(الصفحة 64)خلاصة البحث:
يمكن خلاصة ما مرّ منّا خلال البحث في ما يلي:
1 ـ لا يستغني الدين الإسلامي عن إمام ، كما لا يستغني القرآن ـ الذي يُعتبر دستور وقانون المجتمع الإسلامي ـ عن شارح ومفسّر .
2 ـ لا يقتصر الإسلام على كونه سلسلة من الصفات الأخلاقية والمعنوية المكملة للخصائص الإنسانية السامية فحسب ، بل هو دين ينطوي على تعاليم شاملة تستهدف بناء المجتمع الإسلامي المقتدر في ظلّ الحكومة الإسلامية التي تنشد تربية الإنسان الصالح .
3 ـ تستند الحكومة الإسلامية إلى اُسس القوانين والتعاليم القرآنية ومبادئ السنّة النبويّة الشريفة .
4 ـ يتعذّر التعامل مع النصوص القانونية القرآنية دون توضيحها وشرحها من قِبل ذوي الاختصاص من زعماء الدين .
5 ـ تفيد الآيات والأخبار أنّ للأئمّة صلاحية وأهلية الخوض في التعاليم والبرامج القرآنية وتوضيحها وسبر أغوارها .
6 ـ أنّ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) هم زُعماء الأُمّة الإسلامية بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأنّهم مكلّفون بالنهوض بمسؤولية هذه الزعامة إلى يوم القيامة .
7 ـ نتيجة هذه الخلاصة هي أنّ الأئمّة يملكون شرائط الزعامة والإمامة ، وحيث إنّ أحد شروط زعامة المسلمين إلى يوم القيامة يتمثّل بالعلم التام والوقوف على جميع الحوادث والأخبار الخاصّة ، والإحاطة بأسرار القرآن ، والمعرفة بما غاب عن فهم الأُمّة وإدراكها من الاُمور ، كان من اللازم القول بأنّ للإمام علماً وإحاطة تامّة بخفايا القرآن والسُنّة ، وبخلافه فليس بوسعه أن يكون زعيماً للأُمّة إلى الأبد ومفسّراً للقرآن هادياً به .
(الصفحة 65){وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (سورة البقرة : الآية 127)
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (سورة البقرة : الآية 128)
{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (سورة البقرة : الآية 129)
(الصفحة 66)
(الصفحة 67)الدليل الرابع من القرآن
لم نتعرّض في الآيات السابقة إلى جذور الإمامة ولا إلى الصفوة من بني هاشم التي تتمثّل بشكل واضح بالأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، بل أشرنا إلى أنّ «أُولي الأمر» هم الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، كما ذهبنا إلى أنّهم مصداق قهري لهذا العنوان من خلال التأمّل في آيات القرآن الكريم ، وقلنا في خصوص الآية «والذين آمنوا» : إنّها تشير إلى شكل الزعامة والإمامة ، ثمّ خلصنا إلى أنّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) هو مصداق هذه الزعامة ، بالاستعانة بالروايات وأسباب النزول ، أمّا الآيات التي نعرض لدراستها الآن فهي تتناول أصالة الإمامة وتجذّرها في القرآن الكريم إلى جانب تأريخ تبلور ونشأة إمامة أئمّة الإسلام منذ زمان إبراهيم الخليل (عليه السلام) .
أجل ، إنّ إبراهيم (عليه السلام) سأل الله أن يرزقه من ذريّته إماماً يتزعّم شؤون الأُمّة الإسلامية ، وذريّة صالحة تتولّى من بعده زعامة الأُمّة . وبعبارة أوضح: فإنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) سألا الله أن يبعث رسولا من بني هاشم ، وأن تكون لهذا النبي ذريّة تتولّى هداية الأُمّة وإمامتها .
(الصفحة 68)
إذن ، فالآية القرآنية المُباركة قد خاضت بوضوح في أصالة الإمامة وضخامة ثقلها في المجتمع ، وأشارت بصراحة إلى صفوة من بني هاشم من شأنها زعامة وإمامة الأُمّة الإسلامية .
يبدو أنّ إثبات هذا الإدّعاء يتطلّب مزيداً من الدقّة والتأمّل في عدّة آيات من سورة البقرة وردت بهذا الشأن ، راجين من القُرّاء الأعزّاء الالتفات إلى النقاط التي بحثت سابقاً ، ليصدروا بعدها أحكامهم المنصفة بهذا الخصوص .دعوة النبي إبراهيم (عليه السلام) :
ماالذي أراده إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) من الحقّ تبارك وتعالى؟
يقول القرآن: إنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) هما رافعا قواعد بيت الله والكعبة ، فقد كان إبراهيم يبني البيت وكان إسماعيل يساعده في هذا البناء ، بينما كان إبراهيم منهمكاً بالبناء ـ يساعده في ذلك إسماعيل ـ سأل الله تعالى أن يتقبّل منهما هذا العمل .
إذن فالبنّاء هو إبراهيم ، والعامل إسماعيل ، والمقاول هو الله جلّ وعلا . فالبناء كان يهدف إلى إنشاء مركز التوحيد والعبادة وهذا المركز هو الكعبة ، ويصرّح القرآن بأنّ لإبراهيم وإسماعيل خمس دعوات سألاها الله سبحانه ، وهي:
1 ـ ربّنا اجعلنا مسلمَين لك .
2 ـ ومن ذرّيتنا أُمّة مسلمة لك .
3 ـ أرنا مناسكنا وتُب علينا .
4 ـ وابعث فيهم رسولا منك .
5 ـ يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم .
|