(الصفحة 119)
فصل
أصناف المستحقّين للزكاة
ومصارفها ثمانية:
الأوّل والثاني : الفقير والمسكين، والثاني أسوأ حالاً من الأوّل، والفقير
الشرعي من لايملك مؤونة السنة له ولعياله، والغنيّ الشرعي بخلافه، فمن كان
عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك تقوم بكفايته وكفاية عياله في طول
السنة لايجوز له أخذ الزكاة، وكذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمؤنته، أو كان له
من النقد أو الجنس ما يكفيه وعياله، وإن كان لسنة واحدة، وأمّا إذا كان أقلّ من
مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها، وعلى هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية ونقص
عنه بعد صرف بعضه في أثناء السنة يجوز له الأخذ، ولايلزم أن يصبر إلى آخر
السنة حتّى يتمّ ما عنده، ففي كلّ وقت ليس عنده مقدار الكفاية المذكورة يجوز له
الأخذ، وكذا لايجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصّل منهما مقدار مؤنته،
والأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلاً.
[2699] مسألة 1 : لو كان له رأس مال لايقوم ربحه بمؤنته لكن عينه تكفيه لايجب
عليه صرفها في مؤنته، بل يجوز له إبقاؤه للاتّجار به وأخذ البقيّة من الزكاة، وكذا لو
كان صاحب صنعة تقوم آلاتها، أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمؤنته، ولكن
لايكفيه الحاصل منهما لايجب عليه بيعها وصرف العوض في المؤنة، بل يبقيها
ويأخذ من الزكاة بقيّة المؤنة.
[2700] مسألة 2 : يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مؤنة سنته دفعة، فلايلزم
الاقتصار على مقدار مؤنة سنة واحدة، وكذا في الكاسب الذي لايفي كسبه بمؤنة
(الصفحة 120)
سنته، أو صاحب الضيعة التي لايفي حاصلها، أو التاجر الذي لايفي ربح تجارته
بمؤنة سنته لايلزم الاقتصار على إعطاء التتمّة، بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين، بل
يجوز جعله غنيّاً عرفيّاً، وإن كان الأحوط(1) الاقتصار. نعم، لو أعطاه دفعات
لايجوز بعد أن حصل عنده مؤنة السنة أن يعطي شيئاً ولو قليلاً ما دام كذلك.
[2701] مسألة 3 : دار السكنى والخادم وفرس الركوب المحتاج إليها بحسب
حالهـ ولو لعزّه وشرفه ـ لايمنع من إعطاء الزكاة وأخذها، بل ولو كانت متعدّدة
مع الحاجة إليها، وكذا الثياب والألبسة الصيفيّة والشتويّة، السفريّة والحضريّة ـ
ولو كانت للتجمّل ـ وأثاث البيت من الفروش والظروف وسائر ما يحتاج إليه،
فلايجب بيعها في المؤنة، بل لو كان فاقداً لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها،
وكذا يجوز أخذها لشراء الدار والخادم وفرس الركوب والكتب العلميّة ونحوها
مع الحاجة إليها. نعم، لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار
حاجته بحسب حاله وجب(2) صرفه في المؤنة، بل إذا كانت عنده دار تزيد عن
حاجته وأمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته وجب بيعه، بل لو كانت له دار
تندفع حاجته بأقلّ منها قيمة فالأحوط بيعها(3) وشراء الأدون، وكذا في العبد
والجارية والفرس.
[2702] مسألة 4 : إذا كان يقدر على التكسّب لكن ينافي شأنه ـ كما لو كان قادراً
على الاحتطاب والاحتشاش الغير اللائقين بحاله ـ يجوز له أخذ الزكاة، وكذا إذا
- (1) لا يترك.
- (2) المراد من وجوب الصرف عدم جواز أخذ الزكاة، وكذا وجوب البيع في الفرض الآتي.
- (3) إذا لم تكن الدار زائدة على حسب حاله لا يجب بيعها، وإن كانت حاجته تندفع بأقلّ منها، وكذا في العبد والجارية والفرس وغيرها.
(الصفحة 121)
كان عسراً ومشقّة من جهة كبر أو مرض أو ضعف، فلا يجب عليه التكسّب
حينئذ.
[2703] مسألة 5 : إذا كان صاحب حرفة وصنعة ولكن لايمكنه الاشتغال بها من
جهة فقد الآلات أو عدم الطالب جاز له أخذ الزكاة.
[2704] مسألة 6 : إذا لم يكن له حرفة ولكن يمكنه تعلّمها من غير مشقّة، ففي
وجوب التعلّم وحرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال، والأحوط التعلّم وترك الأخذ
بعده. نعم، ما دام مشتغلاً بالتعلّم لا مانع من أخذها.
[2705] مسألة 7 : من لايتمكّن من التكسّب طول السنة إلاّ في يوم أو اُسبوع
مثلا، ولكن يحصل له في ذلك اليوم أو الاُسبوع مقدار مؤنة السنة فتركه وبقي طول
السنة لايقدر على الاكتساب لايبعد جواز أخذه، وإن قلنا: إنّه عاص(1) بالترك في
ذلك اليوم أو الاُسبوع; لصدق الفقير عليه حينئذ.
[2706] مسألة 8 : لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له
أخذ الزكاة إذا كان ممّا يجب تعلّمه عيناً أو كفاية، وكذا إذا كان ممّا يستحبّ تعلّمه
كالتفقّه(2) في الدين اجتهاداً أو تقليداً، وإن كان ممّا لايجب ولايستحبّـ كالفلسفة
والنجوم والرياضيّات والعروض والعلوم الأدبيّة لمن لايريد التفقّه في الدين ـ
فلايجوز أخذه(3).
[2707] مسألة 9 : لو شكّ في أنّ ما بيده كاف لمؤنة سنته أم لا، فمع سبق وجود
- (1) العصيان محلّ نظر بل منع، ولكن لا يبعد عدم جواز أخذه لو كان بناؤه على ذلك، من غير أن يكون اتفاقياً، وقد صرّح في أوّل البحث بأنّ الأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلاً.
- (2) الظاهر كونه مثالاً للواجب دون المستحب.
- (3) وإن كان في بعض ما ذكره من الأمثلة مناقشة.
(الصفحة 122)
ما به الكفاية لايجوز الأخذ، ومع سبق العدم وحدوث ما يشكّ في كفايته يجوز،
عملاً بالأصل(1) في الصورتين.
[2708] مسألة 10 : المدّعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به، وإن جهل
الأمران، فمع سبق فقره يعطى من غير يمين، ومع سبق الغنى أو الجهل بالحالة
السابقة فالأحوط عدم الإعطاء إلاّ مع الظنّ(2) بالصدق، خصوصاً في الصورة
الاُولى.
[2709] مسألة 11 : لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة، سواء كان حيّاً
أو ميّتاً، لكن يشترط في الميت أن لايكون له تركة تفي بدينه، وإلاّ لايجوز. نعم، لو
كان له تركة لكن لايمكن الاستيفاء منها لامتناع الورثة أو غيرهم فالظاهر الجواز.
[2710] مسألة 12 : لايجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة، بل لو كان ممّن
يترفّع ويدخله الحياء منها وهو مستحقّ يستحبّ دفعها إليه على وجه الصلة
ظاهراً والزكاة واقعاً، بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذباً بعدم كونها زكاة
جاز(3) إذا لم يقصد(4) القابض عنواناً آخر غير الزكاة، بل قصد مجرّد التملّك.
[2711] مسألة 13 : لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيّاً، فإن
كانت العين باقية ارتجعها، وكذا مع تلفها إذا كان القابض عالماً بكونها زكاة، وإن
كان جاهلاً بحرمتها للغنيّ، بخلاف ما إذا كان جاهلاً بكونها زكاة فإنّه لا ضمان
عليه(5)، ولو تعذّر الارتجاع أو تلفت بلا ضمان أو معه، ولم يتمكّن الدافع من أخذ
- (1) جريان الأصل في الصورة الثانية محلّ إشكال.
- (2) بل الاطمئنان به.
- (3) وإن لم تكن المصلحة ممّا يسوغ الكذب، لأنّ الكلام في الجواز الوضعي.
- (4) بل وإن قصد; لأنّه لا دخالة لقصده في التعيين.
- (5) إلاّ مع احتمال كونها زكاة، وعدم كون الإعطاء بغير عنوانها.
(الصفحة 123)
العوض كان ضامناً(1) فعليه الزكاة مرّةً اُخرى. نعم، لو كان الدافع هو المجتهد أو
المأذون منه لا ضمان عليه ولا على المالك الدافع إليه.
[2712] مسألة 14 : لو دفع الزكاة إلى غنيّ جاهلاً بحرمتها عليه أو متعمّداً
استرجعها مع البقاء، أو عوضها مع التلف وعلم(2) القابض، ومع عدم الإمكان
يكون عليه مرّة اُخرى. ولا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة وغيرها، وكذا في
المسألة السابقة، وكذا الحال لو بان أنّ المدفوع إليه كافر أو فاسق ـ إن قلنا
باشتراط العدالة ـ أو ممّن تجب نفقته عليه، أو هاشميّ إذا كان الدافع من غير قبيله.
[2713] مسألة 15 : إذا دفع الزكاة باعتقاد أنّه عادل فبان فقيراً فاسقاً، أو
باعتقاد أنّه عالم فبان جاهلاً، أو زيد فبان عمراً، أو نحو ذلك صحّ وأجزأ إذا لم
يكن(3) على وجه التقييد، بل كان من باب الاشتباه في التطبيق، ولايجوز
استرجاعه حينئذ وإن كانت العين باقية، وأمّا إذا كان على وجه التقييد فيجوز، كما
يجوز نيّتها مجدّداً مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامناً; بأن كان عالماً باشتباه الدافع
وتقييده.
الثالث : العاملون عليها، وهم المنصوبون من قبل الإمام(عليه السلام) أو نائبه الخاصّ
أو العامّ لأخذ الزكوات وضبطها وحسابها وإيصالها إليه، أو إلى الفقراء على حسب
إذنه، فإنّ العامل يستحقّ منها سهماً في مقابل عمله وإن كان غنيّاً. ولايلزم
استئجاره من الأوّل أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة، بل يجوز أيضاً أن لايعيّن
له ويعطيه بعد ذلك ما يراه، ويشترط فيهم التكليف بالبلوغ والعقل والإيمان، بل
- (1) ويمكن أن يقال بعدم الضمان فيما إذا كان الاعتقاد مستنداً إلى حجّة شرعيّة، كالبيّنة ونحوها.
- (2) أو احتماله وعدم كون الإعطاء بغير عنوانها كما مرّ.
- (3) بل يجزئ مطلقاً.