(الصفحة 35)
طالب ، ثمّ الحسن ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ، وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرأه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ سميّي محمّد وكَنِيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن علي»(1) .
ملاحظة:
في الرواية عدد من النقاط الجديرة بالاهتمام ، وهي:
1 ـ لقد فهم جابر من الآية الكريمة عين ما ذكرناه كراراً سابقاً ، كما ذهب إلى أنّ طاعة أُولي الأمر مماثلة ومشابهة لطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
2 ـ لقد عبّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ولاة الأمر بخلفائه وأئمّة المسلمين بعد رحيله ، والحال ليس هنالك من معنى للخليفة سوى الخلافة في المناصب والوظائف الرسالية .
3 ـ لقد ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسماء الأئمّة من بعده الذين لم يلدوا ذلك الحين ، كما ذكر خصال إمامين منهم ، وأنّ تسميتهم بأسمائهم وذكر بعض صفاتهم والإخبار عن لقاء جابر للإمام الباقر (عليه السلام) إنّما يدلّ على أنّ ذلك الإخبار كان مستنداً للوحي ، وأنّ الوحي هو الذي صرّح بأسمائهم وولايتهم; فالذي نخلص إليه من هذه الرواية هو أنّ الله عيّن هؤلاء الأئمّة لا رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
بعبارة أُخرى : هناك فرض يصرّح بأنّ الإمامة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كانت متروكة له ، فالنبي يستخلف من يشاء ، حيث فوّض الله له ذلك . كما هناك الفرض الآخر الذي يذهب إلى أنّ الله سبحانه هو الذي عيّن الأئمّة وبيّن صفاتهم للنبي (صلى الله عليه وآله) ،
- (1) كمال الدين: 253 ح 3، وعنه تفسير كنز الدقائق 2: 493.
(الصفحة 36)
والرواية دليل على صحّة الفرض الثاني ، وبناءً على هذا فإنّ الأئمّة الأطهار هم خُلفاء النبي وقادة الأُمّة وزعماء الدين إلى يوم القيامة ، وأنّ خلافتهم تستند إلى نصب إلهي ، وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يذكر أسماءهم وصفاتهم إلاّ عن طريق الوحي .
تحقيق آخر في الآية:
ما المُراد بالطاعة التي يؤخذ بنظر الاعتبار في مفهومها الأمر والآمر؟ هل تختصّ طاعة ولاة الأمر ببيان أحكام الله والحلال والحرام ، أي هل يجب على الأُمّة أن ترجع إليهم وتطيعهم في الواجبات والمحرّمات والمستحبّات؟
وبعبارة أُخرى : هل أنّ الأمر بالطاعة هو أمر إرشادي يقتصر على رعاية امتثال الأحكام الإلهية وتطبيقها على أقوال ولاة الأمر والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، وأن ليس هنالك أيّة طاعة خارج بيان الأحكام؟ فيكون معنى الآية الكريمة ، أن ارجعوا في تشخيص الواجبات والمحرّمات إلى النبي والإمام وأطيعوهما؟ أم أنّ ولاية الأمر تعني ولايتهم للمسلمين في كافّة الشؤون الاجتماعية والسياسية الفردية والجماعية التي تتعلّق بمصير وتعيين أُسلوب الحكم ، وأنّ ولايتهم في هذا الحكم إنّما ترتكز على تعاليم الإسلام؟
أم أنّ الطاعة المُفترضة أبعد من هذين الاحتمالين ، أي لابدّ من وجوب طاعتهم في الواجبات والمحرّمات والمستحبّات والمكروهات والمباحات ، كما تجب طاعتهم والإذعان لهم في كافّة الشؤون الاجتماعية والسياسية وشؤون الحكم وتطبيق الإسلام على أنّهم قادة المسلمين وزعماء الحكومة الإسلامية؟ .
يبدو أنّ الاحتمال الثالث هو الأقوى والأتمّ ، أي أنّ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) هم زعماء وأدلاّء على الطريق مطاعون في الأحكام التعبديّة ، كما أنّهم رؤوساء الحكومة الإسلامية والحاكمون على مقدّرات العالم الإسلامي ومطبّقو الأحكام
(الصفحة 37)
والتعاليم القرآنية; لأنّ ظاهر الآية
{أُولى الأمر} يقول: وأطيعوا أُولي الأمر ، ولو اقتصرت طاعتهم على الأحكام التعبديّة لما كان هناك من انسجام بين هذا الأمر والتعبير عنهم بولاة الأمر ، فالأمر الذي يُعنى به الشأن أو ذلك المعنى الاصطلاحي لايمكن الاقتصار به على أحكام الإسلام ، بل يمكن القول: إنّهم ليسوا آمرين في تفسير أحكام القرآن وبيان السُنّة النبويّة ، إنّما هُم مفسّرون وشارحون .
ومن هنايتبيّن أنّ ولاية الأمر تشتمل على معنى أكثر شمولية من تفسير القرآن الكريم وتبيين الحلال والحرام . وعليه : فإنّ طاعة ولاة الأمر تعني الانقياد لهم في كافّة الشؤون الاجتماعية والمهامّ السياسية للبلاد الإسلامية ، وإذا أصبحوا هم القادة والزعماء وجب أن تكون للإسلام مؤسّساته وجمعياته وحكومته التي تستند إلى القرآن والسُنّة النبويّة ، فالأئمّة الأطهار هم رؤوساء هذه الحكومة ، وكما استطاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يشكّل الحكومة الإسلامية ويدير شؤون البلاد، فقد تزّعمها كذلك أمير المؤمنين علي (عليه السلام) معتمداً نفس الاُسس والخطط التي اعتمدها النبي (صلى الله عليه وآله) .
ولدينا بعض الروايات التي تؤكّد هذا الأمر:
فقد صرّحت بعض الروايات المعتبرة في كتاب الكافي وغيره بهذا المضمون: «نزلت: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول . . . فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) : ألا من كنت مولاه فعليّ مولاه»(1) .
إذن فالآية «أطيعوا الله . . . .» بانية دعامة الوحدة الإسلامية والحكومة الإسلامية ، ومعتبرة الأئمّة الأطهار زعماء هذه الحكومة .
الحديث الثاني:
محمّد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن
- (1) الكافي 1: 286 ح 1، وعنه تفسير كنز الدقائق 3: 496 ـ 497.
(الصفحة 38)
يونس ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عيسى بن السري قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : حدّثني عمّا بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أنا أخذت بها زكى عملي ولم يضرّني جهل ما جهلت بعده ، فقال: «شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وحقّ في الأموال من الزكاة ، والولاية التي أمر الله بها ولاية آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ـ إلى أن قال: ـ قال الله عزّوجل:
{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الْرَّسُولَ وَأُوْلِى الاَْمْرِ مِنْكُمْ} فكان عليّ (عليه السلام) ، ثمّ صار من بعده حسن ، ثمّ من بعده حسين ، ثمّ من بعده علي بن الحسين ، ثمّ من بعده محمّد بن علي ، ثمّ هكذا يكون الأمر ، إنّ الأرض لا تصلح إلاّ بإمام» (1).
الحديث الثالث:
محمّد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزّوجل :
{فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً}(2)جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمّة ، فكيف يقرّون في آل إبراهيم (عليه السلام) وينكرونه في آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: قلت:
{وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً}؟ قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمّة ، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله ، فهو الملك العظيم(3) .
وهنا لابدّ من الالتفات إلى أنّ «الملك» بمعنى البلاد بضمّ الميم وبكسرها يعني المال ، كما يُقال: المَلِك لصاحب البلاد; والمالك لصاحب المال; ولذلك فالله سبحانه هو ملك الوجود ومالكه
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ . . .}(4) وحيث كانت مالكيّة الحقّ
- (1) الكافي 2: 21 ح 9.
- (2) سورة النساء: الآية 54.
- (3) الكافي 1: 206 ح 5، وعنه تفسير كنز الدقائق 2: 482 ـ 483.
- (4) سورة آل عمران: الآية 26.
(الصفحة 39)
تبارك وتعالى على الإطلاق مالكية حقيقية لا اعتبارية; لذلك يُقال له: «مالك الملك» .
إذن فقولنا: صاحب المُلك وصاحب المِلك لا يتنافى والآية القرآنية الكريمة ، وهناك الآيات القرآنية الأُخرى التي تؤيد هذا المعنى في أنّ الملك بالضمّ يعنى به البلاد ، فقد صرّحت الآية قائلة:
{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}(1) إلاّ أنّ هذه الآيات التي تتحدّث عن الملك لا تقتصر على الإشارة إلى البلاد ، بل الأهمّ من ذلك: أنّها تتحدّث عن صاحب البلاد ، فمثلا هذه الآية التي تقول بخصوص نبي الله داود:
{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} تفيد أنّ البلد الذي يقوده داود (عليه السلام) قد أصبح بلداً قوياً إثر زعامته وقيادته ، وكأنّ الذي يتبادر من الآية أنّ قوّة البلاد إنّما تكمن في قيادته وزعامته القويّة والعالمة المقتدرة ، إذن فالملك العظيم هو البلد القوي الذي يحكم من قبل زعيم قوي ومقتدر وعالم ، بحيث إذا قيل: البلد الفلاني هو بلد قوّي وواسع وعامر ، كان لابدّ من الإذعان إلى أنّ هذه المَنَعة والقوّة إنّما تعود إلى زعامة ذلك البلد .
إذن فالملك العظيم من وجهة نظر القرآن إشارة إلى امتلاك الزعامة الناجحة ، وهذا بدوره يزيح السِتار عن أمر عظيم في العثور على بلد عامر وقوي ومستقلّ من شأنه أن يلعب دوراً عالمياً من خلال اِعتماده على ذاته ومقوّماته ، أي أنّ رمز ظهور مثل هذه البلدان ليس سوى امتلاكها لزعيم قوي مقتدر .
وبناءً على هذا فإنّ قول الباقر (عليه السلام) هو عين الصواب ، وحقاً إنّه لباقر علوم الأوّلين والآخرين إذ قال (عليه السلام) : «الملك العظيم أن جعل فيهم أئمّة . . .» ومن هذه الجهة فإنّ هذه الآية دليل واضح على وجوب كون الأئمّة الأطهار هُم زعماء البلاد وقادة الأُمّة ، فإذا ما كانوا قادة الأُمّة كانت بلاد المسلمين قويّة مقتدرة .