(الصفحة 6)
(الصفحة 7)
التنبيه الأوّل
اشتراط جريان البراءة بعدم وجود أصل موضوعي
إنّ أصالـة البراءة الشرعيّـة وكـذا العقليّـة إنّما تجـري فيما إذا لم يكـن هناك أصل آخر وارد أو حاكم عليها، موضوعيّاً كان أو حكميّاً، موافقاً كان أو مخالفاً لوضوح أنّـه لا يبقى معـه مورد لها، فلا تجري أصالـة إباحـة النظر والوطء في المـرأة التي شكّ في زوجيّتها، لجـريان أصالـة عـدم الزوجيـة، وكـذا لا تجـري أصالـة إباحـة الأكـل في الحيوان الـذي شكّ في حلّيتـه مـع الشكّ في كونـه مذكّى أم لا؟
وبالجملـة: فلا إشكال في المقام من حيث الكبرى، إنّما الإشكال في انطباقها على المثال الأخير بصوره الكثيرة الآتيـة، وحينئذ فلابأس بالتعرّض لـه تبعاً للرسالـة(1) والكفايـة(2).
- 1 ـ فرائد الاُصول 1: 371.
- 2 ـ كفاية الاُصول: 397.
(الصفحة 8)
حول أصالة عدم التذكية
فنقول: الكلام في ذلك يتمّ برسم اُمور:
أقسام صور الشكّ في حلّية الحيوان
الأوّل:
أنّ الشبهـة في الحيوان الذي شكّ في حلّيتـه أو في أجزائـه من اللحم والجلد وغيرها قد تكون حكميـة، وقد تكون موضوعيـة.
والاُولى على صور:
منها: ما يكون الشكّ في الحلّيـة لأجل الشكّ في كونـه قابلا للتذكيـة كالحيوان المتولّد من الحيوانين.
ومنها: ما يكون الشكّ فيها لأجل الشكّ في اعتبار شيء آخر في التذكيـة زائداً على الاُمور الخمسـة أو الستّـة المعتبرة فيها.
ومنها: مـا يكـون الشكّ فيها لأجـل احتمال مـانعيّـة شيء كالجلـل أو الوطء عنها.
والصورة الاُولى على قسمين; فإنّ الشكّ في كونـه قابلا للتذكيـة قد يكون باعتبار كونـه عنواناً مستقلاّ لم يعلم بقبولـه لها كما في المثال المتقدّم، وقد يكون باعتبار الشكّ فـي انطباق عنوان قابل للتذكيـة يقيناً أو غير قابل لها أيضاً عليـه، كما إذا شكّ في انطباق عنوان الكلب الذي يعلم بعدم كونـه قابلا لها على كلب البحر مثلا.
هذا في الشبهـة الحكميـة.
(الصفحة 9)
وأمّا الشبهـة الموضوعيـة فهي أيضاً على صور:
منها: ما يكون الشكّ في الحلّيـة أو الطهارة لأجل الشكّ في كون الحيوان الموجود في البين مذكّى أم لا، بعد العلم بقبولـه للتذكيـة.
ومنها: ما يكون الشكّ فيها لأجل الشكّ في أنّ هذا اللحم أو الجلد هل يكون من الحيوان الذي لا يكون قابلا لها كالكلب أو من أجزاء الغنم مثلا.
ومنها: ما يكون الشكّ فيها لأجل الشكّ في أنّ هذا اللحم هل يكون من أجزاء الغنم المذكّى الموجود في البين أو من أجزاء غيره من الحيوانات التي يعلم بعدم قبولها لها أو يشكّ فيـه.
ومنها: غير ذلك من الصور.
في معنى التذكية
الثاني:
أنّ التذكيـة الموجبـة للطهارة فقط أو مع الحلّيـة هل هي عبارة عـن المعنى البسيط الذي تحصّل من قابليـة المحلّ والاُمور الخمسـة التي هي عبارة عن فري الأوداج بالحديد على القبلـة مع التسميـة وكون المذكّي مسلماً، أو أنّها عبارة عن الأمر المنتزع من هذه الاُمور الستّـة الذي يكون وجوده بعين وجود منشأ انتزاعـه، والفرق بينـه وبين الوجـه الأوّل واضح، أو أنّ التذكيـة عبارة عن نفس الاُمور الخمسـة وقابليـة المحلّ أمـر خـارج عـن حقيقتها وإن كان لها دخـل في تأثير تلك الاُمـور في الطهارة، أو مع الحلّيـة بنحو التركيب أو الأمـر الواحـد المتحصّل أو المنتزع؟ وجـوه واحتمالات، وتحقيق الحـقّ في ذلك موكول إلى الفقـه.
(الصفحة 10)حكم ما لو شكّ في قابلية حيوان للتذكية
الثالث:
إذا شكّ في قابليـة حيوان للتذكيـة فهل تجري فيـه أصالـة عدم القابليـة أم لا، وعلى الثاني فهل تجري أصالـة عدم التذكيـة أم لا؟
فنقول: الظاهر عدم جريان أصالـة عدم القابليـة; لأنّ القابليـة، وعدمها ليس لهما حالـة سابقـة نظير كون المرأة قرشيّـة الذي عرفت عدم وجود الحالـة السابقـة لـه، وغايـة ما يمكن أن يقال في تقريب الجريان ما أفاده المحقّق المعاصر في باب قرشيّـة المرأة ممّا تقدّم مع توضيح منّا.
وحاصلـه: أنّ العوارض على قسمين: قسم يعرض لذات الماهيّـة مع قطع النظر عن الوجودين بحيث لو كان لها تقرّر وثبوت في غير عالم الوجود لكان يعرضها كالزوجيـة بالنسبـة إلى الأربعـة، وقسم يعرض الوجود كالأبيضيـة للجسم الموجود، والفاسقيّـة والقرشيّـة للإنسان الموجود، والقابليـة للتذكيـة للحيوان الموجود.
وحينئذ نقول: لابأس بجريان استصحاب عدم تلك الأوصاف بالنسبـة إلى موصوفها في القسم الثاني وإن كان الموصوف حينما يتحقّق لا يخلو من اتصافـه بذلك الوصف، بمعنى أنّـه لو كان متّصفاً بـه لكان ذلك من أوّل وجوده وتحقّقـه كوصف القرشيّـة وكذا القابليـة فيقال: هذه المرأة ـ مشيراً إلى ماهيّتها ـ لم تكن قبل الوجود قرشيـة، فيستصحب ذلك إلى زمان الوجود، وكذا هذا الحيوان لم يكن قبل الوجود قابلا للتذكيـة، فيستصحب ذلك إلى زمان الوجود(1).
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 218 ـ 220.