(الصفحة 44)
اللحاظ الثاني: إنّ وظيفة الإمام في هذه الحكومة هي العمل بالقرآن وتطبيق أحكامه وتعاليمه ، فالقرآن لم ينزل لتقتصر الأُمّة على تلاوته ، وتحتكم في عملها ووظائفها للقوانين الوضعية التي يبتدعها بعض الأفراد بما لديهم من أفكار وآراء; الأفراد الذين لا يسعهم النظر إلى أبعد من الواقع الذي يعيشون فيه ويفتقرون للإحاطة التامّة بجميع المصالح والمفاسد ، فالمجتمع في ظلّ حكومة هؤلاء الأفراد يعيش في دوامة من القلق والاضطراب والفساد والانحراف ، فهي حكومة الأهواء والشهوات التي تحرق الأخضر واليابس من قيم الأُمّة .
أجل لابدّ أن يكون القرآن هو المنهج الذي تستمدّ منه القوانين في الدولة الإسلاميّة التي يتزعّمها الإمام ، فتكون وظيفته الانتصار للمظلوم وبسط القسط والعدل ، بحيث لا يطمع القوي في حيفه ولا ييأس الضعيف من عدله ، ولا ينبغي أن ينحرف الإمام قيد أنملة في إجرائه للقوانين الإسلامية التي تضمن العدل وتزيل الظلم والجور ، وأن يحبس نفسه لله ولا يرى سوى رضاه .
وبناءً على هذا لا ينبغي لأيّ عنصر سوى الحقّ أن يؤثّر على الإمام في بسطه للعدل والقسط ، من قبيل النسب والحصول على الجاه ، والقبلية والقومية ، وما إلى ذلك، وإلاّ فهو أسير بيد الشيطان، وليس لمثل هذا الفرد أهلية زعامة الإسلام والمسلمين.
هذه هي وظائف الإمام ، ولذلك قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حين ولي أمر الخلافة: «ليس أمري وأمركم واحداً ، إنّي اُريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم ، أيّها الناس أعينوني على أنفسكم ، وأيم الله لأنصفنّ المظلوم من ظالمه ولأقودنّ الظالم بخزامته حتّى أورده منهل الحقّ»(1) .
فأمير المؤمنين إنّما يحكم من أجل الله ، وحكومته إجراء العدل والانتصار
- (1) نهج البلاغة / لمحمّد عبده : ص 306 .
(الصفحة 45)
للمظلوم من الظالم ، لا يرى سوى الله وليس للهوى من سبيل إليه .
وبناءً على ذلك فمن وجهة نظر أمير المؤمنين وولده السعيد الحسين الشهيد (عليهما السلام) أنّ الإمام هو ذلك الشخص الذي يهيّئ نفسه لقيادة المسلمين وزعامتهم ، وأنّ الإمام هو الشخص الذي يتربّع على كرسي الحكم ويكوّن حكومة اجتماعية فعّالة تستهدف تجسيد العدالة والوقوف إلى جنب المظلوم ، وتطبّق القرآن الكريم في المجالات المختلفة للحياة .
والإمام في تطبيقه لهذه البرامج يكون شخصيّة إنسانيّة متسامية ، لا يفكّر بغير الله تعالى ، ولا مجال للأهواء والشهوات في إدارة تلك الحكومة ، ولا يحكم إلاّ من أجل رضا الله تعالى .
وإذا لم يتّخذ القرآن الكريم برنامجاً لعمله ، لا لأجل تثبيت سلطته الشخصية ، التي تجد طريقها إلى قلوب الناس من خلال إشاعة العدل والتوحيد ، ومن خلال هذا الطريق يحاول أن يثبّت سلطته ويُحكم سيطرته ، بل تطبيق العدالة لأجل العدل وإصلاح البلاد وإعمار المدن ، وإيواء المظلومين والأخذ بحقّهم ، وإحياء آثار النبوّة ، وحفظ كتاب الله ، وأخيراً لإحياء اسم الله ودعوتهم إليه سبحانه وإقبالهم على الله تعالى بقلوب متيّمة بحبّ الذات الأقدس .
ولذلك يصف (عليه السلام) هدفه من الحكومة وزعامة المسلمين: «اللهمّ إنّك تعلم أ نّه لم يكن الذي فينا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنردّ المعالم من دينك ونظهر الصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطّلة من حدوك»(1) .
- (1) نهج البلاغة / لمحمّد عبدة : ص 300 .
(الصفحة 46)
(الصفحة 47){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِم ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (سورة المائدة : الآية 54)
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الْصَّلَـوةَ وَيُؤْتُونَ الْزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (سورة المائدة الآية: 55).
وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ { (سورة المائدة: الآية 56)
(الصفحة 48)