(الصفحة 63)
المسلمون قطّ أن يشكّلوا الحكومة العادلة والمدينة الفاضلة دون هؤلاء الهداة الذين لهم ولاية الأمر .
فإن قال قائل: لسنا بحاجة لهذه المدينة الفاضلة الإنسانية ، كما لا نريد الحكومة القائمة على أساس القرآن ، فالبشرية قد شكّلت الحكومة على أساس قدراتها العلمية والعقلية والتي حقّقت لها السعادة .
فإنّا نقول: لابدّ ـ على ضوء هذا القول ـ من غضّ الطرف عن القرآن واعتبار الإسلام دين العزلة والرهبنة ، في حين لابدّ لمن يؤمن بالقرآن والإسلام أن يذعن بأنّ القرآن والإسلام من شأنهما فقط إدارة شؤون الحياة الإنسانية ، وأن يقرّ أيضاً أن ليس هنالك من زعامة للحكومة الإسلامية وهداية بالقرآن وإحاطة بحقائقه ومعارفه سوى للأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، ولا يمكن للقرآن ـ بما أوردناه من خصائص ـ أن يكون هادياً للبشرية دون أولئك الهُداة الذين يهدون بأمر الله ، كما لا يمكن القول بأنّ الحكومة العادلة مطلوبة ، لكن دون الحاجة إلى زعماء الدين ومجسِّدي أحكام وقوانين القرآن ; لأنّ الأخبار والآيات دلّت على أنّ أئمّة الدين وهُداة المسلمين هم تلامذة الرسالة وربيبي مدرسة النبوّة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) .
إذن ، فلا يمكن ألاّ يكون هؤلاء ممن توفّرت فيهم شرائط الهداية بالقرآن واِمامة الأُمّة الإسلامية إلى يوم القيامة ، وبناءً عليه فلابدّ أن يكونوا محيطين بجميع رموز القرآن وأسراره ، عارفين بمحكمه ومُتشابهه ومطلقه ومقيّده ، عالمين بجميع الحوادث التي تواجه المسلمين; وإلاّ فأنّى لهم أن ينأوا بالمجتمع بعيداً عن آفات تلك الحوادث؟ فهل يسع ربّان السفينة أن يتكفّل بضمان سلامة ركّابها وهو يشقّ عباب البحر دون علم بأمواجه وجزره ومدّه والحوادث التي يمكن أن تطرأ عليه ؟!
(الصفحة 64)خلاصة البحث:
يمكن خلاصة ما مرّ منّا خلال البحث في ما يلي:
1 ـ لا يستغني الدين الإسلامي عن إمام ، كما لا يستغني القرآن ـ الذي يُعتبر دستور وقانون المجتمع الإسلامي ـ عن شارح ومفسّر .
2 ـ لا يقتصر الإسلام على كونه سلسلة من الصفات الأخلاقية والمعنوية المكملة للخصائص الإنسانية السامية فحسب ، بل هو دين ينطوي على تعاليم شاملة تستهدف بناء المجتمع الإسلامي المقتدر في ظلّ الحكومة الإسلامية التي تنشد تربية الإنسان الصالح .
3 ـ تستند الحكومة الإسلامية إلى اُسس القوانين والتعاليم القرآنية ومبادئ السنّة النبويّة الشريفة .
4 ـ يتعذّر التعامل مع النصوص القانونية القرآنية دون توضيحها وشرحها من قِبل ذوي الاختصاص من زعماء الدين .
5 ـ تفيد الآيات والأخبار أنّ للأئمّة صلاحية وأهلية الخوض في التعاليم والبرامج القرآنية وتوضيحها وسبر أغوارها .
6 ـ أنّ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) هم زُعماء الأُمّة الإسلامية بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ، وأنّهم مكلّفون بالنهوض بمسؤولية هذه الزعامة إلى يوم القيامة .
7 ـ نتيجة هذه الخلاصة هي أنّ الأئمّة يملكون شرائط الزعامة والإمامة ، وحيث إنّ أحد شروط زعامة المسلمين إلى يوم القيامة يتمثّل بالعلم التام والوقوف على جميع الحوادث والأخبار الخاصّة ، والإحاطة بأسرار القرآن ، والمعرفة بما غاب عن فهم الأُمّة وإدراكها من الاُمور ، كان من اللازم القول بأنّ للإمام علماً وإحاطة تامّة بخفايا القرآن والسُنّة ، وبخلافه فليس بوسعه أن يكون زعيماً للأُمّة إلى الأبد ومفسّراً للقرآن هادياً به .
(الصفحة 65){وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (سورة البقرة : الآية 127)
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (سورة البقرة : الآية 128)
{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (سورة البقرة : الآية 129)
(الصفحة 66)
(الصفحة 67)الدليل الرابع من القرآن
لم نتعرّض في الآيات السابقة إلى جذور الإمامة ولا إلى الصفوة من بني هاشم التي تتمثّل بشكل واضح بالأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، بل أشرنا إلى أنّ «أُولي الأمر» هم الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، كما ذهبنا إلى أنّهم مصداق قهري لهذا العنوان من خلال التأمّل في آيات القرآن الكريم ، وقلنا في خصوص الآية «والذين آمنوا» : إنّها تشير إلى شكل الزعامة والإمامة ، ثمّ خلصنا إلى أنّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) هو مصداق هذه الزعامة ، بالاستعانة بالروايات وأسباب النزول ، أمّا الآيات التي نعرض لدراستها الآن فهي تتناول أصالة الإمامة وتجذّرها في القرآن الكريم إلى جانب تأريخ تبلور ونشأة إمامة أئمّة الإسلام منذ زمان إبراهيم الخليل (عليه السلام) .
أجل ، إنّ إبراهيم (عليه السلام) سأل الله أن يرزقه من ذريّته إماماً يتزعّم شؤون الأُمّة الإسلامية ، وذريّة صالحة تتولّى من بعده زعامة الأُمّة . وبعبارة أوضح: فإنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) سألا الله أن يبعث رسولا من بني هاشم ، وأن تكون لهذا النبي ذريّة تتولّى هداية الأُمّة وإمامتها .
|