(الصفحة 770)
السابع : لا فرق في قيام الوارث مقام الموصى له بين التمليكيّة والعهديّة .
[3906] مسألة 8 : اشتراط القبول على القول به مختصّ بالتمليكيّة كما عرفت ، فلايعتبر(1) في العهديّة ، ويختصّ بما إذا كان لشخص معيّن أو أشخاص معيّنين ، وأمّا إذا كان للنوع أو للجهات كالوصيّة للفقراء والعلماء أو للمساجد فلايعتبر قبولهم أو قبول الحاكم فيما للجهات، وإن احتمل ذلك أو قيل . ودعوى أنّ الوصيّة لها ليست من التمليكيّة بل هي عهديّة، وإلاّ فلايصحّ تمليك النوع أو الجهات كما ترى(2) ، وقد عرفت سابقاً قوّة عدم اعتبار القبول مطلقاً ، وإنّما يكون الردّ مانعاً وهو أيضاً لايجري في مثل المذكورات، فلا تبطل بردّ بعض الفقراء مثلا ، بل إذا انحصر النوع في ذلك الوقت في شخص فردّ لا تبطل .
[3907] مسألة 9 : الأقوى في تحقّق الوصيّة كفاية كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ ، ولايعتبر فيه لفظ خاصّ ، بل يكفي كلّ فعل دالّ عليها حتّى الإشارة والكتابة ولو في حال الاختيار إذا كانت صريحة في الدلالة بل أو ظاهرة ، فإنّ ظاهر الأفعال معتبر كظاهر الأقوال ، فما يظهر من جماعة اختصاص كفاية الإشارة والكتابة بحال الضرورة لا وجه له ، بل يكفي وجود مكتوب منه بخطّه ومهره إذا علم كونه إنّما كتبه بعنوان الوصيّة ، ويمكن أن يستدلّ عليه بقوله (عليه السلام) :
«ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلاّ ووصيّته تحت رأسه». بل يدلّ عليه ما رواه الصدوق عن إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إليه : رجل كتب كتاباً بخطّه ولم يقل لورثته : هذه وصيّتي،
- (1) أي قبول الموصى إليه. وأمّا قبول الموصى له في الوصية العهدية; كما إذا أوصى بأن يعطى زيد مالاً فلا إشكال في اعتباره في تملّكه، وإن كان أصل الوصية عهدياً لا يعتبر فيه قبول الموصى إليه.
- (2) كما أنّ دعوى كونها قسماً ثالثاً مسمّى بالوصية التخصيصيّة; لامتناع تمليك النوع والجهة، وعدم كونها عهديّة أيضاً كذلك.
(الصفحة 771)
ولم يقل : إنّي قد أوصيت إلاّ أنّه كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب علىورثته القيام بما في الكتاب بخطّه ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب :
«إن كان له ولد ينفذون كلّ شيء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البرّ وغيره» .
[3908] مسألة 10 : يشترط في الموصي اُمور :
الأوّل : البلوغ ، فلاتصحّ وصيّة غير البالغ . نعم ، الأقوى وفاقاً للمشهور صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كان عاقلاً في وجوه المعروف للأرحام أو غيرهم(1) ; لجملة من الأخبار المعتبرة ، خلافاً لابن إدريس وتبعه جماعة .
الثاني : العقل ، فلا تصحّ وصيّة المجنون . نعم ، تصحّ وصيّة الأدواري منه إذا كانت في دور إفاقته ، وكذا لا تصحّ وصيّة السكران حال سكره، ولايعتبر استمرار العقل ، فلو أوصى ثمّ جنّ لم تبطل ، كما أنّه لو اُغمي عليه أو سكر لا تبطل وصيّته ، فاعتبار العقل إنّما هو حال إنشاء الوصيّة .
الثالث : الاختيار .
الرابع : الرشد ، فلا تصحّ(2) وصيّة السفيه وإن كانت بالمعروف ، سواء كانت قبل حجر الحاكم أو بعده ، وأمّا المفلس فلا مانع(3) من وصيّته وإن كانت بعد حجر الحاكم ; لعدم الضرر بها على الغرماء لتقدّم الدين على الوصيّة .
الخامس : الحرّية ، فلاتصحّ وصيّة المملوك بناءً على عدم ملكه وإن أجاز مولاه ، بل وكذا بناءً على ما هو الأقوى من ملكه ; لعموم أدلّة الحجر وقوله (عليه السلام) :
- (1) صحّة وصيّته للغرباء محلّ نظر بل منع، للرواية.
- (2) محلّ إشكال، خصوصاً إذا كانت بالمعروف وكان قبل حجر الحاكم، بل لا تبعد الصحّة في هذه الصورة.
- (3) غاية الأمر أنّه لا يترتّب على وصيّته أثر إلاّ في مثل ما إذا خرج حال الموت عن التفليس.
(الصفحة 772)
«لا وصيّة لمملوك» بناءً على إرادة نفي وصيّته لغيره لانفي الوصيّة له . نعم ، لو أجاز مولاه صحّ على البناء المذكور ، ولو أوصى بماله ثمّ انعتق وكان المال باقياً في يده صحّت على إشكال (1). نعم، لو علّقها على الحريّة فالأقوى صحّتها . ولايضرّ التعليق المفروض ، كما لايضرّ إذا قال : «هذا لزيد إن متّ في سفري» ولو أوصى بدفنه في مكان خاصّ لايحتاج إلى صرف مال فالأقوى الصحّة(2) ، وكذا ما كان من هذا القبيل .
السادس : أن لايكون قاتل نفسه ; بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه ; من جرح أو شرب سمّ أو نحو ذلك ، فإنّه لا تصحّ وصيّته على المشهور المدّعى عليه الإجماع ; للنصّ الصحيح الصريح ، خلافاً لابن إدريس وتبعه بعض ، والقدر المنصرف إليه الإطلاق الوصيّة بالمال ، وأمّا الوصيّة بما يتعلّق بالتجهيز ونحوه ممّا لا تعلّق له بالمال فالظاهر صحّتها ، كما أنّ الحكم مختصّ بما إذا كان فعل ذلك عمداً لا سهواً أو خطأً، وبرجاء أن يموت لا لغرض آخر ، وعلى وجه العصيان لا مثل الجهاد في سبيل الله ، وبما لو مات من ذلك ، وأمّا إذا عوفي(3) ثمّ أوصى صحّت وصيّته بلا إشكال ، وهل تصحّ وصيّته قبل المعافاة ؟ إشكال . ولايلحق التنجيز بالوصيّة . هذا ، ولو أوصى قبل أن يحدث في نفسه ذلك ثمّ أحدث صحّت وصيّته، وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها ; للصحيح المتقدّم مضافاً إلى العمومات .
[3909] مسألة 11 : يصحّ لكل من الأب والجدّ الوصيّة بالولاية على الأطفال مع فقد الآخر ، ولا تصحّ مع وجوده ، كما لايصحّ ذلك لغيرهما حتّى الحاكم الشرعي ،
- (1) قويّ، وكذا فيما بعده.
- (2) مشكل.
- (3) أو أوصى ثمّ عوفي، ولا وجه للإشكال فيه.
(الصفحة 773)
فإنّه بعد فقدهما له الولاية عليهم ما دام حيّاً ، وليس له أن يوصي بها لغيره بعد موته ، فيرجع الأمر بعد موته إلى الحاكم الآخر ، فحاله حال كلّ من الأب والجدّ مع وجود الآخر، ولا ولاية في ذلك للاُمّ ، خلافاً لابن الجنيد ، حيث جعل لها بعد الأب إذا كانت رشيدة ، وعلى ما ذكرنا فلو أوصى للأطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال وجعل أمره إلى غير الأب والجدّ وغير الحاكم لم يصحّ ، بل يكون للأب والجدّ مع وجود أحدهما وللحاكم مع فقدهما . نعم ، لو أوصى لهم على أن يبقى بيد الوصي ثمّ يملّكه لهم بعد بلوغهم أو على أن يصرفه عليهم من غير أن يملّكهم يمكن أن يقال بصحته وعدم رجوع أمره إلى الأب والجدّ أو الحاكم .
فصل
في الموصى به
تصحّ الوصيّة بكلّ ما يكون فيه غرض عقلائي محلّل ; من عين أو منفعة أو حقّ قابل للنقل ، ولا فرق في العين بين أن تكون موجودة فعلاً أو قوّة ، فتصحّ بما تحمله الجارية أو الدابّة أو الشجرة ، وتصحّ بالعبد الآبق منفرداً، ولو لم يصحّ بيعه إلاّ بالضميمة ، ولا تصحّ بالمحرّمات كالخمر والخنزير ونحوهما ، ولا بآلات اللهو ، ولا بما لا نفع فيه ولا غرض عقلائي، كالحشرات وكلب الهراش ، وأمّا كلب الصيد فلامانع منه ، وكذا كلب الحائط والماشية والزرع، وإن قلنا بعدم مملوكيّة ما عدا كلب الصيد ، إذ يكفي وجود الفائدة فيها ، ولا تصحّ بما لايقبل النقل من الحقوق كحقّ القذف ونحوه ، وتصحّ بالخمر المتّخذ للتخليل ، ولا فرق في عدم صحّة الوصيّة بالخمر والخنزير بين كون الموصي والموصى له مسلمين أو كافرين أو مختلفين ; لأنّ الكفّار أيضاً مكلّفون بالفروع . نعم ، هم يقرّون على مذهبهم وإن لم
(الصفحة 774)
يكن عملهم صحيحاً ، ولا تصحّ الوصيّة بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه . نعم ، لو أوصى فضولاً عن الغير احتمل صحّته(1) إذا أجاز .
[3910] مسألة 1 : يشترط في نفوذ الوصيّة كونها بمقدار الثلث أو بأقّل منه ، فلو كانت بأزيد بطلت في الزائد إلاّ مع إجازة الورثة بلا إشكال ، وما عن عليّ بن بابويه من نفوذها مطلقاً على تقدير ثبوت النسبة شاذّ ، ولا فرق بين أن يكون بحصّة مشاعة من التركة أو بعين معيّنة ، ولو كانت زائدة وأجازها بعض الورثة دون بعض نفذت في حصّة المجيز فقط ، ولا يضرّالتبعيض كما في سائرالعقود، فلو خلّف ابناً وبنتاً وأوصى بنصف تركته فأجاز الابن دون البنت كان للموصى له ثلاثة إلاّ ثلث من ستّة، ولو انعكس كان له اثنان وثلث من ستّة .
[3911] مسألة 2 : لايشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثلث الذي جعله الشارع له، فلو أوصى بعين غير ملتفت إلى ثلثه وكان بقدره أو أقلّ صحّت ، ولوقصد كونها من الأصل، أو من ثلثي الورثة وبقاء ثلثه سليماً مع وصيّته بالثلث سابقاً أو لاحقاً بطلت (2) مع عدم إجازة الورثة ، بل وكذا إن اتّفق أنّه لم يوص بالثلث أصلاً ; لأنّ الوصيّة المفروضة مخالف للشرع وإن لم تكن حينئذ زائدة على الثلث . نعم ، لو كانت في واجب نفذت ; لأنّه يخرج من الأصل إلاّ مع تصريحه بإخراجه من الثلث .
[3912] مسألة 3 : إذا أوصى بالأزيد أو بتمام تركته ولم يعلم كونها في واجب حتّى تنفذ ، أو لا حتّى يتوقّف الزائد على إجازة الورثة ، فهل الأصل النفوذ إلاّ إذا ثبت عدم كونها بالواجب ، أو عدمه إلاّ إذا ثبت كونها بالواجب ؟ وجهان ، ربما
- (1) بل هذا هو الظاهر، وكذا في الصورة الاُولى لعدم الفرق.
- (2) مع وصيّته بالثلث سابقاً، ومع عدمها فالبطلان محلّ إشكال، ومع عدمها رأساً الظاهر هي الصحّة.