(الصفحة 61)
فصل
في صوم الكفارة
وهو أقسام:
منها: ما يجب فيه الصوم مع غيره، وهي كفارة قتل العمد، وكفارة من أفطر
على محرّم(1) في شهر رمضان، فإنّه تجب فيهما الخصال الثلاث.
ومنها: ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره; وهي كفارة الظهار، وكفارة
قتل الخطأ، فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق، وكفّارة الإفطار في قضاء
رمضان، فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام كما عرفت، وكفّارة اليمين; وهي
عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وبعد العجز عنها فصيام ثلاثة
أيّام، وكفارة صيد النعامة(2)، وكفارة صيد البقر الوحشي، وكفارة صيد الغزال،
فإنّ الأوّل تجب فيه بدنة ومع العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً، والثاني يجب فيه
ذبح بقرة ومع العجز عنها صوم تسعة أيّام، والثالث يجب فيه شاة ومع العجز عنها
صوم ثلاثة أيّام، وكفارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامداً; وهي بدنة وبعد
العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً، وكفارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتّى
أدمته، ونتفها رأسها فيه، وكفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو ولده، فإنّهما
ككفارة اليمين.
ومنها: ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه وبين غيره، وهي كفارة الإفطار في شهر
- (1) على الأحوط كما مرّ.
- (2) يأتي تفصيل الكفّارات المرتبطة بالحجّ في كتابه إن شاء الله تعالى.
(الصفحة 62)
رمضان، وكفارة الاعتكاف، وكفارة النذر والعهد، وكفارة جزّ المرأة شعرها في
المصاب، فإنّ كلّ هذه مخيّرة بين الخصال الثلاث على الأقوى، وكفارة حلق الرأس
في الإحرام; وهي دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام، أو التصدّق على ستة مساكين لكلّ
واحد مدّان.
ومنها: ما يجب فيه الصوم مرتّباً على غيره مخيّراً بينه وبين غيره; وهي كفارة
الواطئ أمته المحرمة بإذنه، فإنّها بدنة أو بقرة، ومع العجز فشاة أو صيام ثلاثة أيّام.
[2549] مسألة 1: يجب التتابع في صوم شهرين من كفارة الجمع أو كفارة
التخيير، ويكفي في حصول التتابع فيهما صوم الشهر الأوّل ويوم من الشهر الثاني.
وكذا يجب التتابع في الثمانية عشر بدل الشهرين، بل هو الأحوط(1) في صيام سائر
الكفارات، وإن كان في وجوبه فيها تأمّل وإشكال.
[2550] مسألة 2: إذا نذر صوم شهر أو أقل أو أزيد لم يجب التتابع إلاّ مع
الانصراف أو اشتراط التتابع فيه.
[2551] مسألة 3: إذا فاته النذر المعيّن أو المشروط فيه التتابع فالأحوط(2)
في قضائه التتابع أيضاً.
[2552] مسألة 4: من وجب عليه الصوم اللاّزم فيه التتابع لا يجوز أن يشرع
فيه في زمان يعلم أنّه لا يسلم له، بتخلّل العيد، أو تخلّل يوم يجب فيه صوم آخر من
نذر أو إجارة أو شهر رمضان، فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يجوز له أن
يبتدئ بشعبان، بل يجب أن يصوم قبله يوماً أو أزيد من رجب، وكذا لا يجوز أن
يقتصر على شوال مع يوم من ذي القعدة، أو على ذي الحجة مع يوم من المحرم
- (1) لا يترك.
- (2) استحباباً.
(الصفحة 63)
لنقصان الشهرين بالعيدين. نعم، لو لم يعلم من حين الشروع عدم السلامة فاتفق
فلا بأس على الأصح، وإن كان الأحوط(1) عدم الإجزاء، ويستثنى ممّا ذكرنا من
عدم الجواز مورد واحد; وهو صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتع إذا شرع فيه يوم
التروية، فإنّه يصحّ وإن تخلّل بينها العيد، فيأتي بالثالث بعد العيد بلا فصل، أو بعد
أيّام التشريق بلا فصل لمن كان بمنى، وأمّا لو شرع فيه يوم عرفة، أو صام يوم
السابع والتروية وتركه في عرفة لم يصح ووجب الاستئناف كسائر موارد وجوب
التتابع.
[2553] مسألة 5: كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لا لعذر
اختياراً يجب استئنافه، وكذا إذا شرع فيه في زمان يتخلّل فيه صوم واجب آخر
من نذر ونحوه، وأمّا ما لم يشترط فيه التتابع وإن وجب فيه بنذر أو نحوه(2) فلا
يجب استئنافه وإن أثم بالإفطار، كما إذا نذر التتابع في قضاء رمضان، فإنّه لو خالف
وأتى به متفرّقاً صحّ، وإن عصى من جهة خلف النذر.
[2554] مسألة 6: إذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع لعذر من الأعذار،
ـكالمرض والحيض والنفاس والسفر الاضطراري دون الاختياري ـ لم يجب
استئنافه، بل يبني على ما مضى. ومن العذر ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها; بأن
تذكّر بعد الزوال، ومنه أيضاً ما إذا نسي فنوى صوماً آخر ولم يتذكّر إلاّ بعد الزوال،
ومنه أيضاً ما إذا نذر قبل تعلّق الكفارة صوم كلّ خميس، فإنّ تخلّله في أثناء التتابع
لا يضرّ به، ولا يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من الخصال في صوم الشهرين
لأجل هذا التعذّر. نعم، لو كان قد نذر صوم الدهر قبل تعلّق الكفارة اتّجه الانتقال
- (1) لا يترك مع الالتفات والتردّد.
- (2) أي نذر التتابع أو نحو النذر.
(الصفحة 64)
إلى سائر الخصال.
[2555] مسألة 7: كلّ من وجب عليه شهران متتابعان من كفارة معينة أو
مخيّرة إذا صام شهراً ويوماً متتابعاً يجوز له التفريق في البقية ولو اختياراً لا لعذر،
وكذا لو كان من نذر(1) أو عهد لم يشترط فيه تتابع الأيام جميعها ولم يكن المنساق
منه ذلك. وألحق المشهور بالشهرين الشهر المنذور فيه التتابع، فقالوا: إذا تابع في
خمسة عشر يوماً منه يجوز له التفريق في البقية اختياراً، وهو مشكل، فلا يترك
الاحتياط فيه بالاستئناف مع تخلّل الإفطار عمداً وإن بقي منه يوم، كما لا إشكال في
عدم جواز التفريق اختياراً مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم المتتابع.
[2556] مسألة 8: إذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيام
السابقة، فهي صحيحة(2) وإن لم تكن امتثالاً للأمر الوجوبي ولا الندبي; لكونها
محبوبة في حدّ نفسها من حيث إنّها صوم، وكذلك الحال في الصلاة إذا بطلت في
الأثناء، فإنّ الأذكار والقراءة صحيحة في حدّ نفسها من حيث محبوبيّتها لذاتها.
فصل
[في أقسام الصوم]
أقسام الصوم أربعة:
واجب، وندب، ومكروه كراهة عبادة، ومحظور.
والواجب أقسام: صوم شهر رمضان، وصوم الكفارة، وصوم القضاء،
- (1) محلّ إشكال مع شرط أصل التتابع كما هو المفروض.
- (2) في النذر وشبهه، وفي غيرهما إشكال.
(الصفحة 65)
وصوم بدل الهدي في حج التمتع، وصوم النذر(1) والعهد واليمين، والملتزم بشرط أو
إجارة، وصوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف، أمّا الواجب فقد مرّ(2) جملة منه.
وأمّا المندوب منه فأقسام:
منها: ما لا يختص بسبب مخصوص ولا زمان معيّن، كصوم أيّام السنة عدا ما
استثني من العيدين، وأيّام التشريق لمن كان بمنى، فقد وردت الأخبار الكثيرة في
فضله من حيث هو ومحبوبيته وفوائده، ويكفي فيه ما ورد في الحديث القدسي:
«الصوم لي وأنا اُجازي به»(3) وما ورد من أنّ
«الصوم جُنّة من النار» وأنّ «نوم
الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله متقبّل، ودعاءه مستجاب». ونعم ما قال
بعض العلماء من أنّه لو لم يكن في الصوم إلاّ الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس
البهيميّة إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانيّة لكفى به فضلاً ومنقبة وشرفاً.
ومنها: ما يختص بسبب مخصوص، وهي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية.
ومنها: ما يختص بوقت معيّن، وهو في مواضع:
ومنها: وهو آكدها صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر، فقد ورد أنّه يعادل صوم
الدهر، ويذهب بوحر الصدر، وأفضل كيفياته ما عن المشهور، ويدلّ عليه جملة
من الأخبار; وهو أن يصوم أوّل خميس من الشهر وآخر خميس منه، وأوّل أربعاء
في العشر الثاني، ومن تركه يستحب له قضاؤه، ومع العجز عن صومه لكبر ونحوه
يستحب أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو بدرهم.
ومنها: صوم أيّام البيض من كلّ شهر، وهي الثالث عشر والرابع عشر
والخامس عشر على الأصح المشهور، وعن العمّاني أنّها الثلاثة المتقدّمة.
- (1) قد مرّ غير مرّة أنّ الواجب في مثل النذر هو عنوان الوفاء به، لا العنوان المتعلّق له.
- (2) ومن جملة ما مرّ ما يجب على الولي من قضاء ما فات عن الميّت.
- (3) أو اُجزي به أو اُجزي عليه، كما هو الموجود في محكيّ الحديث دون ما في المتن.