جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 173)

حين تتلمذ الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) في مدرسة الرسالة ، وقد نالوا الإخلاص في العبودية بدعوة إبراهيم  (عليه السلام) ، ثمّ جدّوا في الورع والتقوى والتسليم والرضا والجهاد في الحقّ وطهارة المولد ، حتّى حظوا بعناية واهب العلم والعقل والنور ، فهم تلامذة الوحي ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة .
أفمن العجب أن تكون للأئمة مثل تلك الرؤية والبصيرة بحيث يرون جميع الأشياء ويحيطون بكافّة أسرار القرآن ومكنونات الخلقة ومصير المسلمين؟ فإن كان القرآن صرّح بأنّهم شُهداء على الناس ، فمن الطبيعي أن يفيض عليهم الرحمن بحارالعلم ومحيطات الحلم ويزوّدهم بالبصر والبصيرة ، بحيث لا يخفى عليهم شيء .
لقد ذهل عبدالله بن أبان الزيّات ـ الذي يتمتّع بمكانة خاصّة عند الإمام الرضا (عليه السلام)  ـ حين قال له الإمام (عليه السلام) : «والله إنّ أعمالكم لتُعرض عليّ في كلّ يوم وليلة»(1) .
فلمّا أحسّ الإمام (عليه السلام) منه ذلك قال له: ألم تقرأ الآية {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}(2) . وهنا التفت ابن الزيّات ليدرك القيمة الحقيقية للإمام ، وأن ليس هناك ما يدعو إلى الدهشة والعجب في أن يفيض الله على عالم الوجود بمثل هؤلاء العِباد فيلبسهم من حلل الكرامة والعلم ، والقرآن يقود إلى هذه الحقيقة . وقد ورد عن أمير المؤمنين ، وعلي بن الحسين زين العابدين ، وجعفر بن محمّد الصادق (عليهم السلام)  ، أنّهم قالوا: نحن شجرة النبوّة ، وبيت الرحمة ، ومفاتيح الحكمة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وموضع سرّ الله(3) .

  • (1) الكافي 1: 219 باب عرض الأعمال على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) ح4 .
  • (2) سورة التوبة : الآية 105  .
  • (3) الكافي 1: 221 باب أنّ الأئمّة (عليهم السلام) معدن العلم وشجرة النبوّة ح 1 ـ 3 .

(الصفحة 174)

لقد شاء الله لهذا البيت أن يرتفع ، فقد رفع إبراهيم بيت الله فسأله أن يرفع مقابل ذلك بيته بأن يُظهر تلك الصفوة التي تعيش التسليم والانقياد والطاعة والعبودية لله ، وقد استجاب الله دعوته . وقد قال القرآن بهذا الشأن: {فِى بُيُوت أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ* رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}(1) .
وقال الصادق (عليه السلام) : «إنّ الله لا يجعل حجّة في أرضه يُسأل عن شيء فيقول: لا أدري»(2) .

خلاصة هذا الفصل :

1 ـ اعترف ابن أبي الحديد بعلم أمير المؤمنين (عليه السلام) بحوادث المستقبل حتّى قال: «ولقد امتحنّا إخباره فوجدناها موافقة ، فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة» (3).
2 ـ تبيّن من مجموع الآيات والروايات أنّ للأئمة (عليهم السلام) شخصية بارزة في العِلم لدرجة الإحاطة بالغيب والحوادث إلى جانب التبحّر في علم الكتاب وأسرار الدين ، بحيث إنّ الله جعلهم شهوداً على أعمال الناس بنصّ القرآن ، ولم يصطفيهم الله إلاّ لإخلاصهم وتسليمهم وعبوديتهم له سبحانه ، وهم عيبة علم الله ونوره ، الأمر الذي برّأهم من كلّ عيب ونقص وجهل ، وهذا ما جعلهم يلهمون العلم بكافّة الحوادث وخفايا الخليقة والإحاطة بما كان ويكون ، كما وقفنا على حديث الإمام الرضا (عليه السلام) حين قال: إنّ أعمال الناس تُعرض عليّ في اليوم والليلة ،

  • (1) سورة النور : الآيتان 36 ـ 37  .
  • (2) الكافي 1: 227 باب أنّ الأئمّة (عليهم السلام) عندهم جميع الكُتب ح1 .
  • (3) تقدّم في ص 165 .

(الصفحة 175)

مستدلاًّ بجوابه لابن الزيّات بالآية الشريفة: {وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} .

ثمرة هذه الخلاصة :

ليست هنالك من ثمرة لهذه الخلاصة سوى أنّ الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) إنّما ينظرون بنور خاص إلى العالم وبصيرة ثاقبة بالغيب وخبرة بمتطلّبات الأُمّة الإسلامية والمسلمين إلى الأبد . ولعلّ هذه الاُمور قد تبادرت إلى أصحاب الأئـمّة (عليهم السلام) ليؤمنوا بأنّ أئـمّة الإسلام عالمون بالغيب ، ويسرّنا هنا أن نستشهد على ذلك بشاهد حيّ لترى كيف يفصح الإمام عن وقوفه على علم الغيب في الوقت الذي ينفيه عن نفسه .

رواية عميقة :

وردت هذه الرواية في أُصول الكافي في باب «نادر فيه ذكر الغيب» عن سدير ، قد يبدو تردّد البعض في سندها ، إلاّ أنّ متنها يشهد بصحّة صدورها ، فقد قال: كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزّاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبدالله (عليه السلام)  ، إذ خرج إلينا وهو مغضب ، فلمّا أخذ مجلسه قال: «يا عجباً لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب ، لا يعلم الغيب إلاّ الله عزّوجل ، لقد هممتُ بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي ، فما علمت في أيّ بيوت الدار هي .
قال سدير: فلمّا أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت أنا وأبو بصير وميسّر وقلنا له: جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك ونحن نعلم أنّك تعلم علماً كثيراً ولا ننسبك إلى علم الغيب؟
قال: فقال: يا سدير ألم تقرأ القرآن؟ قلت: بلى ، قال: فهل وجدت فيما قرأت
(الصفحة 176)

من كتاب الله عزّوجلّ: {قَالَ الَّذِى عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} (1)، قال: قلت: جعلت فداك قد قرأته ، قال: فهل عرفت الرجل ، وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟ قال: قلت: أخبرني به ، قال: قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر ، فما يكون ذلك من علم الكتاب؟ قال: قلت: جعلت فداك ما أقلّ هذا .
فقال: يا سدير ما أكثر هذا أن ينسبه الله ـ عزّوجلّ ـ إلى العلم اُخبرك به ، يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عزّوجل أيضاً {قُل كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} ، قال: قلت: قد قرأته جعلت فداك ، قال: أفمن عنده علم الكتاب كلّه أفهم ، أَم من عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت: لا ، بل من عنده علم الكتاب كلّه . قال: فأومأ بيده إلى صدره وقال: علم الكتاب والله كلّه عندنا ، علم الكتاب والله كلّه عندنا»(2) .
سدير : هو سدير بن حكيم المُكنّى بأبي الفضل من أصحاب الإمام السجّاد والباقر والصادق (عليهم السلام)  ، وقد اعتبرته كتب الرجال ثقة (3)، وكانت له منزلة عند الإمام (عليه السلام)  . وقد حُبس فدعا له الإمام (عليه السلام) فخرج من السجن ببركة الدعاء (4).
داود بن كثير : هو ابن خالد الرقّي ، ومن ثقات الأصحاب (5)، وقد قال الصادق (عليه السلام) : «أنزلوا داود الرقّي منّي منزلة المقداد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) »(6) وعدّه الشيخ المفيد في إرشاده من ثقات أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)  ، وقال: هو من خاصّته

  • (1) سورة النمل، الآية: 40.
  • (2) الكافي 1: 257 باب نادر فيه ذكر الغيب ح3 .
  • (3) معجم رجال الحديث: 8 / 34 ـ 37 .
  • (4) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ«رجال الكشي»: 210 رقم 372 .
  • (5) معجم رجال الحديث: 7 / 123 .
  • (6) مشيخة الفقيه، طريقه إلى داود الرقي، الاختصاص: 216 .

(الصفحة 177)

وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته (1).
أبو بصير: هو ليث بن البُختري المرادي المُكنّى بأبي بصير ، وهو ممّن لا نقاش في وثاقته ، وهو من أصحاب الإمام الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)  ، فإنّه وإن طعن فيه علماء الرجال باجتهاداتهم إلاّ أنّه في جلالة قدره رواية ذكرها محمّد بن قولويه القمي بسند معتبر عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، أنّ الصادق (عليه السلام) قال: «إنّ أصحاب أبي كانوا زيناً أحياءً وأمواتاً ، أعني زرارة ومحمّدبن مسلم ، ومنهم ليث المرادي وبريد العجلي ، هؤلاء القوّامون بالقسط ، هؤلاء القوّامون بالقسط ، هؤلاء السابقون السابقون أولئك المقربون(2) .
كان هؤلاء ثلاثة نفر ممّن حضر مجلس الإمام . أمّا الرابع وهو يحيى البزّاز فلم نعرفه ، و يحتمل أن يكون الخزّاز ، وهو من أصحاب الصادق و الكاظم (عليهما السلام)  (3).
فهؤلاء الرجال الذين حضروا مجلس الإمام الصادق (عليه السلام) هُم من كِبار الفُقهاء والعُلماء ، وقد قارن الإمام منزلة داود بن كثير بمنزلة المقداد لدى رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، والحال أنّ المقداد من كِبار صحابة النبي (صلى الله عليه وآله)  . وهم ممّن وقف على منزلة الإمام والإذعان له بعلم الغيب ، وهذا ما يفيده صدر الرواية .

شرح الرواية :

لقد تحاشى الإمام (عليه السلام) في بداية الرواية علمه بالغيب ، وقد تنزّل عن مكانته بحيث صعب عليه العثور على الجارية في إحدى غُرف الدار . ونعلم أنّ دار الإمام (عليه السلام) لم تكن من قَبيل ناطحات السحاب أو قصر الكرملن ، بحيث إذا اختفى

  • (1) الإرشاد للمفيد: 2 / 247 ـ 248.
  • (2) اختيار معرفة الرجال المعروف بـ«رجال الكشي»: 170 رقم 287 و ص 239 رقم 433 .
  • (3) رجال الشيخ الطوسي: 322 رقم 4807، معجم رجال الحديث: 20 / 99 رقم 13614 .