(الصفحة 205)
بسمه تعالى
بما أنّ كتاب الحجّ من العروة الوثقى لا يتضمّن جميع أبواب الحجّ، لذا لم يعلِّق عليه سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكراني مدّ ظلّه العالي، وطبع بلا حاشية.
ونظراً لوجود تعليقة لسماحته على كتاب الحجّ من تحرير الوسيلة فقد ألحقناها مع المتن بكتاب الحجّ من العروة الوثقى تكميلاً للفائدة.
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحجّ
[فصل في فضل الحجّ]
الذي هو أحد أركان الدين ومن أوكد فرائض المسلمين ، قال الله تعالى : {وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 3 / 97] . غير خفيّ على الناقد البصير ما في الآية الشريفة من فنون التأكيد ، وضروب الحثّ والتشديد، ولاسيّما ما عرّض به تاركه ; من لزوم كفره وإعراضه عنه بقوله عزّ شأنه : {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 3 / 97] . وعن الصادق (عليه السلام)في قوله عزّ من قائل : {وَمَنْ كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الاْخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا} [الإسراء: 17 / 72] قال: «ذلك الذي يسوّف نفسه الحجّ ; يعني حجّة الإسلام حتّى يأتيه الموت، وعنه (عليه السلام) : «من مات وهو صحيح موسر لم يحجّ فهو ممّن قال الله تعالى : {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 20 / 124] ، وعنه (عليه السلام) : «من مات ولم
(الصفحة 206)
يحجّ حجّة الإسلام ; لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديّاً أونصرانيّاً» . وفي آخر : «من سوّف الحجّ حتّى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديّاً أو نصرانيّاً» . وفي آخر : «ما تخلّف رجل عن الحجّ إلاّ بذنب وما يعفو الله أكثر» . وعنهم (عليهم السلام) مستفيضاً : «بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية» .
والحجّ فرضه ونفله عظيم فضله ، خطير أجره ، جزيل ثوابه ، جليل جزاؤه ، وكفاه ما تضمّنه من وفود العبد على سيّده ، ونزوله في بيته ومحلّ ضيافته وأمنه ، وعلى الكريم إكرام ضيفه وإجارة الملتجئ إلى بيته ، فعن الصادق (عليه السلام) : «الحاجّ والمعتمر وفد الله، إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن شفّعوا شفّعهم ، وإن سكتوا ابتدأهم ، ويعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم» . وعنه (عليه السلام) : «الحجّ والعمرة سوقان من أسواق الآخرة، اللازم لهما في ضمان الله ، إن أبقاه أدّاه إلى عياله ، وإن أماته أدخله الجنّة» . وفي آخر : «إن أدرك ما يأمل غفر الله له ، وإن قصر به أجله وقع أجره على الله عزّ وجلّ» . وفي آخر : «فإن مات متوجّهاً غفر الله له ذنوبه ، وإن مات محرماً بعثه الله ملبّياً ، وإن مات بأحد الحرمين بعثه الله من الآمنين ، وإن مات منصرفاً غفر الله له جميع ذنوبه» .
وفي الحديث : «إنّ من الذنوب ما لايكفّره إلاّ الوقوف بعرفة» . وعنه (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي توفّي فيه في آخر ساعة من عمره الشريف : «يا أبا ذر اجلس بين يدي اعقد بيدك : من ختم له بشهادة أن لا إله إلاّ الله دخل الجنّة ـ إلى أن قال : ـ ومن ختم له بحجّة دخل الجنّة ، ومن ختم له بعمرة دخل الجنّة . . .» الخبر . وعنه (صلى الله عليه وآله) : «وفد الله ثلاثة : الحاجّ والمعتمر والغازي ، دعاهم الله فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم» . وسأل الصادق (عليه السلام) رجل في المسجد الحرام من أعظم الناس وزراً؟ فقال : «من يقف بهذين الموقفين: عرفة والمزدلفة، وسعى بين هذين الجبلين، ثمّ
(الصفحة 207)
طاف بهذا البيت، وصلّى خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) ، ثمّ قال في نفسه وظنّ أنّ الله لم يغفر له ، فهو من أعظم الناس وزراً» .
وعنهم (عليهم السلام) : «الحاجّ مغفور له وموجوب له الجنّة ، ومستأنف له العمل، ومحفوظ في أهله وماله ، وأنّ الحجّ المبرور لا يعدله شيء ولا جزاء له إلاّ الجنّة ، وأنّ الحاجّ يكون كيوم ولدته اُمّه ، وأنّه يمكث أربعة أشهر تكتب له الحسنات ، ولا تكتب عليه السيّئات إلاّ أن يأتي بموجبه ، فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط بالناس ، وأنّ الحاجّ يصدرون على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته اُمّه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، فذلك أدنى ما يرجع به الحاجّ . وأنّ الحاجّ إذا دخل مكّة وكّل الله به ملكين يحفظان عليه طوافه وصلاته وسعيه ، فإذا وقف بعرفة ضربا على منكبه الأيمن ثمّ قالا : أمّا ما مضى فقد كفيته ، فانظر كيف تكون فيما تستقبل» . وفي آخر : «وإذا قضوا مناسكهم قيل لهم : بنيتم بنياناً فلا تنقضوه ، كفيتم ما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون» . وفي آخر : «إذا صلّى ركعتي طواف الفريضة يأتيه ملك فيقف عن يساره ، فإذا انصرف ضرب بيده على كتفه فيقول : يا هذا أمّا ما قد مضى فقد غفر لك ، وأمّا ما يستقبل فجدّ» . وفي آخر : «إذا أخذ الناس منازلهم بمنى نادى مناد : لو تعلمون بفِناء مَن حللتم لأيقنتم بالخلف بعد المغفرة» . وفي آخر : «إن أردتم أن أرضى فقد رضيت» .
وعن الثمالي قال: قال رجل لعليّ بن الحسين (عليهما السلام): تركت الجهاد وخشونته ولزمت الحجّ ولينه ، قال: وكان متّكئاً فجلس وقال : «ويحك أما بلغك ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع ; إنّه لمّا وقف بعرفة وهمّت الشمس أن تغيب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا بلال قل للناس : فلينصتوا ، فلمّا أنصتوا قال : إنّ ربّكم تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم ، وشفّع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفوراً لكم» . وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله)لرجل مميّل فاته الحجّ والتمس منه ما به ينال أجره : «اُنظر إلى
(الصفحة 208)
أبي قبيس، فلو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله تعالى ما بلغت ما يبلغ الحاجّ» ، ثمّ قال : «إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً ولم يضعه إلاّ كتب الله له عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات ، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّاً ولم يضعه إلاّ كتب الله له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه» . قال : فعدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)كذا وكذا موقفاً إذا وقفها الحاجّ خرج من ذنوبه ، ثمّ قال : «أنّى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاجّ» .
وقال الصادق (عليه السلام) : «إنّ الحجّ أفضل من عتق رقبة ، بل سبعين رقبة». بل ورد أنّه «إذا طاف بالبيت وصلّى ركعتيه كتب الله له سبعين ألف حسنة ، وحطّ عنه سبعين ألف سيّئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وشفّعه في سبعين ألف حاجة ، وحسب له عتق سبعين ألف رقبة ، قيمة كلّ رقبة عشرة آلاف درهم ، وأنّ الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من سبيل الله تعالى ، وأنّه أفضل من الصيام والجهاد والرباط ، بل من كلّ شيء ما عدا الصلاة» . بل في خبر آخر «أنّه أفضل من الصلاة أيضاً» ولعلّه لاشتماله على فنون من الطاعات لم يشتمل عليها غيره حتّى الصلاة التي هي أجمع العبادات ، أو لأنّ الحجّ فيه صلاة ، والصلاة ليس فيها حجّ ، أو لكونه أشقّ من غيره وأفضل الأعمال أحمزها ، والأجر على قدر المشقّة .
ويستحبّ تكرار الحجّ والعمرة وإدمانهما بقدر القدرة ، فعن الصادق (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خبث الحديد» . وقال (عليه السلام) : «حجج تترى وعمر تسعى يدفعن عيلة الفقر وميتة السوء» . وقال عليّ بن الحسين (عليه السلام) : «حجّوا واعتمروا تصحّ أبدانكم وتتّسع أرزاقكم ، وتكفون مؤنات عيالكم» .
(الصفحة 209)
وكما يستحبّ الحجّ بنفسه كذا يستحبّ الإحجاج بماله ، فعن الصادق (عليه السلام) أنّه كان إذا لم يحجّ أحجّ بعض أهله أو بعض مواليه ، ويقول لنا : «يا بنيّ إن استطعتم فلايقف الناس بعرفات إلاّ وفيها من يدعو لكم ، فإنّ الحاجّ ليشفّع في ولده وأهله وجيرانه» . وقال الصادق (عليهما السلام) لإسحاق بن عمّار لمّا أخبره أنّه موطّن على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسه أو برجل من أهله بماله : «فأيقن بكثرة المال والبنين ، أو أبشر بكثرة المال» . وفي كلّ ذلك روايات مستفيضة يضيق عن حصرها المقام ، ويظهر من جملة منها أن تكرارها ثلاثاً أو سنة وسنة لا إدمان ، ويكره تركه للموسر في كلّ خمس سنين ، وفي عدّة من الأخبار : «أنّ من أوسع الله عليه وهو موسر ولم يحجّ في كلّ خمس ـ وفي رواية أربع ـ سنين إنّه لمحروم» ، وعن الصادق (عليه السلام) : «من حجّ أربع حجج لم تصبه ضغطة القبر أبداً» .
مقدّمة
في آداب السفر ومستحبّاته لحجّ أو غيره
وهي اُمور :
أوّلها ـ ومن أوكدها ـ : الاستخارة ; بمنى طلب الخير من ربّه ، ومسألة تقديره له عند التردّد في أصل السفر أو في طريقه أو مطلقاً ، والأمر بها للسفر وكلّ أمر خطير أو مورد خطر مستفيض ، ولاسيّما عند الحيرة والاختلاف في المشورة ، وهي الدعاء لأن يكون خيره فيما يستقبل أمره ، وهذا النوع من الاستخارة هو الأصل فيها ، بل أنكر بعض العلماء ما عداها ممّا يشتمل على التفأل والمشاورة بالرِقاع والحَصَى والسبحة والبُندُقة وغيرها ; لضعف غالب أخبارها ; وإن كان العمل بها للتسامح في مثلها لا بأس به أيضاً ، بخلاف هذا النوع ; لورود أخبار كثيرة بها في
|