(الصفحة 316)
أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيّدة بأخبار المواقيت ، أو محمولة على صورة التعذّر . ثمّ الظاهر أنّ ما ذكرنا حكم كلّ من كان في مكّة وأراد الإتيان بالتمتّع ولو مستحبّاً . هذا كلّه مع إمكان الرجوع إلى المواقيت ، وأمّا إذا تعذّر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحلّ ، بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكّن من خارج الحرم ممّا هو دون الميقات ، وإن لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحلّ أحرم من موضعه ، والأحوط الخروج إلى ما يتمكّن .
فصل
[في صورة حجّ التمتّع وشرائطه]
صورة حجّ التمتّع على الإجمال أن يحرم في أشهر الحجّ من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ ، ثمّ يدخل مكّة فيطوف فيها بالبيت سبعاً ، ويصلّي ركعتين في المقام ، ثمّ يسعى لها بين الصفا والمروة سبعاً ،ثمّ يطوف للنساء احتياطاً وإن كان الأصحّ عدم وجوبه ، ويقصّر ، ثمّ ينشئ إحراماً للحجّ من مكّة في وقت يعلم أنّه يدرك الوقوف بعرفة ، والأفضل إيقاعه يوم التروية ، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها من الزوال إلى الغروب ، ثمّ يفيض ويمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه، ويقف به بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ثمّ يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة ، ثمّ ينحر أو يذبح هديه ويأكل منه ، ثمّ يحلق أو يقصّر فيحلّ من كلّ شيء إلاّ النساء والطيب ، والأحوط اجتناب الصيد أيضاً، وإن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام .
ثمّ هو مخيّر بين أن يأتي إلى مكّة ليومه ، فيطوف طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه ويسعى سعيه فيحلّ له الطيب ، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه فتحلّ له
(الصفحة 317)
النساء ، ثمّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، ويرمي في أيّامها الجمار الثلاث ، وأن لايأتي إلى مكّة ليومه ، بل يقيم بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر ومثله يوم الثاني عشر ، ثمّ ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتّقى النساء والصيد ، وإن أقام إلى النفر الثاني وهو الثالث عشر ولو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضاً ، ثمّ عاد إلى مكّة للطوافين والسعي ولا إثم عليه في شيء من ذلك على الأصحّ ، كما أنّ الأصحّ الاجتزاء بالطواف والسعي تمام ذي الحجّة ، والأفضل الأحوط هو اختيار الأوّل ; بأن يمضي إلى مكّة يوم النحر ، بل لاينبغي التأخير لغده فضلاً عن أيّام التشريق إلاّ لعذر .
ويشترط في حجّ التمتّع اُمور :
أحدها : النيّة ; بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحجّ حين الشروع في إحرام العمرة ، فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردّد في نيّته بينه وبين غيره لم يصحّ . نعم ، في جملة من الأخبار : أنّه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحجّ جاز أن يتمتّع بها ، بل يستحبّ ذلك إذا بقي في مكّة إلى هلال ذي الحجّة ، ويتأكّد إذا بقي إلى يوم التروية ، بل عن القاضي وجوبه حينئذ ، ولكن الظاهر تحقّق الإجماع على خلافه ، ففي موثّق سماعة، عن الصادق (عليه السلام) : «من حجّ معتمراً في شوّال ومن نيّته أن يعتمر ورجع إلى بلاده فلا بأس بذلك ، وإن هو أقام إلى الحجّ فهو متمتّع ; لأنّ أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة وذوالحجّة ، فمن اعتمر فيهنّ وأقام إلى الحجّ فهي متعة ، ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحجّ فهي عمرة ، وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله وأقام إلى الحجّ فليس بمتمتّع ، وإنّما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتّى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان، فيدخل متمتّعاً بعمرته إلى الحجّ ، فإن هو أحبّ أن يفرد الحجّ فليخرج إلى الجعرانة
(الصفحة 318)
فيلبّي منها» .
وفي صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله ، إلاّ أن يدركه خروج الناس يوم التروية». وفي قويّة عنه (عليه السلام) : «من دخل مكّة معتمراً مفرداً للعمرة فقضى عمرته ثمّ خرج كان ذلك له ، وإن أقام إلى أن يدركه الحجّ كانت عمرته متعة». قال (عليه السلام) : «وليس تكون متعة إلاّ في أشهر الحجّ». وفي صحيحة عنه (عليه السلام) : «من دخل مكّة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجّة فليس له أن يخرج حتّى يحجّ مع الناس» . وفي مرسل موسى بن القاسم : «من اعتمر في أشهر الحجّ فليتمتّع» . إلى غير ذلك من الأخبار ، وقد عمل بها جماعة ، بل في «الجواهر» : لا أجد فيه خلافاً ، ومقتضاها صحّة التمتّع مع عدم قصده حين إتيان العمرة ، بل الظاهر من بعضها أنّه يصير تمتّعاً قهراً من غير حاجة إلى نيّة التمتّع بها بعدها ، بل يمكن أن يستفاد منها أنّ التمتّع هو الحجّ عقيب عمرة وقعت في أشهر الحجّ بأيّ نحو أتى بها ، ولا بأس بالعمل بها ، لكن القدر المتيقّن منها هو الحجّ الندبي ، ففيما إذا وجب عليه التمتّع فأتى بعمرة مفردة ثمّ أراد أن يجعلها عمرة التمتّع يشكل الاجتزاء بذلك عمّا وجب عليه ، سواء كان حجّة الإسلام أو غيرها ممّا وجب بالنذر أو الاستئجار .
الثاني : أن يكون مجموع عمرته وحجّه في أشهر الحجّ ، فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتّع بها ، وأشهر الحجّ : شوّال وذو القعدة وذو الحجّة بتمامه على الأصحّ ; لظاهر الآية وجملة من الأخبار، كصحيحة معاوية بن عمّار وموثّقة سماعة وخبر زرارة ، فالقول بأنّها الشهران الأوّلان مع العشر الأوّل من ذي الحجّة كما عن بعض، أو مع ثمانية أيّام كما عن آخر ،أو مع تسعة أيّام وليلة يوم النحر إلى طلوع فجره كما عن ثالث ،أو إلى طلوع شمسه كما عن رابع ضعيف ،على أنّ الظاهر أنّ النزاع لفظي، فإنّه لا إشكال في جواز إتيان بعض
(الصفحة 319)
الأعمال إلى آخر ذي الحجّة، فيمكن أن يكون مرادهم أنّ هذه الأوقات هي آخر الأوقات التي يمكن بها إدراك الحجّ .
[3208] مسألة 1 : إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحجّ قاصداً بها التمتّع فقد عرفت عدم صحّتها تمتّعاً ، لكن هل تصحّ مفردة أو تبطل من الأصل؟ قولان ، اختار الثاني في «المدارك» ; لأنّ ما نواه لم يقع والمفردة لم ينوها ، وبعض اختار الأوّل ; لخبر الأحول، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل فرض الحجّ في غير أشهر الحجّ ،قال : «يجعلها عمرة». وقد يستشعر ذلك من خبر سعيد الأعرج، قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «من تمتّع في أشهر الحجّ ثمّ أقام بمكّة حتّى يحضر الحجّ من قابل فعليه شاة ، ومن تمتّع في غير أشهر الحجّ ثمّ جاور حتّى يحضر الحجّ فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة ، وإنّما الأضحى على أهل الأمصار» . ومقتضى القاعدة وإن كان هو ما ذكره صاحب «المدارك» لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض للخبرين .
الثالث : أن يكون الحجّ والعمرة في سنة واحدة، كما هو المشهور المدّعى عليه الإجماع ; لأنّه المتبادر من الأخبار المبيّنة لكيفيّة حجّ التمتّع ، ولقاعدة توقيفيّة العبادات ، وللأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحجّ وارتباطها به ، والدالّة على عدم جواز الخروج من مكّة بعد العمرة قبل الإتيان بالحجّ ، بل ومادلّ من الأخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو يوم عرفة ونحوها ، ولاينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدّم ، بدعوى أنّ المراد من القابل فيه العام القابل، فيدلّ على جواز إيقاع العمرة في سنة والحجّ في اُخرى ; لمنع ذلك ، بل المراد منه الشهر القابل على أنّه لمعارضة الأدلّة السابقة غير قابل .
وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في عام وأخّر الحجّ إلى العام الآخر لم يصحّ تمتّعاً ، سواء أقام في مكّة إلى العام القابل ، أو رجع إلى أهله ثمّ عاد إليها ، وسواء أحلّ من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة الاُخرى ، ولا وجه لما عن «الدروس» من
(الصفحة 320)
احتمال الصحّة في هذه الصورة . ثمّ المراد من كونهما في سنة واحدة أن يكونا معاً في أشهر الحجّ من سنة واحدة ، لا أن لايكون بينهما أزيد من اثني عشر شهراً ، وحينئذ فلايصحّ أيضاً لو أتى بعمرة التمتّع في أواخر ذي الحجّة وأتى بالحجّ في ذي الحجّة من العام القابل .
الرابع : أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار ; للإجماع والأخبار ، وما في خبر إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) من قوله : «كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء ، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحجّ ودخل وهو محرم بالحجّ» ; حيث إنّه ربما يستفاد منه جواز الإحرام بالحجّ من غير مكّة ، محمول على محامل أحسنها أنّ المراد بالحجّ عمرته ، حيث إنّها أوّل أعماله . نعم ، يكفي أيّ موضع منها كان ولو في سككها ; للإجماع وخبر عمرو بن حريث عن الصادق (عليه السلام): من أين أهلّ بالحجّ ؟ فقال : «إن شئت من رحلك ، وإن شئت من المسجد ، وإن شئت من الطريق» . وأفضل مواضعها المسجد ، وأفضل مواضعه المقام أو الحجر ، وقد يقال : أو تحت الميزاب ، ولو تعذّر الإحرام من مكّة أحرم ممّا يتمكّن ، ولو أحرم من غيرها اختياراً متعمّداً بطل إحرامه ، ولو لم يتداركه بطل حجّه ، ولايكفيه العود إليها بدون التجديد ، بل يجب أن يجدّده ; لأنّ إحرامه من غيرها كالعدم ، ولو أحرم من غيرها جهلاً أو نسياناً وجب العود إليها والتجديد مع الإمكان ، ومع عدمه جدّده في مكانه .
الخامس : ربما يقال : إنّه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته وحجّه من واحد وعن واحد ، فلو استؤجر إثنان لحجّ التمتّع عن ميّت أحدهما لعمرته والآخر لحجّه لم يجزئ عنه ، وكذا لو حجّ شخص وجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر لم يصحّ ، ولكنّه محلّ تأمّل ، بل ربما يظهر من خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)صحّة الثاني ، حيث قال : سألته عن رجل يحجّ عن أبيه أيتمتّع؟ قال :
|