(الصفحة 581)
فصل
في أحكام الشركة
وهي عبارة عن كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، ملكاً أو حقّاً ، وهي إمّا واقعيّة قهريّة ، كما في المال أو الحقّ الموروث ، وإمّا واقعيّة اختياريّة من غير استناد إلى عقد، كما إذا أحيا شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراك أو حفرا بئراً أو اغترفا ماءً أو اقتلعا شجراً . وإمّا ظاهريّة قهريّة، كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما ولو بفعل أجنبيّ بحيث لايتميّز أحدهما (1) من الآخر ، سواء كانا من جنس واحد كمزج حنطة بحنطة، أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير، أو دهن اللوز بدهن الجوز أو الخلّ بالدبس . وإمّا ظاهريّة اختياريّة، كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة ، فإنّ مال كلّ منهما في الواقع ممتاز عن الآخر ، ولذا لو فرض تمييزهما اختصّ كلّ منهما بماله . وأمّا الاختلاط مع التميّز فلايوجب الشركة ولو ظاهراً ، إذ مع الاشتباه مرجعه الصلح القهري أو القرعة . وإمّا واقعيّة مستندة إلى عقد غير عقد الشركة، كما إذا ملكا شيئاً واحداً بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها . وإمّا واقعيّة منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله، كما إذا اشترى شيئاً فطلب منه شخص أن يشركه فيه، ويسمّى عندهم بالتشريك، وهوصحيح لجملة من الأخبار.
- (1) إن كان عدم التميّز بنحو لا يرى العرف وجوده واقعاً فالشركة واقعيّة، كما في امتزاج المايعين المتماثلين، بل غير المتماثلين، كما في امتزاج الماء مع الجلاّب، وإلاّ فلا معنى للشركة الظاهرية، بل اللازم الرجوع إلى الصلح أو القرعة، كما في اختلاط الجوز بالجوز والدراهم والدنانير بمثلهما.
(الصفحة 582)
وإمّا واقعيّة منشأة بتشريك كلّ(1) منهما الآخر في ماله، ويسمّى هذا بالشركة العقديّة ومعدود من العقود .
ثمّ إنّ الشركة قد تكون في عين، وقد تكون في منفعة، وقد تكون في حقّ ، وبحسب الكيفيّة إمّا بنحو الإشاعة، وإمّا بنحو الكلّي في المعيّن ، وقد تكون على وجه يكون كلّ من الشريكين أو الشركاء مستقلاّ في التصرّف، كما في شركة الفقراء في الزكاة ، والسادة في الخمس ، والموقوف عليهم في الأوقاف العامّة ونحوها .
[3480] مسألة 1 : لاتصحّ الشركة العقديّة إلاّ في الأموال بل الأعيان ، فلا تصحّ في الديون ، فلوكان لكلّ منهما دين على شخص فأوقعا العقد على كون كلّ منهما بينهما لم يصحّ ، وكذا لا تصحّ في المنافع ; بأن كان لكلّ منهما دار مثلا وأوقعا العقد على أن يكون منفعة كلّ منهما بينهما بالنصف مثلا ، ولو أرادا ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر ، أو صالح نصف منفعة داره بدينار مثلا وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار .
وكذا لا تصحّ شركة الأعمال وتسمّى شركة الأبدان أيضاً ، وهي أن يوقعا العقد على أن يكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركاً بينهما ، سواء اتّفق عملهما كالخياطة مثلا ، أو كان على أحدهما الخياطة والآخر النساجة ، وسواء كان ذلك في عمل معيّن أو في كلّ ما يعمل كلّ منهما، ولو أرادا الاشتراك في ذلك صالح أحدهما
- (1) ظاهره أنّ مجرّد إنشاء التشريك يوجب تحقّق الشركة الحقيقيّة، وهي كون شيء واحد لاثنين أو أزيد، مع أنّ تحقّقها بدون الخلط والامتزاج محلّ تأمّل بل منع، كما سيأتي، ومع حصول الاختلاط لا حاجة إلى الإنشاء، وعليه فالشركة العقدية في مقابل سائر أنواع الشركة غير ثابتة، إلاّ أن يكون أثرها مجرّد الإباحة والإذن في التصرّف، كما يؤمئ إليه ما سيأتي من كون الفسخ مؤثّراً في ارتفاع الإذن والإباحة فقط.
(الصفحة 583)
الآخر نصف منفعته المعيّنة أو منافعه إلى مدّة كذا بنصف منفعة أو منافع الآخر ، أو صالحه نصف منفعته بعوض معيّن وصالحه الآخر أيضاً نصف منفعته بذلك العوض.
ولا تصحّ أيضاً شركة الوجوه; وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد الشركة على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ويكون ما يبتاعه بينهما ، فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما ، وإذا أرادا ذلك على الوجه الصحيح وكّل كلّ منهما الآخر في الشراء فاشترى لهما وفي ذمّتهما .
وشركة المفاوضة أيضاً باطلة ; وهي أن يشترك اثنان أو أزيد على أن يكون كلّ ما يحصل لأحدهما من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر أو إرث أو وصيّة أو نحو ذلك مشتركاً بينهما ، وكذا كلّ غرامة ترد على أحدهما تكون عليهما ، فانحصرت الشركة العقديّة الصحيحة بالشركة في الأعيان المملوكة فعلاً ، وتسمّى بشركة العنان .
[3481] مسألة 2 : لو استأجر اثنين لعمل واحد باُجرة معلومة صحّ وكانت الاُجرة مقسّمة عليهما بنسبة عملهما ، ولايضرّ الجهل بمقدار حصّة كلّ منهما حين العقد ; لكفاية معلوميّة المجموع ، ولايكون من شركة الأعمال التي تكون باطلة بل من شركة الأموال ، فهو كما لو استأجر كلاّ منهما لعمل وأعطاهما شيئاً واحداً بإزاء اُجرتهما . ولو اشتبه مقدار عمل كلّ منهما، فإن احتمل التساوي حمل عليه(1) ; لأصالة عدم زيادة عمل أحدهما على الآخر، وإن علم(2) زيادة أحدهما على الآخر فيحتمل القرعة في المقدار الزائد ، ويحتمل(3) الصلح القهري .
- (1) والأحوط التصالح، ولا مجال لأصالة عدم الزيادة، لعدم جريانها ذاتاً على بعض الوجوه، وللمعارضة على البعض الآخر.
- (2) ولم يعلم مستحقّ الزيادة.
- (3) والأحوط التصالح.
(الصفحة 584)
[3482] مسألة 3 : لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء بآنية واحدة، أو نصبا معاً شبكة للصيد، أو أحييا أرضاً معاً ، فإن ملّك كلّ منهما نصف منفعته بنصف منفعة الآخر اشتركا فيه بالتساوي ، وإلاّ فلكلّ منهما بنسبة عمله ولو بحسب القوّة والضعف ، ولو اشتبه الحال فكالمسألة السابقة ، وربما يحتمل التساوي مطلقاً ; لصدق اتّحاد فعلهما في السببيّة واندراجهما في قوله : «من حاز ملك». وهو كما ترى .
[3483] مسألة 4 : يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم في الشركة العقديّة ـ مضافاً إلى الإيجاب والقبول والبلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه ـ امتزاج المالين(1) سابقاً على العقد أو لاحقاً بحيث لايتميّز أحدهما من الآخر ، من النقود كانا أو من العروض ، بل اشترط جماعة اتّحادهما في الجنس والوصف ، والأظهر عدم اعتباره ، بل يكفي الامتزاج على وجه لايتميّز أحدهما من الآخر ، كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ونحوه، أو امتزج نوع من الحنطة بنوع آخر ، بل لايبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير; وذلك للعمومات العامّة كقوله تعالى :
{أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 5 / 1] . وقوله (عليه السلام) :
«المؤمنون عند شروطهم» وغيرهما ، بل لولا ظهور الإجماع على اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقاً عملاً بالعمومات ، ودعوى عدم كفايتها لإثبات ذلك كما ترى ، لكن الأحوط مع ذلك أن يبيع كلّ منهما حصّة ممّا هو له بحصّة ممّا للآخر، أو يهبها كلّ منهما للآخر أو نحو ذلك في غير صورة الامتزاج الذي هو المتيقّن . هذا ، ويكفي في الإيجاب والقبول كلّ ما دلّ على الشركة من قول أو فعل .
[3484] مسألة 5 : يتساوى الشريكان في الربح والخسران مع تساوي المالين ، ومع زيادة فبنسبة الزيادة ربحاً وخسراناً، سواء كان العمل من أحدهما أو منهما مع
- (1) قد مرّ الإشكال في الشركة العقدية وكذا في الشركة الظاهرية، وأنّ الملاك في الشركة هو الامتزاج بنحو ما مرّ.
(الصفحة 585)
التساوي فيه أو الاختلاف أو من متبرّع أو أجير ، هذا مع الإطلاق . ولو شرطا في العقد زيادة لأحدهما، فإن كان للعامل منهما أو لمن عمله أزيد فلا إشكال ولاخلاف على الظاهر عندهم في صحّته . أمّا لو شرطا لغير العامل منهما أو لغير من عمله أزيد ، ففي صحّة الشرط والعقد وبطلانهما ، وصحّة العقد وبطلان الشرط فيكون كصورة الإطلاق أقوال ، أقواها الأوّل ، وكذا لو شرطا كون الخسارة على أحدهما أزيد ، وذلك لعموم «المؤمنون عند شروطهم» ودعوى أنّه مخالف لمقتضى العقد كما ترى(1) .
نعم ، هو مخالف لمقتضى إطلاقه ، والقول بأنّ جعل الزيادة لأحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة، بل هو أكل بالباطل ، كما ترى باطل.
ودعوى أنّ العمل بالشرط غير لازم لأنّه في عقد جائز ، مدفوعة
أوّلاً : بأنّه مشترك الورود ; إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته ،
وثانياً : بأنّ غاية الأمر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط، والمفروض في صورة عدم الفسخ، فما لم يفسخ يجب الوفاء به ، وليس معنى الفسخ حلّ العقد من الأوّل بل من حينه ، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين . هذا، ولو شرطا تمام الربح لأحدهما بطل(2) العقد لأنّه خلاف مقتضاه . نعم ، لو شرطا كون تمام الخسارة على أحدهما فالظاهر صحّته لعدم كونه منافياً .
[3485] مسألة 6 : إذا اشترطا في ضمن العقد كون العمل من أحدهما أو منهما مع استقلال كلّ منهما أو مع انضمامهما فهو المتّبع ولايجوز التعدّي ، وإن أطلقا لم يجز لواحد(3) منهما التصرّف إلاّ بإذن الآخر . ومع الإذن بعد العقد أو الاشتراط فيه، فإن
- (1) كما أنّ دعوى كونه مخالفاً للسنّة أيضاً كذلك.
- (2) الفرق بين هذه الصورة وبين الصورة السابقة غير واضح.
- (3) إذا كان التصرّف مفتقراً إلى إذن جديد، فما الذي يترتّب على عقد الشركة من الأثر.