(الصفحة 663)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحوالة
[فصل
في معنى الحوالة وشرائطها وأحكامها]
وهي عندهم تحويل المال من ذمّة إلى ذمّة ، والأولى أن يقال : إنّها إحالة المديون دائنه إلى غيره ، أو إحالة المديون دينه من ذمّته إلى ذمّة غيره ، وعلى هذا فلاينتقض طرده بالضمان ، فإنّه وإن كان تحويلاً من الضامن للدين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّته إلاّ أنّه ليس فيه الإحالة المذكورة ، خصوصاً إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه .
ويشترط فيها ـ مضافاً إلى البلوغ والعقل والاختيار ، وعدم السفه في الثلاثة من المحيل والمحتال والمحال عليه ، وعدم الحجر بالسفه (1) في المحتال والمحال عليه(2) ، بل والمحيل ، إلاّ إذا كانت الحوالة على البريء فإنّه لا بأس به(3) ، فإنّه نظير
- (1) الظاهر اشتباه النسخ، والصواب بالفلس، كما أنّ الظاهر اتحاد حكم السفه معه.
- (2) لا وجه لاعتبار عدم الفلس بالإضافة إلى المحال عليه، والحجر عليه في أمواله الموجودة لا يستلزم الحجر عليه في الحوالة.
- (3) من دون فرق بين أن يكون المحيل مفلساً، أو المحال عليه.
(الصفحة 664)
الاقتراض منه ـ اُمور :
أحدها : الإيجاب والقبول على ما هو المشهور بينهم ، حيث عدّوها من العقود اللازمة، فالإيجاب من المحيل والقبول من المحتال ، وأمّا المحال عليه فليس من أركان العقد وإن اعتبرنا رضاه مطلقاً أو إذا كان بريئاً ، فإنّ مجرّد اشتراط الرضا منه لايدلّ على كونه طرفاً وركناً للمعاملة ، ويحتمل أن يقال : يعتبر(1) قبوله أيضاً ، فيكون العقد مركّباً من الإيجاب والقبولين ، وعلى ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود اللازمة ; من الموالاة بين الإيجاب والقبول ونحوها ، فلا تصحّ مع غيبة المحتال أو المحال عليه أو كليهما ; بأن أوقع الحوالة بالكتابة ، ولكن الذي يقوى عندي كونها من الإيقاع(2) . غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه ، ومجرّد هذا لايصيّره عقداً ، وذلك لأنّها نوع من وفاء الدين، وإن كانت توجب انتقال الدين من ذمّته إلى ذمّة المحال عليه ، فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء، وهو لايكون عقداً وإن احتاج إلى الرضا من الآخر ، كما في الوفاء بغير الجنس، فإنّه يعتبر فيه رضا الدائن ومع ذلك إيقاع ، ومن ذلك يظهر أنّ الضمان أيضاً من الإيقاع ، فإنّه نوع من الوفاء، وعلى هذا فلايعتبر فيهما شيء ممّا يعتبر في العقود
- (1) لا يبعد ذلك فيما إذا كانت الحوالة على البريء، أو بغير الجنس الذي على المحال عليه، ولكن الظاهر عدم إخلال الفصل على النحو المتعارف فيها، وأمّا في غيرهما فالأحوط اعتباره بالنحو الذي ذكرنا.
- (2) الظاهر أنّ الحوالة وكذا الضمان والوكالة كلّها من العقود، أمّا الحوالة فلأنّ حقيقتها لا ترجع إلى الوفاء، بل هي عبارة عن نقل المحيل ما في ذمّته للمحتال إلى المحال عليه، فهو تصرّف في ملك الغير من جهة، وفي ذمّة الغير من جهة اُخرى، ولا يعقل تحقّقها بدون القبول. وأمّا الضمان فكذلك لما ذكر. وأمّا الوكالة فلأنّها تغاير مجرّد الإذن; لأنّ حقيقتها النيابة المضافة إليهما، وليس لأحدهما الاستقلال فيها، والمفروض أنّه موضوع في الشرع والعرف لآثار خاصّة، وهذا بخلاف الإذن الذي هو مجرّد ترخيص.
(الصفحة 665)
اللازمة ، ويتحقّقان بالكتابة ونحوها ، بل يمكن دعوى أنّ الوكالة أيضاً كذلك ، كما أنّ الجعالة كذلك وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر ، ألا ترى أنّه لافرق بين أن يقول : أنت مأذون في بيع داري ، أو قال : أنت وكيل ، مع أنّ الأوّل من الإيقاع قطعاً .
الثاني : التنجيز(1) ، فلاتصحّ مع التعليق على شرط أو وصف ، كما هو ظاهر المشهور ، لكن الأقوى عدم اعتباره كما مال إليه بعض متأخّري المتأخّرين .
الثالث : الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال ، وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل فيما لو تبرّع المحال عليه بالوفاء; بأن قال للمحتال : أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي ، وحينئذ فيشترط رضا المحتال والمحال عليه دون المحيل ، لا وجه له ; إذ المفروض لايكون من الحوالة بل هو من الضمان ، وكذا من المحال عليه إذا كان بريئاً أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه ، وأمّا إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف ، ولايبعد التفصيل (2) بين أن يحوّله عليه بماله عليه; بأن يقول : أعطه من الحقّ الذي لي عليك ، فلايعتبر رضاه، فإنّه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه وإن كان بنحو إشتغال ذمّته للمحتال وبراءة ذمّة المحيل بمجرّد الحوالة ، بخلاف ما إذا وكّله ، فإنّ ذمّة المحيل مشغولة إلى حين الأداء ، وبين أن يحوّله عليه من غير نظر إلى الحقّ الذي له عليه على نحو الحوالة على البريء ، فيعتبر رضاه ; لأنّ شغل ذمّته بغير رضاه على خلاف القاعدة ، وقد يعلّل باختلاف الناس في الاقتضاء فلابدّ من رضاه ، ولايخفى ضعفه ، كيف وإلاّ لزم عدم جواز بيع دينه على غيره مع أنّه لا إشكال فيه .
- (1) على الأحوط.
- (2) لا محصّل لهذا التفصيل لعدم الفرق بين الحوالتين وكونهما بنحو واحد، والأحوط اعتبار رضاه، بل قبوله في المقامين.
(الصفحة 666)
الرابع : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل ، سواء كان مستقرّاً او متزلزلاً ، فلاتصحّ في غير الثابت ، سواء وجد سببه كـ «مال الجعالة» قبل العمل ومال السبق والرماية قبل حصول السبق ، أو لم يوجد سببه أيضاً كالحوالة بما يستقرضه ، هذا ما هو المشهور(1) ، لكن لايبعد كفاية حصول السبب كما ذكرنا في الضمان ، بل لايبعد الصحّة(2) فيما إذا قال : أقرضني كذا وخذ عوضه من زيد ، فرضي ورضي زيد أيضاً ; لصدق الحوالة وشمول العمومات ، فتفرغ ذمّة المحيل وتشتغل ذمّة المحال بعد العمل وبعد الاقتراض .
الخامس : أن يكون المال المحال به معلوماً جنساً وقدراً ، للمحيل والمحتال ، فلاتصحّ الحوالة بالمجهول على المشهور للغرر ، ويمكن أن يقال بصحّته إذا كان آئلاً إلى العلم كما إذا كان ثابتاً في دفتره ، على حدّ ما مرّ في الضمان من صحّته مع الجهل بالدين ، بل لايبعد الجواز مع عدم أوله إلى العلم بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقّن ، بل وكذا لو قال : كلّما شهدت به البيّنة وثبت خذه من فلان . نعم ، لو كان مبهماً كما إذا قال : أحد الدينين اللذين لك عليّ خذ من فلان، بطل ، وكذا لو قال : خذ شيئاً من دينك من فلان . هذا ، ولو أحال الدينين على نحو الواجب التخييري أمكن(3)الحكم بصحّته ; لعدم الإبهام فيه حينئذ .
السادس : تساوي المالين ـ أي المحال به والمحال عليه ـ جنساً ونوعاً ووصفاً على ما ذكره جماعة، خلافاً لآخرين ، وهذا العنوان وإن كان عامّاً إلاّ أنّ مرادهم
- (1) قد مرّ في باب الضمان أنّه الأحوط بل الأقوى.
- (2) والأقوى فيه عدم الصحّة.
- (3) لم يعلم الفرق بينه وبين الفرض السابق الذي صرّح فيه بالبطلان، إلاّ إذا فرض تساوي الدينين هنا من جميع الجهات دون ذلك الفرض، أو كان الغرض هناك ما كان معيّناً في قصده وإن لم يذكر. ودعوى كون هذه الصورة أولى بالصحّة ممنوعة.
(الصفحة 667)
بقرينة التعليل بقولهم : تفصّياً من التسلّط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمّته به ، إذ لايجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه فيما كانت الحوالة على مشغول الذمّة بغير ما هو مشغول الذمّة به; كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير ; بأن يدفع بدل الدنانير دراهم ، فلايشمل ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، أو على مشغول الذمّة بالدنانير بأن يدفع الدراهم ، ولعلّه لأنّه وفاء بغير الجنس برضا الدائن ، فمحلّ الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس ، والوجه في عدم الصحّة ما اُشير إليه من أنّه لايجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه ، وأيضاً الحكم على خلاف القاعدة، ولا إطلاق في خصوص الباب ولا سيرة كاشفة، والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة ، ووجه الصحّة أنّ غاية ما يكون أنّه مثل الوفاء بغير الجنس ولا بأس به (1)، وهذا هو الأقوى .
ثمّ لايخفى أنّ الإشكال إنّما هو فيما إذا قال : أعط ممّا لي عليك من الدنانير دراهم ; بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه ، وأمّا إذا أحال عليه بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من الدنانير فلاينبغي الإشكال فيه ، إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، وحينئذ فتفرغ ذمّة المحيل من الدراهم وتشتغل ذمّة المحال عليه بها ، وتبقى ذمّة المحال عليه مشغولة بالدنانير، وتشتغل ذمّة المحيل له بالدراهم ، فيتحاسبان بعد ذلك ، ولعلّ الخلاف أيضاً مختصّ بالصورة الاُولى لا ما يشمل هذه الصورة أيضاً ، وعلى هذا فيختصّ الخلاف بصورة واحدة وهي ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمّة; بأن يدفع من طرف ما عليه من الحقّ بغير جنسه ، كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم .
[3616] مسألة 1 : لا فرق في المال المحال به أن يكون عيناً في الذمّة أو منفعة أو
- (1) غاية الأمر أنّه قد مرّ اعتبار رضا المحال عليه حينئذ.