الأمر المشتبـه بالشبهـة الابتدائيّـة ينبغي تركـه، نظراً إلى ما لا يكون فيـه ريب من الثواب المترتّب على تركـه، فهي أجنبيّـة عن المقام. فانقدح ممّا ذكرنا: أنّـه لم ينهض شيء ممّا تمسّك بـه الشيخ (قدس سره)
لإفادة جواز التعدّي عن المرجّحات المنصوصـة.
نعم يمكن التمسّك لإثبات ذلك إلى أنّ المستند لثبوت التخيـير في المتعارضين هو الإجماع، ولم يعلم كون مستند المجمعين هو الروايات الواردة في التخيـير، بل يمكن أن يقال بالعدم، نظراً إلى أنّ روايـة التخيـير ظاهرة في جوازه وهم قائلون بوجوب الأخذ بأحدهما مخيّراً فتأمّل.
وإلى أنّـه لو كان مستندهم في ذلك هي الروايات الدالّـة على التخيـير يلزم أن تكون محمولـة على الفرد النادر، لما عرفت(2) من ادّعاء بعضهم الإجماع على وجوب العمل بالراجح من الدليلين مطلقاً، وهذا يؤيّد بل يدلّ على عدم كون استنادهم في الحكم بالتخيـير إلى الروايات أصلا، وإلاّ يلزم ما ذكر من حملها على المورد النادر، فالمستند في التخيـير هو نفس الإجماع، والقدر المتيقّن منـه إنّما هو صورة فقد المرجّح رأساً، ومع وجود شيء من المرجّحات يدور الأمر بين التعيـين والتخيـير، وعند دوران الأمر بينهما لابدّ من الأخذ بالمعيّن كما تقدّم.
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 782.
- 2 ـ تقدّم في الصفحـة 412.
(الصفحة 418)هل المرجّحات المنصوصة مرجّحات أصل الصدور أو جهة الصدور ؟
بقي الكلام في أنّ المرجّحات المنصوصـة التي ذكرنا أنّها لا تـتجاوز عن اثنين هل تكون مرجّحات أصل الصدور، أو جهـة الصدور، أو المضمون؟
فنقول: أمّا بحسب الثبوت فكلّ محتمل، لأنّـه يحتمل عدم كون الخبر الموافق للعامّـة مثلا صادراً أصلا، ويحتمل عدم كون صدوره لبيان الحكم الواقعي.
وأمّا بحسب الإثبات فظاهر الروايات الدالّـة على مرجّحيّـة موافقـة الكتاب ومخالفـة العامّـة أنّ الخبر المخالف للكتاب أو الموافق للناس ممّا لم يصدر عنهم (عليهم السلام) أصلا، فمقتضى القاعدة حينئذ عدم تقدّم واحد منهما على الآخر، لكن قد عرفت(1) صراحـة مصحّحـة عبدالرحمان بن أبيعبداللّه المتقدّمـة في تقدّم الترجيح بموافقـة الكتاب على الترجيح بمخالفـة العامّـة، فما في التقريرات من تقدّم مرجّحات أصل الصدور على مرجّحات جهـة الصدور، وتقدّم هذه على مرجّحات المضمون، وأنّ مخالفـة العامّـة من مرجّحات جهـة الصدور وموافقـة الكتاب من مرجّحات المضمون، فهي مؤخّرة عن الترجيح بمخالفـة العامـة لتقدّم جهـة الصدور على المضمون كتقدّم أصل الصدور على جهـة الصدور، ممنوع، لأنّ المستند في هذا التقديم إن كان هو العقل فقد عرفت أنّ حكمـه في المتعارضين هو السقوط رأساً، وإن كان هو النقل فهو صريح في
- 1 ـ تقدّم في الصفحـة 412.
(الصفحة 419)
تقدّم الترجيح بموافقـة الكتاب على الترجيح بمخالفـة العامّـة كما عرفت في المصحّحـة التصريح بـه. والعجب منـه (قدس سره)
أنّـه قال على ما في التقريرات: إنّ العمل بهذا الصحيح مشكل(1).
وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في لزوم مراعاة الترتيب بين هذين المرجّحين وفي أنّـه مع فقدهما يرجع إلى سائر المرجّحات بناءً على التعدّي كما عرفت(2) أنّـه لابدّ من المصير إليـه.
إ
لى هنا انتهى الكلام فيما يتعلّق بمباحث التعادل والترجيح
، وبذلك ينتهي ويتمّ البحث في المسائل الاُصوليّـة
، والحمد للّه أوّلا وآخراً وظاهراً وباطناً
. وكان الفراغ من تسويد ذلك ليلـة الجمعـة المصادفـة لليلـة ولادة الإمام التاسع والنور الساطع محمّد بن علي الجواد سلام اللّه وصلواتـه عليـه وعلى آبائـه الطاهرين وأولاده المنتجبين
. 10 رجب 1377
هـ . ق .
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 784.
- 2 ـ تقدّم في الصفحـة 412.
(الصفحة 420)
(الصفحة 421)
الاجتهاد والتقليد
ونحن نقتصر على مباحثهما الهامّة ونترك غيرها، فنقول :