(الصفحة 334)
فصل
في أحكام المواقيت
[3219] مسألة 1 : لايجوز الإحرام قبل المواقيت ولاينعقد ، ولايكفي المرور عليها محرماً ، بل لابدّ من إنشائه جديداً ، ففي خبر ميسرة قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام)وأنا متغيّر اللون ، فقال (عليه السلام) لي : «من أين أحرمت ؟» فقلت : من موضع كذا وكذا ، فقال (عليه السلام) : «ربّ طالب خير تزلّ قدمه» . ثمّ قال : «يسرّك إن صلّيت الظهر في السفر أربعاً؟» قلت : لا ، قال : «فهو والله ذاك».
نعم يستثنى من ذلك موضعان :
أحدهما : إذا نذر الإحرام قبل الميقات ، فإنّه يجوز ويصحّ للنصوص ، منها : خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «لو أنّ عبداً أنعم الله تعالى عليه نعمة أو ابتلاه ببليّة فعافاه من تلك البليّة فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتمّ» ولايضرّ عدم رجحان ذلك ، بل مرجوحيّته قبل النذر ، مع أنّ اللازم كون متعلّق النذر راجحاً ، وذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر من الأخبار ، واللازم رجحانه حين العمل ولو كان ذلك للنذر ، ونظيره مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرّم من حيث هو مع صحّته ورجحانه بالنذر ، ولابدّ من دليل يدلّ على كونه راجحاً بشرط النذر ، فلايرد أنّ لازم ذلك صحّة نذر كلّ مكروه أو محرّم ، وفي المقامين المذكورين الكاشف هو الأخبار .
فالقول بعدم الانعقاد كما عن جماعة لما ذكر لا وجه له ; لوجود النصوص وإمكان تطبيقها على القاعدة ، وفي إلحاق العهد واليمين بالنذر وعدمه وجوه ، ثالثها إلحاق العهد دون اليمين ، ولايبعد الأوّل ; لإمكان الاستفادة من الأخبار ، والأحوط
(الصفحة 335)
الثاني ; لكون الحكم على خلاف القاعدة . هذا ، ولايلزم التجديد في الميقات ولا المرور عليها ، وإن كان الأحوط التجديد خروجاً عن شبهة الخلاف ، والظاهر اعتبار تعيين المكان ، فلايصحّ نذر الإحرام قبل الميقات مطلقاً ، فيكون مخيّراً بين الأمكنة ; لأنّه القدر المتيقّن بعد عدم الإطلاق في الأخبار .
نعم ، لايبعد الترديد بين المكانين; بأن يقول : «لله عليّ أن أحرم إمّا من الكوفة أو من البصرة» وإن كان الأحوط خلافه ، ولا فرق بين كون الإحرام للحجّ الواجب أو المندوب أو للعمرة المفردة . نعم ، لو كان للحجّ أو عمرة التمتّع يشترط أن يكون في أشهر الحجّ ; لاعتبار كون الإحرام لهما فيها ، والنصوص إنّما جوّزت قبل الوقت المكاني فقط ، ثمّ لو نذر وخالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان نسياناً أو عمداً لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات . نعم ، عليه الكفّارة إذا خالفه متعمّداً .
ثانيهما : إذا أراد إدراك عمرة رجب وخشي تقضّيه إن أخّر الإحرام إلى الميقات ، فإنّه يجوز له الإحرام قبل الميقات ، وتحسب له عمرة رجب ، وإن أتى ببقيّة الأعمال في شعبان ; لصحيحة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن رجل يجيء معتمراً ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق ، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب، أو يؤخّر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : «يحرم قبل الوقت لرجب ، فإنّ لرجب فضلاً» . وصحيحة معاوية بن عمّار : سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول : «ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّت رسول الله (صلى الله عليه وآله)إلاّ أن يخاف فوت الشهر في العمرة» ، ومقتضى إطلاق الثانية جواز ذلك لإدراك عمرة غير رجب أيضاً ، حيث إن لكلّ شهر عمرة ، لكن الأصحاب خصّصوا ذلك برجب فهو الأحوط ، حيث إنّ الحكم على خلاف القاعدة ، والأولى والأحوط مع ذلك التجديد في الميقات ، كما أنّ الأحوط التأخير إلى آخر الوقت ، وإن كان الظاهر جواز الإحرام قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخّر إلى الميقات ، بل هو
(الصفحة 336)
الأولى ، حيث إنّه يقع باقي أعمالها أيضاً في رجب ، والظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة والواجبة بالأصل أو بالنذر ونحوه .
[3220] مسألة 2 : كما لايجوز تقديم الإحرام على الميقات ، كذلك لايجوز التأخير عنها ، فلايجوز لمن أراد الحجّ أو العمرة أو دخول مكّة أن يجاوز الميقات اختياراً إلاّ محرماً ، بل الأحوط عدم المجاوزة عن محاذاة الميقات أيضاً إلاّ محرماً ، وإن كان أمامه ميقات آخر ، فلو لم يحرم منها وجب العود إليها مع الإمكان ، إلاّ إذا كان أمامه ميقات آخر ، فإنّه يجزئه الإحرام منها، وإن أثم بترك الإحرام من الميقات الأوّل ، والأحوط العود إليها مع الإمكان مطلقاً، وإن كان أمامه ميقات آخر . وأمّا إذا لم يرد النسك ولا دخول مكّة ; بأن كان له شغل خارج مكّة ، ولو كان في الحرم فلايجب الإحرام . نعم ، في بعض الأخبار وجوب الإحرام من الميقات إذا أراد دخول الحرم وإن لم يرد دخول مكّة ، لكن قد يدّعى الإجماع على عدم وجوبه ، وإن كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات .
[3221] مسألة 3 : لو أخّر الإحرام من الميقات عالماً عامداً ولم يتمكّن من العود إليها لضيق الوقت أو لعذر آخر ، ولم يكن أمامه ميقات آخر بطل إحرامه وحجّه على المشهور الأقوى ، ووجب عليه قضاؤه إذا كان مستطيعاً ، وأمّا إذا لم يكن مستطيعاً فلا يجب ، وإن أثم بترك الإحرام بالمرور على الميقات ، خصوصاً إذا لم يدخل مكّة ، والقول بوجوبه عليه ولو لم يكن مستطيعاً، بدعوى وجوب ذلك عليه إذا قصد مكّة فمع تركه يجب قضاؤه لا دليل عليه ، خصوصاً إذا لم يدخل مكّة ، وذلك لأنّ الواجب عليه إنّما كان الإحرام لشرف البقعة ، كصلاة التحيّة في دخول المسجد ، فلا قضاء مع تركه ، مع أنّ وجوب الإحرام لذلك لايوجب وجوب الحجّ عليه ، وأيضاً إذا بدا له ولم يدخل مكّة كشف عن عدم الوجوب من الأوّل ، وذهب بعضهم إلى أنّه لو تعذّر عليه العود إلى الميقات أحرم من مكانه ، كما في الناسي
(الصفحة 337)
والجاهل نظير ما إذا ترك التوضّؤ إلى أن ضاق الوقت ، فإنّه يتيمّم وتصحّ صلاته وإن أثم بترك الوضوء متعمّداً ، وفيه : أنّ البدليّة في المقام لم تثبت ، بخلاف مسألة التيمّم ، والمفروض أنّه ترك ما وجب عليه متعمّداً .
[3222] مسألة 4 : لو كان قاصداً من الميقات للعمرة المفردة وترك الإحرام لها متعمّداً يجوز له أن يحرم من أدنى الحلّ ، وإن كان متمكّناً من العود إلى الميقات فأدنى الحلّ له مثل كون الميقات أمامه ، وإن كان الأحوط مع ذلك العود إلى الميقات . ولو لم يتمكّن من العود ولا الإحرام من أدنى الحلّ بطلت عمرته .
[3223] مسألة 5 : لو كان مريضاً لم يتمكّن من النزع ولبس الثوبين يجزئه النيّة والتلبية ، فإذا زال عذره نزع ولبسهما ، ولايجب حينئذ عليه العود إلى الميقات . نعم ، لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام لمرض أو إغماء ثمّ زال وجب عليه العود إلى الميقات إذا تمكّن ، وإلاّ كان حكمه حكم الناسي في الإحرام من مكانه إذا لم يتمكّن إلاّ منه ، وإن تمكّن العود في الجملة وجب ، وذهب بعضهم إلى أنّه إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره ; لمرسل جميل، عن أحدهما (عليهما السلام) في مريض اُغمي عليه فلم يفق حتّى أتى الموقف ، قال (عليه السلام) : «يحرم عنه رجل». والظاهر أنّ المراد أنّه يحرمه رجل ويجنّبه عن محرّمات الإحرام ، لا أنّه ينوب عنه في الإحرام ، ومقتضى هذا القول عدم وجوب العود إلى الميقات بعد إفاقته وإن كان ممكناً ، ولكن العمل به مشكل ; لإرسال الخبر وعدم الجابر ، فالأقوى العود مع الإمكان وعدم الاكتفاء به مع عدمه .
[3224] مسألة 6 : إذا ترك الإحرام من الميقات ناسياً أو جاهلاً بالحكم أو الموضوع وجب العود إليها مع الإمكان ، ومع عدمه فإلى ما أمكن ، إلاّ إذا كان أمامه ميقات آخر ، وكذا إذا جاوزها محلاّ ; لعدم كونه قاصداً للنسك ولا لدخول مكّة ثمّ بدا له ذلك ، فإنّه يرجع إلى الميقات مع التمكّن، وإلى ما أمكن مع عدمه .
(الصفحة 338)
[3225] مسألة 7 : من كان مقيماً في مكّة وأراد حجّ التمتّع وجب عليه الإحرام لعمرته من الميقات إذا تمكّن ، وإلاّ فحاله حال الناسي .
[3226] مسألة 8 : لو نسي المتمتّع الإحرام للحجّ بمكّة ثمّ ذكر وجب عليه العود مع الإمكان ، وإلاّ ففي مكانه ولو كان في عرفات ، بل المشعر وصحّ حجّه ، وكذا لو كان جاهلاً بالحكم ، ولو أحرم له من غير مكّة مع العلم والعمد لم يصحّ ، وإن دخل مكّة بإحرامه ، بل وجب عليه الاستئناف مع الإمكان ، وإلاّ بطل حجّه . نعم ، لو أحرم من غيرها نسياناً ولم يتمكّن من العود إليها صحّ إحرامه من مكانه .
[3227] مسألة 9 : لو نسي الإحرام ولم يذكر حتّى أتى بجميع الأعمال من الحجّ أو العمرة فالأقوى صحّة عمله ، وكذا لو تركه جهلاً حتّى أتى بالجميع .
فصل
في مقدّمات الإحرام
[3228] مسألة 1 : يستحبّ قبل الشروع في الإحرام اُمور :
أحدها : توفير شعر الرأس ، بل واللحية لإحرام الحجّ مطلقاً ، ـ لا خصوص التمتّع، كما يظهر من بعضهم لإطلاق الأخبار ـ من أوّل ذي القعدة ; بمعنى عدم إزالة شعرهما ; لجملة من الأخبار ، وهي وإن كانت ظاهرة في الوجوب إلاّ أنّها محمولة على الاستحباب; لجملة اُخرى من الأخبار ظاهرة فيه ، فالقول بالوجوب ـ كما هو ظاهر جماعة ـ ضعيف ، وإن كان لاينبغي ترك الاحتياط ، كما لاينبغي ترك الاحتياط بإهراق دم لو أزال شعر رأسه بالحلق ، حيث يظهر من بعضهم وجوبه أيضاً ; لخبر محمول على الاستحباب ، أو على ما إذا كان في حال الإحرام . ويستحبّ التوفير للعمرة شهراً .
|