(الصفحة 45)
للمظلوم من الظالم ، لا يرى سوى الله وليس للهوى من سبيل إليه .
وبناءً على ذلك فمن وجهة نظر أمير المؤمنين وولده السعيد الحسين الشهيد (عليهما السلام) أنّ الإمام هو ذلك الشخص الذي يهيّئ نفسه لقيادة المسلمين وزعامتهم ، وأنّ الإمام هو الشخص الذي يتربّع على كرسي الحكم ويكوّن حكومة اجتماعية فعّالة تستهدف تجسيد العدالة والوقوف إلى جنب المظلوم ، وتطبّق القرآن الكريم في المجالات المختلفة للحياة .
والإمام في تطبيقه لهذه البرامج يكون شخصيّة إنسانيّة متسامية ، لا يفكّر بغير الله تعالى ، ولا مجال للأهواء والشهوات في إدارة تلك الحكومة ، ولا يحكم إلاّ من أجل رضا الله تعالى .
وإذا لم يتّخذ القرآن الكريم برنامجاً لعمله ، لا لأجل تثبيت سلطته الشخصية ، التي تجد طريقها إلى قلوب الناس من خلال إشاعة العدل والتوحيد ، ومن خلال هذا الطريق يحاول أن يثبّت سلطته ويُحكم سيطرته ، بل تطبيق العدالة لأجل العدل وإصلاح البلاد وإعمار المدن ، وإيواء المظلومين والأخذ بحقّهم ، وإحياء آثار النبوّة ، وحفظ كتاب الله ، وأخيراً لإحياء اسم الله ودعوتهم إليه سبحانه وإقبالهم على الله تعالى بقلوب متيّمة بحبّ الذات الأقدس .
ولذلك يصف (عليه السلام) هدفه من الحكومة وزعامة المسلمين: «اللهمّ إنّك تعلم أ نّه لم يكن الذي فينا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنردّ المعالم من دينك ونظهر الصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطّلة من حدوك»(1) .
- (1) نهج البلاغة / لمحمّد عبدة : ص 300 .
(الصفحة 46)
(الصفحة 47){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِم ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (سورة المائدة : الآية 54)
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الْصَّلَـوةَ وَيُؤْتُونَ الْزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (سورة المائدة الآية: 55).
وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ { (سورة المائدة: الآية 56)
(الصفحة 48)
(الصفحة 49)الدليل الثالث من القرآن
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الْصَّلَـوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1) .
الولاية لله والرسول ، ثمّ لعدد من المؤمنين ، وكلمة «الذين آمنوا» ذات دائرة واسعة ، ممّا حدا بالقرآن لقصرها على طائفة خاصّة من المؤمنين فقال:
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الْصَّلَـوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـوةَ} .
فليس لجميع المؤمنين الولاية على الآخرين ، بل الولاية لفئة منهم ، فإن قيل بأنّ «الذين آمنوا» لها ظهور في عامّة الأفراد ، وهي تشمل كافّة المؤمنين على نحو القضية الحقيقية ، ولا تُشير على نحو القضيّة الخارجيّة إلى طائفة معينة ، نقول: ليس لهذا الكلام من معنى قابل للإدراك والتعقّل; لأنّه لا يمكن أن تكون الولاية لجميع المؤمنين على أنفسهم ، فولاية الجميع على الجميع لاتكون سوى الفوضى والهرج والمرج وانهيار النظام الاجتماعي ، في حين وردت الآية القرآنية في مقام جعل
- (1) سورة المائدة : الآية 55 .