(الصفحة 5)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصوم
وهو الإمساك عمّا يأتي من المفطرات بقصد القربة، وينقسم إلى الواجب
والمندوب والحرام والمكروه بمعنى قلّة الثواب، والواجب منه ثمانية: صوم شهر
رمضان، وصوم القضاء، وصوم الكفّارة على كثرتها، وصوم بدل الهدي في الحجّ،
وصوم النذر(1) والعهد واليمين، وصوم الإجارة ونحوها كالشروط في ضمن العقد،
وصوم الثالث من أيّام الاعتكاف، وصوم الولد الأكبر عن أحد أبويه.
ووجوبه في شهر رمضان من ضروريّات الدين، ومنكره مرتدّ يجب قتله(2)،
ومن أفطر فيه لا مستحلاًّ عالماً عامداً يعزّر بخمسة وعشرين(3) سوطاً، فإن عاد
- (1) لكن الواجب في النذر وشبهه، وكذا في الإجارة والشرط ليس هو عنوان الصوم، بل الوفاء بهذه العناوين المتحقّق بالصوم.
- (2) فوراً إن كان فطرياً، وإذا لم يتب بعد الاستتابة إن كان مليّاً.
- (3) هذا التقدير مع كونه مخالفاً لظاهر إطلاق التعزير لم يرد في غير الجماع مع الأهل، والتعدّي منه غير ظاهر.
(الصفحة 6)
عزّر ثانياً، فإن عاد قتل على الأقوى، وإن كان الأحوط(1) قتله في الرابعة، وإنّما
يقتل في الثالثة أو الرابعة إذا عزّر في كلّ من المرّتين أو الثلاث، وإذا ادّعى شبهة
محتملة في حقّه درئ عنه الحدّ.
فصل
في النيّة
يجب في الصوم القصد إليه مع القربة والإخلاص كسائر العبادات(2)، ولا يجب
الإخطار، بل يكفي الداعي، ويعتبر فيما عدا شهر رمضان حتّى الواجب المعيّن أيضاً
القصد إلى نوعه من الكفّارة أو القضاء أو النذر مطلقاً كان أو مقيّداً بزمان معيّن، من
غير فرق بين الصوم الواجب والمندوب، ففي المندوب أيضاً يعتبر تعيين نوعه(3)
من كونه صوم أيّام البيض مثلاً أو غيرها من الأيّام المخصوصة، فلا يجزئ القصد
إلى الصوم مع القربة من دون تعيين النوع، من غير فرق بين ما إذا كان ما في ذمّته
متّحداً أو متعدّداً، ففي صورة الاتحاد أيضاً يعتبر تعيين النوع، ويكفي التعيين
الإجمالي; كأن يكون ما في ذمّته واحداً، فيقصد ما في ذمّته وإن لم يعلم أنّه من أيّ
نوع وإن كان يمكنه الاستعلام أيضاً، بل فيما إذا كان ما في ذمّته متعدّداً أيضاً يكفي
التعيين الإجمالي; كأن ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلاً أو ثانياً أو نحو ذلك.
- (1) في كونه أحوط نظر وإشكال.
- (2) التشبيه إنّما هو في أصل اعتبار القصد، وأمّا في كيفيّته فيفترق عنها كما سيأتي.
- (3) أي في حصول ذلك النوع، وأمّا في صحّة أصل الصوم فلا، كما أنّه لو كانت الخصوصية بوقوعه في الزمان الخاصّ كأوّل الشهر وأيّام البيض يكفي قصد صوم ذلك الزمان، بل يمكن أن يقال بأولوية هذه الصورة من المندوب المطلق.
(الصفحة 7)
وأمّا في شهر رمضان، فيكفي قصد الصوم وإن لم ينو كونه من رمضان، بل لو
نوى فيه غيره جاهلاً أو ناسياً له أجزأ عنه. نعم، إذا كان عالماً به وقصد غيره لم
يجزئه كما لا يجزئ لما قصده أيضاً، بل إذا قصد غيره عالماً به مع تخيّل صحّة الغير
فيه ثمّ علم بعدم الصحّة وجدّد نيّته قبل الزوال لم يجزئه أيضاً(1)، بل الأحوط عدم
الإجزاء(2) إذا كان جاهلاً بعدم صحّة غيره فيه، وإن لم يقصد الغير أيضاً بل قصد
الصوم في الغد مثلاً، فيعتبر في مثله تعيين كونه من رمضان، كما أنّ الأحوط في
المتوخّي ـ أي المحبوس الذي اشتبه عليه شهر رمضان وعمل بالظن ـ أيضاً ذلك،
أي اعتبار قصد كونه من رمضان، بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوّة(3).
[2360] مسألة 1: لا يشترط التعرّض للأداء والقضاء(4)، ولا الوجوب
والندب، ولا سائر الأوصاف الشخصية، بل لو نوى شيئاً منها في محلّ الآخر صح
إلاّ إذا كان منافياً للتعيين، مثلاً إذا تعلّق به الأمر الأدائي فتخيّل كونه قضائياً، فإن
قصد الأمر الفعلي المتعلّق به واشتبه في التطبيق فقصده قضاءً صح(5)، وأمّا إذا لم
يقصد الأمر الفعلي، بل قصد الأمر القضائي بطل; لأنّه مناف للتعيين(6) حينئذ. وكذا
يبطل إذا كان مغيّراً للنوع، كما إذا قصد الأمر الفعلي لكن بقيد كونه قضائياً مثلا، أو
- (1) على الأحوط.
- (2) الإجزاء غير بعيد.
- (3) القوّة ممنوعة.
- (4) هذا ينافي ما تقدّم من الحكم باعتبار تعيين عنوان القضاء كالكفّارة والنذر، والظاهر أيضاً ذلك، فإنّ القضاء عنوان مأخوذ في متعلّق الأمر لابدّ من تعلّق القصد إليه ولو إجمالاً. نعم، الأدائية غير مفتقرة إلى القصد، وكذا الوجوب والاستحباب ومثلهما من الخصوصيات غير المأخوذة في متعلّق الأمر.
- (5) بل مقتضى ما مرّ في الحاشية السابقة البطلان هنا.
- (6) بل لعدم قصد امتثال الأمر المتوجّه إليه، وكذا في الفرض الآتي.
(الصفحة 8)
بقيد كونه وجوبياً مثلاً فبان كونه أدائياً أو كونه ندبياً، فإنّه حينئذ مغيّر للنوع
ويرجع إلى عدم قصد الأمر الخاصّ.
[2361] مسألة 2: إذا قصد صوم اليوم الأوّل من شهر رمضان فبان أنّه اليوم
الثاني مثلاً أو العكس صح، وكذا لو قصد اليوم الأوّل من صوم الكفّارة أو غيرها
فبان الثاني مثلاً أو العكس، وكذا إذا قصد قضاء رمضان السنة الحالية فبان أنّه
قضاء رمضان السنة السابقة وبالعكس.
[2362] مسألة 3: لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل، فلو نوى الإمساك
عن اُمور(1) يعلم دخول جميع المفطرات فيها كفى.
[2363] مسألة 4: لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات ولكن تخيّل أنّ
المفطر الفلاني ليس بمفطر، فإن ارتكبه في ذلك اليوم بطل صومه، وكذا إن لم يرتكبه
ولكنّه لاحظ في نيّته الإمساك عمّا عداه(2)، وأمّا إن لم يلاحظ ذلك صح صومه في
الأقوى.
[2364] مسألة 5: النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نية النيابة
وإن كان متحداً. نعم، لو علم باشتغال ذمته بصوم ولا يعلم أنّه له أو نيابة عن الغير
يكفيه أن يقصد ما في الذمة.
[2365] مسألة 6: لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره واجباً كان ذلك الغير
أو ندباً، سواء كان مكلّفاً بصومه أو لا كالمسافر ونحوه، فلو نوى صوم غيره لم يقع
- (1) بحيث كان الإمساك عن غير المفطرات من باب المقدّمة، لا على سبيل الاستقلال.
- (2) بحيث لو علم بكونه مفطراً لما نوى الإمساك عنه، والبطلان في هذه الصورة وإن كان ظاهراً إلاّ أنّها خارجة عن مفروض المسألة; لأنّه فيما إذا نوى الإمساك عن كلّ ما يتّصف بالمفطرية، وفيه يصحّ الصوم مع عدم الارتكاب وإن لم يعلم بكونه مفطراً، بل اعتقد عدمه ونوى الإمساك عن غيره.
(الصفحة 9)
عن ذلك الغير، سواء كان عالماً بأنّه رمضان أو جاهلاً، وسواء كان عالماً بعدم وقوع
غيره فيه أو جاهلا، ولا يجزئ عن رمضان أيضاً إذا كان مكلّفاً به مع العلم والعمد.
نعم، يجزئ عنه مع الجهل أو النسيان كما مرّ، ولو نوى في شهر رمضان قضاء
رمضان الماضي أيضاً لم يصح قضاء، ولم يجزئ عن رمضان أيضاً مع العلم والعمد.
[2366] مسألة 7: إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزئه نية الصوم بدون تعيين أنّه
للنذر ولو إجمالاً كما مرّ. ولو نوى غيره، فإن كان مع الغفلة عن النذر صح، وإن كان
مع العلم والعمد ففي صحته إشكال(1).
[2367] مسألة 8: لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها، وقضاء
رمضان السنة الماضية لا يجب عليه تعيين أنّه من أيّ منهما، بل يكفيه نية الصوم
قضاء، وكذا إذا كان عليه نذران(2) كلّ واحد يوم أو أزيد، وكذا إذا كان عليه
كفّارتان غير مختلفتين في الآثار.
[2368] مسألة 9: إذا نذر صوم يوم خميس معيّن، ونذر صوم يوم معيّن من
شهر معيّن، فاتفق في ذلك الخميس المعيّن يكفيه صومه ويسقط النذران(3)، فإن
قصدهما أُثيب عليهما، وإن قصد أحدهما أُثيب عليه وسقط عنه الآخر(4).
[2369] مسألة 10: إذا نذر صوم يوم معيّن فاتفق ذلك اليوم في أيّام البيض
مثلاً، فإن قصد وفاء النذر وصوم أيّام البيض أُثيب عليهما، وإن قصد النذر فقط
أُثيب عليه فقط وسقط الآخر، ولا يجوز أن يقصد أيّام البيض دون وفاء النذر.
- (1) والأقرب الصحّة.
- (2) مندون فرق بين ما إذا كان النذران مطلقين، أو كانا نذري الشكر أو الزجر أو مختلفين، وفي الشكر والنذر بين ما إذا كانا في نوع واحد أو في نوعين، وكذا الحكم في الكفّارتين.
- (3) مع قصدهما.
- (4) في سقوط الآخر بحيث لم يترتّب عليه الكفّارة إشكال.