(الصفحة 198)
لوازم الزعامة الخالدة ، ولابدّ للحاكم الإسلامي من الإستناد إلى الغيب في حكومته .
2 ـ هل مجرّد بلوغ النبوّة أو الإمامة يجعلهم يدركون الغيب؟
الجواب : كلاّ ، فانّ مجرّد الإمامة لا تستلزم هذا الأمر ، فهم مقيّدون لا يعلمون دون عناية الحقّ ولطفه ، إلاّ أنّ سنّة الله جرت في أنّ أئـمّة الإسلام أن يحيطوا بكافّة الأسرار بفضل الإفاضة الرحمانية .
3 ـ هل تنحصر علوم زعماء الدين وأئـمّة المسلمين في إطار القرآن وأحكام الإسلام دون الحوادث الواقعة ومصير المسلمين ومستقبل الإسلام؟
الجواب : أفادت الدراسات والأبحاث السابقة أنّ علم الإمام لا ينحصر بالقرآن وأحكام الإسلام ، ولابدّ أن يحيط الزعيم بالحوادث ولاسيّما تلك المرتبطة بكيان الإسلام والمجتمع الإسلامي .
4 ـ هل الأئـمّة (عليهم السلام) عالمون بما كان وما يكون؟
الجواب : أشرنا باختصار إلى هذا الأمر ، وقد أوضحته الروايات التي صرّحت بأنّ عندهم المصحف بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخطّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، والذي يحتوي على جميع الحقائق والأسرار واُمور التأويل والتنزيل كما ورد في القرآن الكريم:
{تِبْيَاناً لِكُلِّ شَىْء}(1) فلابدّ من الإذعان بأنّهم عالمون بما كان وما يكون . ولا نرى المقام يسع للخوض في بيان المقصود بما كان وما يكون .
5 ـ هل علم الإمام (عليه السلام) بالأشياء حضوريّ ، أم حصولي؟
الجواب : لا نرى من جدوى في إطالة الكلام بهذا الشأن رغم إصرار البعض في مؤلّفاتهم على أنّ علم الإمام حضوري ، فما عند الإمام من العلم هو الإفاضة والعناية ،ومايهمّناهوالتأكّدمن علمه مهماكانت كيفيّته ما لم يستلزم أمراً غير معقول .
- (1) سورة النحل : الآية 89 .
(الصفحة 199)العلم الشائي :
هذا اصطلاح أورده علماء الكلام في أنّ الإمام (عليه السلام) عالم بكلّ شيء ولكن بالعلم الشائي ، أي متى شاء علم وإلاّ فلا . وبعبارة اُخرى : فإنّ عنان العلم بيد الإمام بمجرّد أن يريد العلم يعلمه .
ولا ندري من أين لعلماء الكلام هذا الاعتقاد ، وكيف يستدلّون عليه؟ فإن كان الدليل الأخبار ، فإنّنا تتبّعنا الأخبار التي اعتبرت العلم متوقّفاً على المشيئة ، فإذا هي ثلاثة أخبار في اُصول الكافي ـ التي تهتمّ بمثل هذه الأحاديث والأخبار ـ وهي لا تنفع المتكلّمين بهذا الشأن .
إيضاح :
هنالك أمران ينبغي توفّرهما من أجل صحّة الاحتجاج والاستدلال بأيّة رواية ، وهما:
1 ـ الوثوق بصدور الرواية عن الإمام (عليه السلام) .
2 ـ دلالة نصّ الحديث على المُراد بصورة واضحة ولو من بعض القرائن .
وممّا يؤسف له أنّ الروايات الواردة بهذا الشأن في باب «أنّ الأئـمّة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا علموا» ليست أكثر من ثلاث ، وهي تفتقر إلى السند وإلى الدلالة التي قال بها بعض المتكلّمين ، بل يمكن القول بأنّها روايتان ; لأنّ رجال السند بعد ابن مسكان متحد في روايتين ، وينتهي السند إلى أبي ربيع الشامي الذي روى عن الصادق (عليه السلام) .
عبارة الرواية الأُولى: «إنّ الإمام إذا شاء أن يعلم علم»(1) بينما عبارة الرواية
(الصفحة 200)
الثانية التي متحدّ في السند مع الأُولى «إنّ الإمام إذا شاء أن يعلم أُعلم»(1) وعبارة الرواية الثالثة «إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك»(2) .
وبالتمعّن في نصّ الرواية الثالثة والثانية ترى أنّ كلمة «علم» في الرواية الأُولى بضمّ العين وتشديد اللاّم فهي صيغة مجهولة من باب التفعيل لا بمعنى «يعلم» ، ولذلك فمفادها واحد ، وهو أنّ الإمام (عليه السلام) متى شاء أن يعلم يعلّمه الله ويفيض عليه «أعلمه الله ذلك» .
وعليه : فإن كان مستند هذا البعض من المتكلّمين بالعلم الشائي هذه الرواية ، كان لابدّ من القول بأنّ الروايات الثلاث لا تنطبق على العنوان المذكور في كلام المُتكلّمين ، وإن كانت هناك روايات اُخرى فإنّنا لم نعثر عليها . وبغض النظر عمّا مضى فإنّ سند الرواية ضعيف ، ويمكن القول بأنّ الروايات الثلاث دالّة على أنّ علم الإمام إفاضته ، ومتى غاب عنهم شيء تلطّف الله عليهم وكشفه لهم .
وهنا نأتي إلى اختتام البحث والتحقيق بشأن الإمامة وشرائطها ولا سيّما علم الإمام . وهنا لابدّ من القول بأنّ بحث الإمامة ليس من الأبحاث السهلة ، فمعرفة الإمام تتطلّب رؤية ثاقبة واُفق واسع ، وأنّى للقلوب الملوّثة أن تدرك شأن الإمام ، فقد قال الإمام الرضا (عليه السلام) : «إنّ الإمامة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم»(3) .
- (1) الكافي 1: 258 ح2 .
- (2) الكافي 1: 258 ح3 .
- (3) الكافي 1: 199 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته ح1 .
(الصفحة 201)علم الإمام سيّد الشهداء (عليه السلام) بحادثة كربلاء
اتّضح لدينا سابقاً بأنّ الإمام عالم ومحيط بكلّ حادثة في المسيرة التأريخية للمسلمين وإلى الأبد ، وعليه : فلم يعد هنالك من معنى للتساؤل عن أنّ سيّد الشُهداء (عليه السلام) كان عالماً بمصيره في كربلاء وسبي نسائه أم لا ، فهذا السؤال مثل من يسأل عن شُعاع الشمس هل يصل إلى ذلك المكان وهو يرى بأُمّ عينيه نورها الذي يضيء كلّ شيء!
ترى ما العمل وقد طرح هذا المبحث منذ القدم لدى العقلاء والمفكّرين؟ الأمر الذي جعلنا نتصدّى للخوض في مثل هذه المباحث ، ولعلّ مثل هذه العُقد والشُبهات قد تسلّلت إلى الكتاب المعروف: «شهيد جاويد» والحقّ أنّ المؤلّف قد اعتمد نهجاً جديداً في طرحه لأبعاد تلك الواقعة ، غير أنّه أخطأ في بعض الاستنتاجات وقراءة الأحداث ، وهذا ما دفعنا لأن نخصّص هذا الفصل لنقد محتوى ومضمون هذا الكتاب ، ولا يسعنا إلاّ أن نذعن ببراعة الكتاب سوى خاتمته التي طرحت هذا السؤال: هل كان الإمام الحسين (عليه السلام) يعلم بأنّه سيُقتل في
(الصفحة 202)
كربلاء أم لا؟ في حين فرغنا من إثبات علم الإمام بالغيب وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال لعلي (عليه السلام) : «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلاّ أنّك لستَ بنبيّ»(1) .
ولمّا كان مؤلّف الكتاب من الباحثين وقد ناشد الجميع تذكيره بالهفوات التي ربّما استبطنها الكتاب ، وقد دوّن عنوانه بغية استلام الرسائل في هذا المجال ، رأينا أنفسنا إتحافه ببعض الاُمور المتعلّقة بالكتاب من خلال هذا الكتاب الذي بين أيدينا ـ لا عن طريق الرسائل ـ فلعلّ كتابه خلّف هاجساً من القلق والاضطراب لدى الرأي العام .
آملين أن يعيد المؤلّف النظر في الطبعات الأُخرى ليتلافى ما فرط منه في ما سبق ، سائلين الإخوة المحقّقين والباحثين التماس العذر لنا في ما يبدر منّا من زلل وتذكيرنا به
{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (2).
ثلاثة أخطاء رئيسية :
1 ـ إنكار علم الإمام (عليه السلام) بشهادته في هذه الحركة .
2 ـ تضرّر الإسلام والمسلمين إثر حادثة كربلاء وشهادة الإمام (عليه السلام) .
3 ـ لم تكن ثورة الإمام (عليه السلام) سوى دفاعاً عن النفس .
الخطأ الرئيسي الأوّل :
رغم تصريح مؤلّف كتاب «شهيد جاويد» ـ في الصفحة السادسة من كتابه ـ بأنّ الإمام كان يعلم بأنّه سيُقتل في آخر الأمر ، إلاّ أنّ مباني الكتاب واُسسه قائمة على أساس إنكار علم الإمام بشهادته في هذه الحركة وسبي نسائه وعيالاته ،
- (1) الطرائف لابن طاووس: 415 ، وقد تقدّم عن نهج البلاغة في ص 189.
- (2) سورة البقرة: الآية 286 .