(الصفحة 54)
عبدالله (عليه السلام) قال: «اِتّقوا الحكومة; فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبيّ أو وصيّ نبيّ»(1) .
3 ) وروى العياشي أنّ سعد قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الآية الشريفة:
{لَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهَا}(2) فقال: «آل محمّد (صلى الله عليه وآله) أبواب الله وسبيله والدعاة إلى الجنّة والقادة إليها والأدلاّء عليها إلى يوم القيامة»(3) .
4 ) نقل حمزة بن الطيّار أنّه عرض على أبي عبدالله (عليه السلام) بعض خطب أبيه حتّى إذا بلغ موضعاً منها قال له: «كفّ واسكت ، ثمّ قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إنّه لا يسعكم فيما ينزل بكم ممّا لاتعلمون إلاّ الكفّ عنه والتثبّت والردّ إلى أئمّة الهدى حتّى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ، ويعرّفوكم فيه الحقّ . قال الله تعالى:
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(4)»(5) .
5 ) ونورد هنا بعض ما أوصى به أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لكميل: «يا كُميل لا تأخذ إلاّ عنّا تكن منّا... يا كُميل هي نبوّة ورسالة وإمامة ، وليس بعد ذلك إلاّ موالين متّبعين أو عامِهين مبتدعين ، إنّما يتقبّل الله من المتّقين»(6) .
6 ) الحديث المتواتر والمتّفق عليه من العامّة والخاصّة والمعروف بحديث الثقلين الذي لم ينكره أحد ، وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قاله على سبيل اليقين ، فقد عيّن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث وظيفة المُسلمين إلى يوم القيامة ، معتبراً فيه القرآن
- (1) الكافي 7: 406 باب أنّ الحكومة إنّما هي للإمام ح1 .
- (2) سورة البقرة: الآية 189.
- (3) تفسير العيّاشي 1: 86 ح 210، وعنه بحار الأنوار 2: 104 .
- (4) سورة النحل: الآية 43 وسورة الأنبياء: الآية 7.
- (5) الكافي 1: 50 باب النوادر ح10 .
- (6) تحف العقول: 171 و 175.
(الصفحة 55)
والعترة الثقلين الذين لن تضلّ الاُمّة إذا ما تمسّكت بهما إلى يوم القيامة ، فقال (صلى الله عليه وآله) : «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا: كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»(1) .
7 ) هناك رواية صحيحة أو حسنة في كتاب الوسائل عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعن عبدالله بن الصلت جميعاً ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز بن عبدالله ، عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث في دعائم الإسلام ، قال: «أما لو أنّ رجلا قام ليله ، وصام نهاره ، وتصدّق بجميع ماله ، وحجّ جميع دهره ، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان»(2) .
فالذي يتّضح من هذا الحديث أنّ الإتيان بالتكاليف والوظائف الإسلاميّة لابدّ أن يكون من خلال إرشادات وولاية الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، فهم زُعماء الدين وقادة المُسلمين ، ولابدّ من تفويض الأعمال إليهم بهدف حفظ النظام الاجتماعي ومنع الفوضى والهرج والمرج .
8 ) ورد في الكتاب المذكور عن محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير يعني المرادي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في قول الله عزّوجل:
{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}(3)ـ «فرسول الله (صلى الله عليه وآله) الذكر ، وأهل بيته المسؤولون وهم أهل الذكر»(4) .
- (1) كفاية الأثر: 87 ; مختصر بصائر الدرجات: 213 ح 254; المراجعات: 279 .
- (2) وسائل الشيعة 1: 119 ح298 نقلاً عن الكافي 2: 19 ح5 .
- (3) سورة الزخرف: الآية 44.
- (4) وسائل الشيعة 27: 62 ح33203 .
(الصفحة 56)دراسة ضروريّة
استفاضت لدينا الروايات ـ كهاتين الروايتين ـ التي صرّح فيها الأئمّة (عليهم السلام) قائلين: نحن أهل الذكر وحملة القرآن ، وعلى الأُمّة أن تأخذ بهدينا في عملها بالقرآن ، فهذه الروايات تفوّض المسؤولية للأئمة (عليهم السلام) ، وعليه : فلابدّ أن يُناط حلّ المشاكل وإرشاد الأُمّة والأخذ بيدها ـ مع الأخذ بنظر الاعتبار تفسير الأئمّة (عليهم السلام) للآية الكريمة ـ بزعماء الدين .
أمّا ما ورد في الآية الشريفة
{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} فإنّه يدعونا إلى التأمّل في سورة الزخرف حيث تقول:
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم* وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}(1) ، فقد قال الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) : نحن قوم النبي (صلى الله عليه وآله) .
فالآية تصرّح بأنّ الصراط المستقيم هو القرآن ، وقد قلّدك القرآن ـ والأئمّة من بعدك ـ مسؤولية خطيرة ، كما أفاض عليكم هذا الكتاب علماً وإدراكاً ليس لكم أن تنهضوا بعبئه ومسؤوليته .
أفلا نفهم من هذه الآية وبضميمة الرواية أنّ المسؤولية التي كلّف بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد كلّف بها الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) أيضاً؟ أو ليست هذه الآية في مقام نصب الأئمّة كهداة للاُمّة الإسلامية على غرار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ؟
بلى ، الآية الكريمة على ضوء تفسير الإمام قد جعلت الأئمّة كرسول الله (صلى الله عليه وآله) هداة أدلاّء على الطريق ، وأنّ الصراط الذي يسلكونه هو الصراط الذي أوحاه لهم القرآن الكريم ، وأ نّ هذه الهداية وظيفة خطيرة ومسؤولية عظيمة بحيث إنّهم يُسألون عنها يوم القيامة: «وسوف يُسئلون» .
إذن فهم الأئمّة والزُعماء إلى يوم القيامة ، وعليهم أن ينهضوا بهذه المهمّة
- (1) سورة الزخرف: الآيتان 43 ـ 44 .
(الصفحة 57)
ولا يتوانوا في أدائها ، وذلك أنّهم مسؤولون عنها يوم القيامة .
وبناءً على ما تقدّم فالذي نستفيده من الآية الكريمة ورواية التفسير:ـ
1 ـ أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كالنبي (صلى الله عليه وآله) هم هُداة وأدلاّء على الطريق .
2 ـ أنّهم إنّما يستندون إلى الآيات القرآنية في هذه الهداية .
3 ـ أنّ وظيفة الأئمّة كوظيفة النبي بالتمسّك بالقرآن من أجل الهداية .
4 ـ أنّ هذه الوظيفة ـ أي هداية الأُمّة بالقرآن ـ هي وظيفة أبديّة إلى يوم القيامة .
5 ـ أنّ مسؤوليّة الأئمّة كالنبي في القيام بهذه الوظيفة ، فهي مسؤولية كبيرة وليس لهم أن يقصّروا في أدائها .
6 ـ الأئمّة كرسول الله (صلى الله عليه وآله) سيسألون يوم القيامة عن القيام بهذه الرسالة الخطيرة .
7 ـ للأئمة كما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إحاطة تامّة بالقرآن وأسراره ; لأنّه ذكر لهم كما هو ذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) :
{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} . وعليه : فإنّ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) هم زُعماء مسؤولون ، وأنّ القرآن قد حباهم بشرائط الإمامة وألهمهم الإحاطة باُمور المسلمين ، وعليهم أن يقوموا بوظيفتهم بإمامة كافّة شؤون المسلمين وحلّ مشاكلهم وتلبية متطلّباتهم ، وأن يأخذوا بأيديهم من خلال التمسّك بالقرآن إلى شاطئ الأمان والسعادة والفلاح .
ملاحظة : لقد تواترت الروايات التي تجاوزت حدّ الاستفاضة في تفسير هذه الآية ، ومن أراد المزيد من أجل الوقوف على صحّة هذا الإدّعاء فليراجع الأخبار الواردة بهذا الشأن .
8 ـ ورد في الكتاب المذكور والباب المذكور عن الصدوق في كتاب الأمالي وعيون الأخبار ، عن علي بن الحسين بن شاذويه ، وجعفر بن محمّد بن مسرور
(الصفحة 58)
جميعاً ، عن محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن الريّان بن الصلت ، عن الرضا (عليه السلام) ـ في حديث ـ أنّه قال للعلماء في مجلس المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية:
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} (1)، فقالت العلماء: أراد الله بذلك الاُمّة كلّها ، فقال الرضا (عليه السلام) : «بل أراد الله ـ عزّوجلّ ـ العترة الطاهرة»(2) .
بحث مختصر:
الاصطفاء : على وزن الافتعال وأصله من الصفو ، والصفو يعني الخالص ، وعليه : فإنّ الاصطفاء يعني الانتخاب الخالص ، والمصطفى يعني المنتخب الخالص «صفوة الشيء : خالصه» .
عباد جمع عبد ، والعبد هنا بمعنى العابد ، لا بمعنى المملوك ; لأنّ جمع العبد بمعنى المملوك هو عبيد .
قال الراغب الإصفهاني في المفردات: «وجمع العبد الذي هو مسترقّ عبيد ، وجمع العبد الذي هو عابد عباد» .
ويؤيّد القرآن الكريم قول الراغب ، فقد نعتت جميع الآيات القرآنية التي تحدّثت عن الكُفّار الذين اتّبعوا هوى أنفسهم والأوثان بالعبيد ، بينما أطلقت لفظ «العباد» على من عبدالله سبحانه ، ولم تستعمل لفظة «العباد» في مقابل «الإماء» إلاّ في آية واحدة هي
{وَأَنكِحُوا الاَْيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}(3) ، ولا يبعد هنا أن تكون لفظة «العباد» قد جاءت من أجل التشاكل اللفظي .
- (1) سورة فاطر: الآية 32.
- (2) وسائل الشيعة 27: 72، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 7 ح 33233 عن أمالي الصدوق: 615 ح 843 و عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 228 ب 23 ح 1 .
- (3) سورة النور: الآية 32 .