(الصفحة 241)
ليس لنا من سبيل إلى النصر ودحر العدوّ سوى الحسين (عليه السلام) ، وكلّ من تخلّف عن الحسين (عليه السلام) فلن يشمّ رائحة النصر «مَن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام»(1)فالشعار الحسيني حيّ في جميع الضمائر ولا يقتصر على بني هاشم ومَن خوطب في زمانه ، فالحسين (عليه السلام) مظهر الحرّية ورفض الظلم والجور ، الحسين (عليه السلام) ثورة مفعمة بالدم تجري من عيون عشّاقه ومواليه .
ثالثاً:
الأحاديث التي وصلتنا عن أهل بيت الرسالة (عليه السلام) بشأن نهضة الحسين وعلمه بشهادته ، نكتفي بذكر طائفة منها:
الحديث الأوّل :
الحديث الذي نقله الشيخ محمّدبن يعقوب الكليني في كتابه الكافي ، المعتبر السند المؤيّد من قِبل العلاّمة المرحوم المجلسي في كتابه «مرآة العقول»(2) وهذا نصّه:
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن ضريس الكناسي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول ـ وعنده اُناس من أصحابه ـ : «عجبت من قوم يتولّونا ، ويجعلونا أئمّة ويصفون أ نّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم ، فينقصونا حقّنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا; أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ثمّ يخفي عنهم أخبار السموات والأرض ، ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم؟!
فقال له حمران: جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب
- (1) يأتي في ص 247.
- (2) مرآة العقول 3: 131 ح 4.
(الصفحة 242)
والحسن والحسين (عليهم السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله عزّ ذكره ، وما اُصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم والظفر بهم حتّى قتلوا وغلبوا؟
فقال أبو جعفر (عليه السلام) : يا حمران إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار(1) ثمّ أجراه ، فبتقدّم علم إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام علي والحسن والحسين (عليهم السلام) وبعلم صمت من صمت منّا ، ولو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله ـ عزّوجل ـ وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله ـ عزّوجل ـ أن يدفع عنهم ذلك ، وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم ، إذن لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثمّ كان انقضاء مدّة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد ، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ بك المذاهب فيهم»(2) .
مناقشة الحديث :
لا يسع المقام الخوض في تفاصيل هذا الحديث المعتبر الوارد عن الإمام الباقر (عليه السلام) ، وسنقتصر على الإشارة إلى بعض النقاط المهمة:
1 ـ تعتبر ولاية الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) من القضايا المسلّمة لدى شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وأنصارهم .
2 ـ تجب طاعة الأئـمّة على المسلمين كوجوب طاعتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فطاعتهم وطاعته من سنخ واحد .
3 ـ لا تجب طاعتهم لكونهم قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بل كونهم زُعماء يتحلّون
- (1) في نسخة اُخرى: «الاختبار» .
- (2) الكافي 1: 261 ـ 262 باب أنّ الأئمّة (عليهم السلام) يعلمون علم ما كان . . . ح4 .
(الصفحة 243)
بكافّة الصفات والشرائط اللازمة لإمامة الاُمّة ، وفي مقدّمة هذه الشرائط العلم والإحاطة التامّة بكافّة الموضوعات والحوادث والوقائع ذات الصلة بحياة الاُمّة الإسلامية وسبل سعادتها وفلاحها .
ومن هنا يتبيّن أنّ هؤلاء الزعماء ـ المتمثّلين بالأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) ـ لابدّ أن يكونوا عالمين بجميع خفايا الحوادث والاُمور المتعلّقة بمصير الإسلام والمسلمين ، والله سبحانه هو الذي يفيض عليهم ـ برحمته ـ هذه العلوم .
4 ـ لم تكن نهضة أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) نهضة قائمة على أساس الجبر والاضطرار ، ولم يخوضوا المعارك مرغمين ، بل كلّ ذلك يجري وفق خطّة مدروسة معلومة سلفاً ، وقد قلّدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه المسؤولية ، إلى جانب اطّلاعهم على التفاصيل . وعليه : فالقيام وظيفة لبعضهم ، قد حمّلهم إيّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن البارئ سبحانه وتعالى ، وذلك لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
{مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى}(1) فمن قام من الأئمّة (عليهم السلام) كان عالماً بعواقب الأمر غير متفاجئ بها ، وقد كلّف بهذه الوظيفة رغم علمه بما ستجرّه عليه من مصائب وويلات ، ولم يتحمّلوا هذه الحوادث المريرة إكراهاً ، بل كانوا مُختارين في أصل نهضتهم وتحمّل تبعاتها ، وهم يرون الشهادة كمالا لهم تجعلهم يقتفون أثر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السموّ والتكامل وبلوغ ذروة الإنسانية .
والآن نطرح هذا السؤال: أوليس الإمام الحسين (عليه السلام) هو أحد هؤلاء الزعماء؟ فقد عدّه الحديث السابق في مصافّ أمير المؤمنين وسائر الأئـمّة (عليهم السلام) ، أولم تكن كربلاء من الحوادث المرتبطة بمصير الإسلام والمسلمين؟ إذن ، فبنصّ الحديث لابدّ أن يكون الإمام عالماً بكافّة تفاصيل حادثة كربلاء ، وبنصّ الحديث فإنّ قيام الإمام يستند إلى علم سابق ، ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكلّف به الإمام (عليه السلام) . وهذا غير ما
- (1) سورة النجم: الآيتان 3 ـ 4 .
(الصفحة 244)
ذكرنا من أنّ الإمام يقتصر في علمه بالشهادة على ما أخبره به رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
وبناءً على هذا فلو ناقشنا الرؤيا التي نقلت عن ابن الأعثم(1) ، فإنّ مضمون هذا الحديث إزاء وظيفة الإمام هو نفس المضمون «يا حسين اخرج إلى العراق» مع الفارق في الإجمال والتفصيل ، بل يمكن القول بأنّ قيام الإمام (عليه السلام) كان بوحي من الله بفعل إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) ، كما فهمنا من الحديث أنّ قيام الحسين (عليه السلام) لم يكن اضطراراً بل جرى وفق خطّة مدروسة وعلم سابق ، كما فهمنا أنّ سكوت بعض الأئـمّة (عليهم السلام) كان يستند لهذه الرسالة والوظيفة .
فمن اعتقد بغير هذا لا يسعه أن يعقل مضمون الحديث بلزوم طاعة أئـمّة الدين ، وهذا ما تطرّقنا إليه سابقاً ، فكيف نعتقد بأنّ الإمام مفترض الطاعة في حين نعترف بخطأه في التشخيص أو وقوع الحوادث على عكس ما كان يتصوّر؟ كيف يجب اتّباع الإمام على مثل عبيدالله الحر الجعفي بينما كان يعتقد بأنّ مسلم كان ينتظر هزيمة منكرة . نعم الإمام (عليه السلام) لا يخطأ في تشخيصه أبداً وهو عالم بكلّ خفايا الأحداث .
الحديث الثاني :
وهو الحديث الذي نقله الشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه المتوفّى عام 368هـ .ق ـ اُستاذ الشيخ المفيد (رضي الله عنه) ـ في كتابه «كامل الزيارات» ، والكتاب المذكور أحد كتب الإماميّة المهمّة الذي يحظى باعتماد علماء الحديث والمتخصّصين بعلم
- (1) لا يخفى أنّ المحور الأصلي هو بحث أسس ومباني كتاب «شهيد جاويد» ولذلك لم نبحث الاُمور الجزئية من قَبيل هل أنّ ابن الأعثم موثوق في نقله أم لا ، ولذلك فإنّ فرض المناقشة في نقل رؤياه لا يعني أنّنا نؤيّد المناقشة ، بل أنّ هذا الفرض ليس بدليل على الانسجام مع الكتاب ; لأنّه خارج عن الحدود الأصلية في الكتاب المذكور .
(الصفحة 245)
الرواية ، وهو يصرّح في مقدّمة الكتاب بأنّه لا يورد إلاّ الموثوق من الأفراد ، ولذلك استدلّ كبار فقهاؤنا بهذه الروايات . وإليك نصّ الحديث:
قال : حدّثني أبي (رحمه الله) ومحمّد بن الحسين ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن أبيه ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إنّ الحسين (عليه السلام) خرج من مكّة قبل التروية بيوم ، فشيّعه عبدالله بن الزبير فقال: يا أبا عبدالله لقد حضر الحج وتدعه وتأتي العراق ، فقال: ياابن الزبير لأن اُدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أن اُدفن بفناء الكعبة»(1) .
وقفة مع الحديث :
لقد شعر عبدالله بن الزبير بالذهول والدهشة من حركة الإمام إبّان الحجّ فسأله: هذه مناسك الحجّ التي حضرها المسلمون من أكناف الدنيا وأطرافها ، فما الذي حدث ليترك الإمام ـ وهو الأعرف أكثر من غيره بمنزلة الحجّ وعظمة تلك المواقف ـ الحجاز ويتحرّك صوب العراق؟! ولاسيّما أنّ الإمام (عليه السلام) قد توقّف قبل عدّة شهور في مكّة ولا تستغرق مناسك الحجّ وقتاً طويلا .
طبعاً ، عبدالله بن الزبير يعلم أفضل من غيره أنّ الإمام لا يتخلّى عبثاً عن ذلك الأمر ، ولابدّ أن يكون هنالك دافع أشدّ قوّة جعله يحثّ الخطى لإدراك ما خفي كنهه ، ولعلّه أعتقد بل جزم أن ليس هنالك ما يدعو لحركة الإمام سوى الشعور بالخطر المحدق به ، إلاّ أنّه كان يرغب بسماع القضية من الإمام وهل أنّ الخطر واقع عن قريب لا محالة؟ وأنّ الإمام يمكن أن يتعرّض إلى الاغتيال في جوف الكعبة؟ لقد شعر الإمام بما يجول في فكر ابن الزبير فأجابه على الفور: أنّ مصرعي في كربلاء «شاطئ الفرات» لا حرم الكعبة الأمن .
- (1) كامل الزيارات: 151 ح184 ، وعنه بحار الأنوار 45: 86 ح 18 .