(الصفحة 220)
الإمام (عليه السلام) بشهادته في هذه الحادثة ، الأمر الذي دوّن من أجله الكتاب .
وبالالتفات إلى ما أوردناه سابقاً فلعلّ هنالك من يقول بأحد الموضوعين التاليين:
الموضوع الأوّل :
لقد ألّف كتاب شهيد جاويد بغضّ النظر عن علم الإمام (عليه السلام) بالشهادة في هذه النهضة ، وهو عبارة عن دراسة دقيقة تثبت نهضة الإمام على أسس عقلائية ومنطقية من خلال المعادلات الطبيعية .
الموضوع الثاني:
قد يُقال : وهل العلم بالشهادة في هذه النهضة من ضروريات المذهب بحيث يدعو إنكاره إلى مثل هذه الضجّة؟ فما الضير ألاّ يكون الإمام عالماً بموضوع قد يكون من المسلّمات؟!
جواب الموضوع الأوّل :
1 ـ إذا كان هناك انسجام بين الدراسة التي تناولها الكتاب وعلم الإمام ، ورأيتم أنّها ليست منسجمة فحسب ، بل بالتوجّه إلى ما ذكر من أنّ علم الإمام يمكن جمعه مع الحركة المنطقية والعقلائية للإمام ، فما الحاجة لصرف النظر هذا؟ في الواقع يعتبر صرف النظر هذا اعترافاً صريحاً يتعذّر معه الجمع بين الكتاب وعلم الإمام ، وأنّ مضمون الكتاب قد دوّن على أساس عدم علم الإمام .
2 ـ يمكن افتراض موضوع «غضّ النظر عن العلم» من وجهة نظر المباحث العلمية والدراسات العقلية السائدة بين العلماء ، أمّا من ناحية الاُمّة فلا يمكن
(الصفحة 221)
قبوله ; لأنّ الكتاب إنّما دوّن لغرض استفادتها ، فليس للاُمّة أن تغضّ النظر عن علم الإمام وتدرس المباحث دون الأخذ بنظر الاعتبار ذلك العلم .
3 ـ أين ذكر الإدّعاء بغضّ النظر عن علم الإمام بشهادته في النهضة من مباحث الكتاب أو مقدّمته ، في حين لم ينس الكاتب الإشارة إلى المواضيع التي ليست بذات أهمّية ، أو لا يستحق موضوع علم الإمام (عليه السلام) بشهادته في هذه النهضة والذي تعتقد به الاُمّة الإسلامية إذا غضّ الكتاب طرفه عن ذكره بحيث دوّن بما يتنافى وذلك العلم من ذكر تلميح أو تصريح في أوّل صفحة من الكتاب؟
4 ـ هل من فائدة تُذكر لكتاب أسّس بنيانه على فرض غير صحيح ومخالف للواقع؟ يمكن أن يُقال: إنّ فائدته كما ذكرنا في الصفحة السادسة هو دراسة النهضة الحسينيّة على المستوى العالمي غير الشيعي إلى جانب نفعه لأهل الإيمان من خلاله اعتماده الموازين العُقلائية .
والجواب : لو أذعنّا لهذا الزعم ، كان لابدّ أن ينشر الكتاب بإحدى لغات العالم الحيّة ويقتصر على العالم البعيد عن التشيّع ، ولا ينبغي أن يطّلع عليه العالم الشيعي فتجرح مشاعره ، وللزم من ذلك أن يقول: إنّنا نقدّم هذا الكتاب للعالم غير الإسلامي ، بدلا من العبارة التي ذكرها في ص7: «إنّنا نقدّم هذا الكتاب إلى المجتمع الإسلامي وغير الإسلامي بصفته فرضية تأريخية حول نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) » .
جواب الموضوع الثاني :
لا بأس هنا من الالتفات إلى بعض المواضيع المهمّة وإن تعرّضنا لشرحها آنفاً:
1 ) هل يقتصر علم الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) على أحكام الإسلام وتعاليم الدين وقوانين الشرع بالاستناد إلى الاجتهاد في القرآن الكريم وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله) ، أم أنّهم
(الصفحة 222)
مفسّرون للقرآن ولهم معرفة تامّة بالغيب وأسرار وبطون القرآن والأحكام والسنّة النبويّة؟
2 ) هل الإمام عالم بالموضوعات وتفاصيلها أم لا؟ والاعتقاد بهذا الأمر جزء من ضروريات المذهب أم لا؟ وهل الموضوعات على درجة واحدة ، أم هنالك فوارق بينها؟
3 ) إذا افترضنا عدم علم الإمام بالموضوعات ، ولم يكن الاعتقاد بهذا الأمر من ضروريات الدين ، فهل الإمام الحسين (عليه السلام) كان عالماً بوقائع حادثة كربلاء في نهضته أم لا؟
هذه أسئلة يبدو أنّ دراستها وتحقيقها في غاية الأهمّية ، وأهمّها هو السؤال الثالث الذي يجب دراسته حتّى تنكشف حقيقة الأمر ويزال الالتباس عن ذهنيّة الاُمّة المسلمة المناصرة لرسالة الإمام وإبعاد الشبهات عن نهضة سيّد الشهداء (عليه السلام) ، التي ـ لا سمح الله ـ ستؤدّي إلى التقليل من أهمّية مقام الولاية .
وإليك جواب السؤال الثالث:
جواب السؤال الثالث :
أوّلا:
إذا افترضنا جدلا بعدم علم الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) بالحوادث والموضوعات ، وقلنا من وجهة نظر المباني الدينيّة: إنّ الاعتقاد به ليس ضروريّاً ، ولكن لا يمكن هنا إنكار حقيقة ، وهي أنّه لا يمكن إخضاع كافّة الموضوعات لمقياس واحد ، فإذا افترضنا أ نّ الإمام لا يعلم اسم الشخص الفلاني ، أو أين تقع الأرض الفلانية ، أو وجود الكهرباء ، فهذه الاُمور لا تمتّ بصلة من قريب أو بعيد إلى أساس الإسلام ومصير الاُمّة الإسلامية . ولكن هل لنا أن نفترض عدم علم الإمام بالموضوعات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسعادة المسلمين وحياتهم وتؤثّر
(الصفحة 223)
مباشرة على المسيرة الإسلامية؟ وهل يمكننا القول بصراحة بأنّه لايجب أن يحيط الإمام (عليه السلام) علماً بمثل هذه الاُمور؟
بالاستناد إلى هذا التفكيك في الموضوعات ، يبدو من الواضح ضرورة الاعتقاد من وجهة نظر الدين بأنّ مثل هذه الحوادث ليست بخافية على الإمام (عليه السلام) وإلاّ تعرّض كيان الإسلام إلى خطر السقوط والزوال ، وعليه : فلا يمكن إصدار نفس الحكم بشأن كافّة الموضوعات .
فإن قُلنا أيضاً بعدم امتلاكنا للدليل على علم الإمام بهذه الحوادث وتشخيصه لها ، فإنّنا لابدّ أن نعتقد بأنّ إمكان خطأ الإمام في تشخيصه لمثل هذه الحوادث من شأنه أن يسدّد بعض الضربات الموجعة إلى الإسلام والمسلمين ، فهل تجب طاعة واتّباع مثل هذا الإمام؟ أولا تنصرف الآية
{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاَْمْرِ مِنكُمْ}(1) إلى شيء آخر؟ أو لا تجب طاعة اُولي الأمر في الحوادث؟ هل تجب الطاعة للولي الذي يجوز عليه الخطأ؟
والآن نسأل هذا السؤال: واقعة كربلاء مِصداق لأيّ من الحوادث والموضوعات المذكورة آنفاً؟ هل هذه الواقعة المأساوية أمر جزئي لا مساس له بالإسلام والعالم الإسلامي؟ وهل كانت مصادمة عاديّة بين زعيم صالح وزعيم جبّار؟ أم أنّها كانت حادثة جوهرية ذات تأثير بالغ على مصير الإسلام؟
الجواب واضح تماماً ، فلا شكّ أنّ حادثة كربلاء كانت حادثة بالغة الخطورة على الإسلام والمسلمين ، وعلى ضوء ما أوردناه فإنّ علم الإمام (عليه السلام) بهذه الحادثة يبدو منطقياً تماماً ، كيف ينسب الجهل إلى الإمام وأنّه ورد ميداناً لم يتكهّن به حتّى سبّب ذلك ضرراً على الإسلام حسب رأي البعض! وكيف يحمل يزيد وزر تلك الأضرار والخسائر ؟! وكيف تجب طاعة الإمام في هذه الحركة التي لم يكن
- (1) سورة النساء: الآية 59 .
(الصفحة 224)
يعلم بعاقبتها؟!
يرى المؤلّف أنّ الإمام لم يكن على علم بعاقبة تلك الأُمور! ثمّ حذا حذو الطبري في أنّه لو سُئل: أين نذهب؟ أين سننزل؟ ما عاقبة هذا الأمر؟ لما أجابهم إلاّ بالقول: «لا ندري على ما تتصرّف بنا وبهم الأُمور» . كما يرى المؤلّف أنّ عاقبة الأمر لم تكن سوى تلك الخسارة العظيمة التي سدّدها يزيد الفاسق إلى الإسلام والمسلمين .
إذن ، فهو يعتقد بأنّ الإمام قد ارتكب عملا لا عن علم انطوى على تلك النتيجة الخاسرة ، إلاّ أ نّ الخسارة يتحمّلها يزيد وهو المسؤول عنها!
وعلى هذا فإنّ الأفراد الذين تخلّفوا عن الركب وعلى ضوء ذلك المصير معذورون في تركهم الإمام! هل هنالك من مسؤولية تقع على عبيدالله بن الحرّ الجعفي! طبعاً ليس أمامنا من سبيل سوى الإذعان باطّلاع الإمام (عليه السلام) وعلمه بكافّة تفاصيل الحوادث .
طريق مغلق ؟!
لعلّ هنالك من يسألنا : لم تحشرون أنفسكم في طريق مسدود ، فأنتم تقولون بأنّ الإمام (عليه السلام) كان عالماً بعاقبة النهضة ، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يلقي بنفسه في تلك التهلكة المميتة؟ كيف أقدم الإمام على تلك الحادثة ولم يتريّث رغم إضرارها بالإسلام والمسلمين؟ لِمَ لَمْ يستجب لنصائح ابن عباس ومحمّد بن الحنفية؟ ولِمَ لَمْ يتمكّن من التقى الإمام في مسيره عن ثني الإمام عن عزمه؟ فنقول في الجواب:
أوّلا:
أنّ حادثة كربلاء ليس فقط لم تضرّ بالإسلام والمسلمين ، بل ـ سنثبت في الفصل القادم إن شاء الله ـ أنّ هذه الحادثة كانت الخطوة الاُولى لاستعادة الإسلام حيويّته ، كما كانت الضربة الموجعة التي وجّهت لحكومة يزيد الغاشمة .