(الصفحة 202)
كربلاء أم لا؟ في حين فرغنا من إثبات علم الإمام بالغيب وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال لعلي (عليه السلام) : «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلاّ أنّك لستَ بنبيّ»(1) .
ولمّا كان مؤلّف الكتاب من الباحثين وقد ناشد الجميع تذكيره بالهفوات التي ربّما استبطنها الكتاب ، وقد دوّن عنوانه بغية استلام الرسائل في هذا المجال ، رأينا أنفسنا إتحافه ببعض الاُمور المتعلّقة بالكتاب من خلال هذا الكتاب الذي بين أيدينا ـ لا عن طريق الرسائل ـ فلعلّ كتابه خلّف هاجساً من القلق والاضطراب لدى الرأي العام .
آملين أن يعيد المؤلّف النظر في الطبعات الأُخرى ليتلافى ما فرط منه في ما سبق ، سائلين الإخوة المحقّقين والباحثين التماس العذر لنا في ما يبدر منّا من زلل وتذكيرنا به
{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (2).
ثلاثة أخطاء رئيسية :
1 ـ إنكار علم الإمام (عليه السلام) بشهادته في هذه الحركة .
2 ـ تضرّر الإسلام والمسلمين إثر حادثة كربلاء وشهادة الإمام (عليه السلام) .
3 ـ لم تكن ثورة الإمام (عليه السلام) سوى دفاعاً عن النفس .
الخطأ الرئيسي الأوّل :
رغم تصريح مؤلّف كتاب «شهيد جاويد» ـ في الصفحة السادسة من كتابه ـ بأنّ الإمام كان يعلم بأنّه سيُقتل في آخر الأمر ، إلاّ أنّ مباني الكتاب واُسسه قائمة على أساس إنكار علم الإمام بشهادته في هذه الحركة وسبي نسائه وعيالاته ،
- (1) الطرائف لابن طاووس: 415 ، وقد تقدّم عن نهج البلاغة في ص 189.
- (2) سورة البقرة: الآية 286 .
(الصفحة 203)
بحيث لو جرّد الكتاب من هذا المحور لاكتسب صبغة اُخرى ، فالإصرار على إنكار رؤيا الإمام (عليه السلام) وأمره من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) : «يا حسين اخرج إلى العراق . . .»(1)وحديث اُمّ سلمة وحوار محمّد بن الحنفية ، والترديد في دلالة الرواية الصحيحة الواردة في كامل الزيارات بأنّ الإمام (عليه السلام) قال: «مَن لحق بي استشهد . . .»(2)وقوله (عليه السلام) : «هاهنا والله محطّ رحالنا ومسفك دمائنا . . .»(3) وتلاوته لخطبته المعروفة «خُطّ الموت على ولد آدم . . .»(4) في مكّة ، أو خدشه في دلالة الخطبة «كأنّي بأوصالي . . .»(5) أو عدم التعرّض لها ، كلّ هذه الاُمور قائمة على أساس الإنكار ، غاية ما في الأمر أنّه يتعرّض لها من زاوية اُخرى ، بينما يبقى الهدف الأصلي متمثِّلا بإنكار علم الإمام بشهادته ، ولا نرى هذا الكلام جديداً ، فقد تعرّض أرباب المقاتل وأجابوا بما فيه الكفاية ، إلاّ أنّنا لم نلمس مثل هذه الشبهات والشكوك في الكتب التي تعرّضت لحادثة كربلاء .
بالطبع يمكن أن ترد مثل هذه الأُمور في بعض الأوساط الأُخرى التي ليس لها معرفة تُذكر بهذا الشأن وتجهل مقام الإمام ، إلاّ أنّ هذا الأمر يبدو أنّه يحمل نوعاً من الغرابة بالنسبة لعالم التشيّع الذي تثقّفوفَهِم أفكاروملابسات هذه الحادثة الخالدة .
الخطأ الرئيسي الثاني :
لقد اعترف المؤلّف ـ بالتلويح أو التصريح ـ بأنّ حادثة كربلاء وشهادة الإمام الحسين (عليه السلام) قد أدّت إلى الإضرار بالإسلام والمسلمين .
- (1) الملهوف لابن طاووس: 128 ، ينابيع المودّدة 3: 60 .
- (2) كامل الزيارات: 157 ح 195، وعنه بحار الأنوار 45: 87 ح 23 .
- (3) الملهوف لابن طاووس: 139 ، الاحاديث الغيبية 2: 309 .
- (4 ، 5) كشف الغمّة 2: 29 ، وعنه بحار الأنوار 44: 366 ـ 367.
(الصفحة 204)الخطأ الرئيسي الثالث :
يفيد التأمّل في الكتاب المذكور أنّه لم تكن هنالك من دوافع لثورة الإمام سوى الدفاع عن النفس ، وذلك لأنّ الإمام وبمجرّد أن يئس من النصر والإصلاح ورأى نفسه في قبضة العدوّ لم يكن له بُدّ من الدفاع عن نفسه .
نعم ، هذه هي أهمّ الأخطاء التي ارتكبها صاحب الكتاب ، ولا يسعنا الخوض في سائر الأخطاء التي لا ترتبط بمنهج هذا الكتاب .
ونخوض الآن في مناقشة الخطأ الأوّل والثاني ، وسيتّضح لدينا من خلال البحث الجواب على الخطأ الثالث ، ولذلك فلا حاجة لعنوان مستقلّ .
الكتاب والخطأ الأوّل :
1 ـ يستنتج من البحث الوارد بشأن دوافع الثورة بأنّ «الإمام ثار من أجل إنشاء الحكومة الإسلامية ، وهذا هو الهدف الأصلي والواقعي في حركته نحو الكوفة ، وذلك لأنّ كافّة الظروف كانت ممهّدة لنيل النصر» .
ويمكن القول بأنّ الهدف الأصلي للكتاب قد تبلور في هذا الأمر ، أي إنشاء الحكومة الإسلامية والقضاء على حكومة يزيد ، ولسنا الآن بصدد دراسة هذه القضية ، وسنتّفق والكاتب في أ نّ هدف الإمام كان يتمثّل بالأخذ بزمام الاُمور ، إلاّ أنّه ذكر في الصفحة السادسة من الكتاب «أنّ الإمام كان يعلم بأنّه سيُقتل فكيف له بذلك العسكر الذي رافقه أن يطيح بحكومة يزيد» .
وبناءً على هذا فلا يمكن الجمع من وجهة نظر الكاتب بين العزم الراسخ بالإطاحة بحكومة يزيد ، والعلم بالشهادة في تلك النهضة ، فهناك تباين بين الأمرين . فقد ظنّ بعدم إمكانية تحقيق الإمام للهدف وتعبئة الجهود من أجله ، بينما كان يعلم بأنّه سيُقتل دون نيل ذلك الهدف ، وحيث كان الهدف الذي ركّز عليه
(الصفحة 205)
الإمام (عليه السلام) من وجهة نظر الكاتب هو إنشاء الحكومة ، فلم يجد بدّاً من التنكّر لقضية علم الإمام (عليه السلام) بقتله في هذه النهضة ، ولا نريد أن نقول بأنّ هذا الفصل من الكتاب صرّح بنفي علم الإمام بشهادته ، بل حيث توصّل الكاتب إلى أنّ علم الإمام بشهادته في هذه الحركة يتنافى وهدف الكتاب في قيام الإمام من أجل الإطاحة بحكومة يزيد وإنشاء الحكومة الإسلامية ، فلم يكن أمامه من سبيل سوى إنكار علم الإمام بشهادته في هذه الحركة ، وهذا هو الأساس الذي ابتنى عليه الكتاب .
2 ـ لقد تنكّر الكتاب لكافّة الأدلّة التي تفيد ـ بغضّ النظر عن الأدلّة العامّة التي تصرّح بالعلم المطلق لكلّ إمام ـ علم الإمام (عليه السلام) بشهادته في هذه الحركة ، فهو إمّا كان يطعن فيها من حيث السند والاعتبار أو يناقشها من حيث الدلالة ، وهنا لايجب أن ننسى أنّ المؤلّف قال: لم يخرج الإمام من أجل الشهادة أبداً ، ففنّد كلّ ما يفيد هذا الأمر ، فمثلا علّق على عبارة الإمام (عليه السلام) : «من لحق بي استشهد» فقال: لا تعني هذه العبارة أنّ كلّ مَن يلحق بي يُقتل ، في حين لا يفهم العرف واللغة سوى ذلك ، بل يرى أنّ المعنى: مَن يلحق بي إنّما يتعرّض إلى الأخطار والشهادة ، أَوَ لا يعني بهذا أنّه ينكر علم الإمام بما سيقع في كربلاء؟
وبالطبع لا اُريد أن أقول بأنّ كافّة الأدلّة قطعية السند تأريخياً ، رغم القول بصحّتها من قبل كبار أرباب المقاتل ، بل أقول: إنّ كلّ ما بدر من المؤلّف كان اجتهاداً في التأريخ وليس من التأريخ في شيء ، ولم يهدف سوى إنكار علم الإمام (عليه السلام) بشهادته في هذه الحركة .
3 ـ كيف لنا أن نفترض عدم تنكّر المؤلّف لعلم الإمام بشهادته ، وهو الذي أورد عنواناً تساءل فيه عن قتل الإمام هل كان بنفع الإسلام أم بضرره ، ثمّ يذهب صريحاً ـ وسيأتي ذلك في مناقشة الخطأ الرئيسي الثاني ـ إلى أنّ قتل الإمام (عليه السلام) وحادثة كربلاء وسبي عيالات أهل البيت إنّما شكّلت ضرراً على الإسلام ، حيث
(الصفحة 206)
ذهب أيضاً إلى أنّ القول بالعلم يستلزم الاعتراف بإقدام الإمام (عليه السلام) على عمل لم يتضمّن سوى ضرر الإسلام والمسلمين ، لو كان الإمام عالماً بما ارتكب وما يتنافى والإسلام ، وعليه : فلا مفرّ للمؤلّف من الاعتقاد بعدم علم الإمام بشهادته في تلك النهضة .
وبعبارة أوضح: يعتقد المؤلّف بأنّ حادثة كربلاء قد أضرّت بالإسلام ـ سيأتي الردّ قريباً ـ وعلى هذا الأساس كان لابدّ له من التنكّر لعلم الإمام بما سيجري في تلك الحادثة ، وإلاّ لما ارتكب ذلك الفعل الذي أدّى إلى ضرر الإسلام ، وعليه : فلم يكن للإمام علم ، وإلاّ كان متعمّداً ـ والعياذ بالله ـ للإضرار بالإسلام .
4 ـ يفهم من الأدلّة التي ساقها المؤلّف في إطار حركة الإمام الحسين (عليه السلام) إلى الكوفة وإنشاء الحكومة الإسلامية ، أ نّ الإمام لم يكن ملتفتاً إلى الأحداث والوقائع التي ستنطوي عليها حادثة كربلاء . فقد صرّح في ص55 قائلا: «على ضوء المعادلات الطبيعية ـ والمقصود بالمعادلات الطبيعية هنا بقرينة العبارات السابقة واللاحقة: إعداد العدّة والعدد وشعبية الإمام ونصرة الكوفة له و . . . ـ فإنّ الإمام كان يأمل بتحقيق النصر في هذه المعركة والإطاحة بحكومة يزيد» .
ولنا هنا أن نسأله: هل يمكن الجمع بين الأمل ـ الذي يمثّل إحدى الصفات الإنسانية ـ والعلم بالشهادة في هذه النهضة؟ هل يمكن القول بأنّه كان يأمل بالإطاحة بحكومة يزيد والأخذ بزمام السلطة ، كما كان عالماً بأنّه سيُقتل قبل وصوله إلى الكوفة؟ كأن نقول مثلا بأنّ مسافراً انطلق من مدينة قم وهو يأمل بأنّه سيصل طهران في نفس ذلك اليوم ، كما أنّه موقن بأنّه سيموت في حادثة اصطدام خلال الطريق قبل أن يبلغ طهران .
أجل ، لا يمكن الجمع بين العلم بالشهادة في هذه الحركة ، والأمل التامّ بالنصر الذي يتمثّل بالإطاحة بحكومة يزيد .