(الصفحة 17)
الإمامة على ضوء القرآن الكريم
ترى الشيعة أنّ الإمامة منصب إلهي ، فهم يقولون: ليس للدين من خلود وبقاء إذ كان هناك فراغ يعقب النبي (صلى الله عليه وآله) لا وظيفة للدين فيه ، كيف يجوز على الله الذي ارتضى الإسلام للناس ديناً خالداً إلى الأبد أن يترك الناس سدىً بعد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) دون أن يعيّن لهم وظيفتهم في حفظ أساس الدين وتطبيق التعاليم الإسلامية؟
وبناءً على هذا ، لابدّ أن تكون هناك صفوة تنهض بمسؤولية زعامة المسلمين وتتولّى بيان الأحكام والتعاليم القرآنية للاُمّة الإسلامية وتتكفّل بحفظ الشريعة السمحاء وإرشاد المسلمين والعمل على حلّ مشاكلهم ورعاية ديمومة الدين .
إذن فالإسلام يتطلّب وجود الإمام بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ، فإذا فوّضت الإمامة إلى الناس كان معنى ذلك تزلزل أركان الدين الإسلامي القائم على أساس بسط العدل والقِسط وإشاعة التوحيد وسلب روح الفضيلة وأُسس الوحدانية; وذلك لأنّه
(الصفحة 18)
أوكل الأمّة لنفسها وخوّلها انتخاب الإمام ، رغم وجود البعض من عبدة الأهواء وحبّ الجاه والرئاسة الذين لا يتورّعون عن اعتماد الحيلة والخداع من أجل الحكم والأخذ بزمام الأمور; وهذا لن يؤدّي بالتالي إلاّ إلى سيادة الظلمة والطُغاة الذين يتّخذون عباد الله خولاً وماله دولاً .
وعليه وبحكم العقل والمنطق فإنّ الله الذي أراد لدينه المُبين أن يكون الدين الخاتم والخالد إلى يوم القيامة ، والذي أسّس بُنيانه على أساس حكومة العدل والقِسط وبثّ العلم وإشاعة الحريات والحياة الخالدة والعيش الهنيء الذي تسوده المساواة والمواساة ، قد فرغ من تحديد تكليف المسلمين لمرحلة ما بعد رحيل النبي ، حذراً من الهرج والمرج والفوضى التي تخلّفها حكومة الطُغاة ، والتي تقود في خاتمة المطاف إلى زوال الدين .
وهذا ما دفع بالطائفة الحقّة لأن تؤمن بأنّ الولاية والإمامة منصب إلهي ربّاني كالنبوّة ، حيث أوجبها الله وحصرها في صفوة من أجل خلود الدين وبقاء كلمة التوحيد وسيادة حكومة العدل العالمي .
هذه خلاصة مقتضبة من حكم العقل الذي يرى ضرورة وجود الإمام بعد النبي من أجل زعامة الأمّة الإسلامية وإدارة شؤونها ، كما يدرك هذا العقل بأنّ الله سبحانه قد أودع هذا المنصب لمن لهم أهليّة القيام بمسؤوليته .
القرآن والإمامة:
ما يُفهم من القرآن الكريم أيضاً هو أنّ الإمامة منصب إلهي ، ولابدّ لنا من أجل توضيح هذا الأمر أن نستعرض النصوص القرآنية .
فالذي يفيده القرآن هو أنّ إمامة الاُمّة والولاية عليها إنّما تفوق النبوّة ، أي أنّ صلاحية الإمامة متوفّرة في النبي ، حيث إنّ مجابهته للأحداث والوقائع المريرة
(الصفحة 19)
جعلت مقام النبوّة أعظم ثقلا فأمدتّه بالأرضية الخصبة لممارسة منصب زعامة الاُمّة وإمامتها .
وعليه فلا ينبغي أن يسيء أحد فهم هذه القضية ليتصوّر بأنّنا نريد أن نقول: إنّ الإمام فوق النبي . كلاّ ، بل المقصود هو أنّ الإمامة فوق النبوّة وأنّ النبوّة قد تشتمل أحياناً على الإمامة .
ومن هنا يتّضح بأنّ كلّ نبي في نفس الوقت الذي يبلغ فيه مقام النبوّة ويخبر عن المغيّبات فهو إمام للأُمّة قد محّص بالبلاء ليكون جديراً بتولّي منصب الإمامة .
فالنتيجة التي نخلص إليها أنّ القرآن في الوقت الذي يُعتبر فيه الإمامة منصباً إلهياً ، يلفت الإنتباه إلى مزيّتها التي تفوق النبوّة ، والآن نتناول بالبحث ، الآيات القرآنية الواردة بهذا الخصوص:
(الصفحة 20)
الدليل الأوّل من القرآن
قال سبحانه في كتابه العزيز:
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ}(1) .
دراسة الآية الكريمة:
«الكلمة» أحياناً تطلق هذه اللفظة ويُراد بها المعنى ، كما تُطلق أحياناً أُخرى على الكلام «وكلمة بها كلام قد يؤم» ، وقد أطلقها القرآن الكريم على لسان آياته على نوع من الحقائق ، كما عبّر عن عيسى (عليه السلام) بأنّه كلمة
{إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}(2) .
فعيسى (عليه السلام) حقيقة قيّمة وإنسانية مدهشة عجيبة ، وأنّ اسم هذا الإنسان العجيب هو «عيسى بن مريم» .
إذن فالكلمة إشارة إلى تلك الحقيقة والحدّ الوجودي لعيسى ، واسم هذا
- (1) سورة البقرة: الآية 124 .
- (2) سورة آل عمران: الآية 45 .
(الصفحة 21)
الموجود أو الكلمة هو عيسى ، وتوكل التفاصيل إلى محلّها(1) .
«الابتلاء» الامتحان والتمحيص ، ولمّا كان أصله هو البلاء ، فكلّ تمحيص وامتحان اشتمل على البلاء والمصاعب كان ابتلاءً .
الهدف من الامتحان:
الهدف من الامتحان هو دراسة قوى الشخص الممتحن والوقوف على استعداداته بالنسبة للمادّة التي تخضع للامتحان ، فلو امتحن شخص في مسألة رياضية ، فإنّه يكون موفّقاً في الامتحان ويُكتب له النجاح إذا تمكّن من حلّ المسألة بصورة صائبة ، أمّا إذا عجز عن حلّها وفشل عن الإتيان بالإجابة الصحيحة ، إلاّ أنّه كتبها بخطّ واضح جميل فإنّ درجته في الامتحان صفر رغم أ نّه أجاد كتابتها بخطّ لطيف .
لقد محّص إبراهيم بعدّة حقائق مريرة وقد اجتازها بقوّة ، وقد خرج مرفوع الرأس أمام الحقّ المطلق في هذا الاختبار والتمحيص .
النبي إبراهيم والتمحيص :
1 ـ لقد محّص إبراهيم بالإنابة إلى الله والتوكّل على الحقّ والحقيقة والتوحيد ، فخرج من هذا التمحيص مطمئنّ القلب ذا يقين خالص; وعليه فإبراهيم كان رجلاً
- (1) اُنظر تفسير «كلام الحقّ» لآية الله الإشراقي .