جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 303)

«هاهنا والله محطّ ركابنا وسفك دمائنا . . .»(1) .
كلّ هذه الشواهد ومئات القرائن الاُخرى تدعو إلى الجزم بأنّ الإمام (عليه السلام) لم يتقدّم قطّ بتلك المقترحات الثلاث إلى حكومة يزيد الخزي والعار ، ولا سيّما أنّ الإمام (عليه السلام) أعرف من الجميع بمدى إصرار يزيد على حزّ رأسه وابن مرجانة الذي غالباً ما كان يناديه الإمام بابن الزانية! ورغم كلّ ذلك ، فإذا كان هناك من يشعر بالترديد فإنّا نقول له ـ وفرض المحال ليس بمحال ـ : لو كان هناك من اقتراح فإنّما طرح على الناس بهدف إتمام الحجّة وكشف النقاب عن روحية أهل الكوفة المتعطّشة لإراقة الدماء وإفهام الدنيا بأنّ الإمام لا يحمل سوى رسالة الصلح والسلام التي اندفع إليها بكلّ ما أُوتي من قوّة ، إلى الحدّ الذي جعله يقدّم مثل هذه التنازلات حرصاً على سلامة الاُمّة وعدم سفك دمائها ، في حين لم تجبه حكومة الجبابرة وكانت مصرّة على قتله ، وإلاّ فكيان الإمام (عليه السلام) كان مفعماً بصرخات «هيهات منّا الذلّة» .

سؤال :
ربما كان هناك من يقول: المراد بالصلح المشرِّف هو ذلك الاقتراح ذكره عقبة بن سمعان ، في أنّ الإمام قال لهم: «دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة» . وقد أورد الإمام مثل هذا الاقتراح يوم عاشوراء ، وإذا تجاهل المؤلّف قول عقبة ، فليس له أن ينكر مثل هذا المضمون الذي صرّح به الإمام (عليه السلام) يوم عاشوراء .
إذن ، فالصلح المشرِّف هو هذا الاقتراح . ولابدّ من القول بأنّه مشرّف لكون الإمام لا يرضى بالقِتال وإراقة الدماء .

  • (1) الملهوف: 139 .

(الصفحة 304)

جواب :

كان الاقتراح على الناس لا أعوان الحكومة ، بينما حديث المؤلّف عن الصلح كان على أساس مفاوضة أعوان الحكومة ، فقد كتب المؤلّف في ص215: «وبعد أن رفض أعوان الحكومة عقد الصلح . . .» أوليس الصلح الذي رفضه أعوان الحكومة هو تلك المقترحات الثلاث؟ إذن ، فهذا الصلح لم يكن ذلك المقترح الذي نقله عقبة بن سمعان .
نعم ، لو تحدّث الإمام (عليه السلام) إلى الناس ، كان لابدّ من القول حقّاً أنّ هذا حديث الإمام واقتراحه على الناس ، وهو جدير بأن يُسمّى بالصلح المشرّف ، وذلك لأنّه مشروع يحول دون إراقة الدماء ويكشف عن حرص الإمام (عليه السلام) على سلامة الاُمّة ، رغم علمناأنّ تلك الاُمّة ليس لهاولالدمائهامن قيمةواعتبار من وجهة نظر الإسلام ، غير أ نّ رأفة الإمام (عليه السلام) ورحمته وحلمه لم تدعه يسمح بإراقة دماء حتّى تلك العصبة المراوغة الكاذبة الغادرة ، والحقّ أنّ هذا الصلح لما كان يهدف إلى سلامة الاُمّة فهو صلح مشرّف لا ذلّة فيه ، كما يمكن القول في نفس الوقت أنّه اقتراح لترك المخاصمة وكاشف عن عظمة الإمام ، ولكن وعلى أساس ما ذكر سابقاً ، لا يمكنه أن يكون كاشفاً عن الإرادة الجديّة للإمام بمصالحة الاُمّة ، وذلك لأنّ الإمام يعلم أنّ هذه الاُمّة مغلوبة على أمرها وليس لها من إرادة ، فهي حفنة جنود تزجّ بنفسها جهلا بالمعركة أملا في الحصول على حطام الدنيا وما يمنّيهم به أسيادهم ، وليس للجندي من حقّ في اتّخاذ القرار أو المشاركة في مفاوضات الصلح وما شاكل ذلك ـ طبعاً هذا في الأنظمة غير الإسلامية ، وإلاّ فهو صاحب قرار في الإسلام على ضوء المقرّرات والضوابط الإسلامية ـ كما كان الإمام عالماً بشهادته ، وهذا العلم يمنعنا من القول بأنّ إرادة الإمام (عليه السلام) الحقيقية كانت الدعوة إلى المصالحة .
وبناءً على هذا فإنّ طرح الاقتراح بهذه الجديّة لم يكن وارداً ، فلايمكن
(الصفحة 305)

للإمام (عليه السلام) أن يُطالب جدّياً بإخلاء سبيله ، ولعلّ مراده هدف أسمى من ذلك ، كأن يُفهم العالم أنّنا لسنا طلاّب حرب ، وأنّنا حريصون على الصلح والسلام إلى أبعد الحدود وهذا ما أبلغنا به الاُمّة ، إلاّ أنّ دعوتنا لم تلق آذاناً صاغية ، وحتّى لا ينبري أحد ليقول: لِمَ ألقى الإمام بنفسه في التهلكة؟ ليس للإمام من عداء لأحد من أبناء الاُمّة وقد حلّ عليها ضيفاً بعد أن دعته ، رغم علمه بعاقبة هذه الضيافة التي ستكون مائدتها رؤوس يطاح بها ودم عزيز يُسفك ، فهذا ما أوصاه به جدّه وأبوه من إجابة دعوة الناس .
إذن ، فالهدف الرئيسي للإمام (عليه السلام) هو إعلان الصلح والسلام وإماطة اللثام عن نيّات السوء التي يبيّتها يزيد ومردة الكوفة ، وإلاّ فالحسين (عليه السلام) كان يعلم بأنّ جيش عبيدالله بن زياد كان مسلوب الإرادة ، وحتّى لو افترض لهم ثـمّة إرادة ، مع ذلك كانوا من المردة والغدرة الفجرة الذين هبّوا لضيافة ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتلك الطريقة اللئيمة ، كان الإمام (عليه السلام) عالماً بأنّ تربة كربلاء ستشهد ذلك النزيف الدموي الطاهر ، وعليه : فاقتراح الإمام لم يكن سوى تعبيراً عن حبّه وحرصه على الإنسانيّة ، وبيان ذلّة ودناءة جيش ابن زياد ، وإتمام الحجّة على مَن شهد فصول ذلك المشهد الدامي في صحراء كربلاء .

ثورة الإمام (عليه السلام) ليست دفاعاً عن النفس

قيل: إنّ الهدف الذي يحظى باهتمام الإمام بالدرجة الثانية هو الصلح ، وحيث فشل الصلح فيأتي دور الاستسلام ووضع اليد بيد يزيد و . . . ورفض من قبل أعوان يزيد ، فقد انبثق الهدف الثالث: «الدفاع» وقال المؤلّف في وصفه للدفاع: «أيقن الإمام بأنّه إذا استسلم فسيُقتل بنفس الطريقة الذليلة التي قُتل بها مسلم بن عقيل ، وعليه : فليس له من سبيل أمام هجوم الأعداء سوى الدفاع . . .» .

(الصفحة 306)

إنّا وإن أوردنا هذه العبارة سابقاً إلاّ أنّنا نروم من تكرارها ، لتسهيل الوقوف على بعض الاُمور ، فالعبارة تُفيد أنّ عملية الدفاع قد ظهرت بعد فشل مشروع الاستسلام وهجوم العدو . وعليه : فالدفاع جاء بعد سلسلة من الفشل والهزيمة ، الفشل في تزعّم الاُمور والسيطرة على الكوفة والفشل في تحقيق الصلح المشرّف ، والفشل في التسليم إلى العدوّ ، وبالتالي عزم العدو على قتل الإمام (عليه السلام) !! فهل مثل هذا الدفاع مشرّف؟ وهل هذا الدفاع المشرّف شهادة؟ أم دفاع عن النفس؟
بعبارة اُخرى: هل أنّ شهادة الإمام كانت بهدف إحياء الإسلام وإماتة البدع وتحرير الاُمّة من براثن الطغاة؟ أم أفرزته الضرورة والاضطرار بعد فشل مشروع الاستسلام؟
ولو لم يدافع فماذا عساه أن يفعل؟ لا يسعنا أن نسمّي مثل هذه الشهادة سوى الدفاع عن النفس ، ونعتقد أنّ الإمام بريء من مثل هذه النهضة والثورة ، ونرى أنّ هناك خطّة عظيمة وراء قتل الحسين (عليه السلام) في كربلا ، خطّة مدروسة سلفاً جرى بها القلم ، وعلى الإمام (عليه السلام) تنفيذها شاء أم أبى في كربلاء ، وعليه أن يتضرّج بدمه فداءً للقرآن والإسلام . فقد قال الباقر (عليه السلام) : «يا حمران إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه»(1) .
أمّا الدفاع عن النفس فلا يعني سوى الاضطرار للقتل ; لأنّه من المفروض أنّ الإمام حتّى إذا استسلم فإنّه سوف يُقتل ، ولم يكن قد تكهّن بعاقبة الحركة حتّى زُجّ به في كربلاء زجّاً!! إذ ذاك لابدّ من إبطال كافّة كلمات الإمام ـ والعياذ بالله ـ التي قالها (عليه السلام) من قبيل: «لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً»(2) .
وقوله في ذي حسم حين اقترب من كربلاء: «ألا ترون أ نّ الحقّ لا يعمل به

  • (1) الكافي 1: 262 باب أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان . . . ح4 .
  • (2) الملهوف: 138، وعنه بحار الأنوار 44: 381 .

(الصفحة 307)

وأ نّ الباطل لا يُتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً ، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة . . .»(1) .
هذا هو الهدف الذي جعل الإمام (عليه السلام) يُقاتل حتّى الموت ويضحّي بالغالي والنفيس من أجل الشهادة .
الشهادة من أجل أهدافه السامية ، لا من أجل الدفاع عن النفس ، الإمام يريد نفسه لهدفه ، للإبقاء على اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحفظ القرآن والدفاع عن المظلومين والوقوف بوجه الظالمين ، هذه الأهداف أعزّ على الإمام من نفسه ، فهو القائل: «ألا ترون أ نّ الحقّ لا يُعمل به وأ نّ الباطل لا يتناهى عنه ، فليرغب المؤمن في لقاء ربّه» ليس هنالك من معنى للحياة في قاموس الإمام (عليه السلام) إذا ساد الباطل وضاع الحقّ .
إذن ،فهدف الإمام (عليه السلام) منذالبداية هوالشهادة من أجل الحقّ ،ومَن شكّ فليراجع تاريخ الطبري(2) ليرى كيف أعلن الإمام عزمه في ذي الحسم على الشهادة ، ولا نرى أيّ عقل سليم يقول بأنّ الإمام إنّما قرّر هذه الشهادة يوم عاشوراء بعد أن فشلت جميع مشاريعه الاستسلامية وذلك الذلّ والهوان في مهادنة يزيد ، أملاً في الحصول على بضعة أيّام ، فالإمام (عليه السلام) صمّم على الشهادة مسبقاً ; وهو الذي قال في مكّة: «وكأنّي وأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا» (3).
وقد بلغ به العزم والإرادة درجة جعلته لم يكترث لنصح ابن عباس وابن الحنفية وسائر بني هاشم ، كما لم يزحزحه عن موقفه ما أشار به عليه عبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر ، إلى جانب تحذير عبدالله بن جعفر ومنع عبدالله بن المطيع الإمامَ من الحركة ، إضافة إلى آراء العارفين بأوضاع الكوفة الذين أوجزوا له حالة

  • (1) تاريخ الطبري 4: 305 ، وفيه: شهادة بدل «سعادة».
  • (2) تاريخ الطبري 4: 305 .
  • (3) تقدم في ص 302.