(الصفحة 590)
غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، قال: فأيّ المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر تغدو بخير وتروح بخير، قال: فأيّ المال بعد البقر خير؟ قال: الراسيات في الوحل، والمطعمات في المحل. نعم الشيء النخل ، من باعه فإنّما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدّت به الريح في يوم عاصف إلاّ أن يخلف مكانها . قيل : يارسول الله (صلى الله عليه وآله) فأيّ المال بعد النخل خير؟ قال: فسكت، قال:فقام إليه رجل فقال له: يارسول الله فأين الإبل؟ قال:فيهاالشقاءوالجفاء والعناء وبُعد ا وعنه (عليه السلام) قال: «الكيمياء الأكبر الزراعة».
وعنه (عليه السلام): «إنّ الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع كيلا يكرهوا شيئاً من قطر السماء» . وعنه (عليه السلام)، أنّه سأله رجل فقال له : جعلت فداك أسمع قوماً يقولون : إنّ المزارعة مكروهة ؟ فقال له : «ازرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه» . ويستفاد(1) من هذا الخبر ما ذكرنا من أنّ الزراعة أعمّ من المباشرة والتسبيب ، وأمّا ما رواه الصدوق مرفوعاً عن النّبي (صلى الله عليه وآله)أنّه نهى عن المخابرة ، قال : وهي المزارعة بالنصف أو الثلث أو الربع ، فلابدّ من حمله على بعض المحامل ; لعدم مقاومته لما ذكر ، وفي «مجمع البحرين» : وما روي من أنّه (صلى الله عليه وآله)نهى عن المخابرة كان ذلك حين تنازعوا فنهاهم عنها .
ويشترط فيها اُمور :
أحدها : الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ ، سواء كان حقيقة أو مجازاً مع القرينة، كزارعتك أو سلّمت إليك الأرض على أن تزرع على كذا ، ولايعتبر فيهما العربيّة ولا الماضويّة ، فيكفي الفارسي وغيره ، والأمر كقوله : ازرع
- (1) على تقدير كون الموضوع هي المزارعة، وأمّا على تقدير كونه هي الزراعة كما في محكي النسخ الموجودة من كتب الأخبار المعروفة فلا مجال لهذه الاستفادة.
(الصفحة 591)
هذه الأرض على كذا ، أو المستقبل ، أو الجملة الاسميّة مع قصد الإنشاء بها ، وكذا لايعتبر تقديم الإيجاب على القبول، ويصحّ الإيجاب من كلّ من المالك والزارع ، بل يكفي(1) القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي على الأقوى ، وتجري فيها المعاطاة، وإن كانت لا تلزم (2) إلاّ بالشروع في العمل .
الثاني : البلوغ والعقل والاختيار، وعدم الحجر لسفه أو فلس، ومالكيّة التصرّف في كلّ من المالك والزارع . نعم ، لايقدح(3) حينئذ فلس الزارع إذا لم يكن منه مال ; لأنّه ليس تصرّفاً ماليّاً .
الثالث : أن يكون النماء مشتركاً بينهما ، فلو جعل الكلّ لأحدهما لم يصحّ مزارعة .
الرابع : أن يكون مشاعاً بينهما ، فلو شرطا اختصاص أحدهما بنوع ـ كالذي حصل أوّلاً ـ والآخر بنوع آخر ، أو شرطا أن يكون ما حصل من هذه القطعة من الأرض لأحدهما، وما حصل من القطعة الاُخرى للآخر لم يصحّ .
الخامس : تعيين الحصّة بمثل النصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذلك ، فلو قال : ازرع هذه الأرض على أن يكون لك أو لي شيء من حاصلها بطل .
السادس : تعيين المدّة بالأشهر والسنين، فلو أطلق بطل . نعم ، لو عيّن المزروع أو مبدأ الشروع في الزرع لايبعد صحّته إذا لم يستلزم(4) غرراً ، بل مع
- (1) فيه إشكال.
- (2) اللزوم في المعاطاة لا يتوقّف على شيء، بل هي كالعقد بالصيغة. نعم، قد يكون أصل تحقّقها متوقّفاً على الشروع في العمل، كما في إجارة الحرّ نفسه، وكما هنا بناءً على صدور الإيجاب من الزارع.
- (3) وكذا سفهه في هذه الصورة.
- (4) بأن كان متعيّناً بحسب العادة، وكذا في الفرض الآتي.
(الصفحة 592)
عدم تعيين ابتداء الشروع أيضاً إذا كانت الأرض ممّا لايزرع في السنة إلاّ مرّة ، لكن مع تعيين السنة لعدم الغرر فيه ، ولادليل على اعتبار التعيين تعبّداً، والقدر المسلّم من الإجماع على تعيينها غير هذه الصورة ، وفي صورة تعيين المدّة لابدّ وأن تكون بمقدار يبلغ فيه الزرع ، فلا تكفي المدّة القليلة التي تقصر عن إدراك النماء .
السابع : أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج ، فلو كانت سبخة لايمكن الانتفاع بها، أو كان يستولي عليها الماء قبل أوان إدراك الحاصل أو نحو ذلك ، أو لم يكن هناك ماء للزراعة ولم يمكن تحصيله ولو بمثل حفر البئر أو نحو ذلك ولم يمكن الاكتفاء بالغيث بطل .
الثامن : تعيين المزروع من الحنطة والشعير وغيرهما مع اختلاف الأغراض فيه ، فمع عدمه يبطل إلاّ أن يكون هناك انصراف يوجب التعيين ، أو كان مرادهما التعميم، وحينئذ فيتخيّر الزارع بين أنواعه .
التاسع : تعيين الأرض ومقدارها ، فلو لم يعيّنها بأنّها هذه القطعة أو تلك القطعة ، أو من هذه المزرعة أو تلك ، أو لم يعيّن مقدارها بطل مع اختلافها بحيث يلزم الغرر . نعم ، مع عدم لزومه لايبعد الصحّة; كأن يقول : مقدار جريب من هذه القطعة من الأرض التي لا اختلاف بين أجزائها ، أو أيّ مقدار (1) شئت منها ، ولايعتبر كونها شخصيّة ، فلو عيّن كلّياً موصوفاً على وجه يرتفع الغرر فالظاهر صحّته، وحينئذ يتخيّر المالك في تعيينه .
العاشر : تعيين كون البذر على أيّ منهما ، وكذا سائر المصارف واللوازم إذا لم
- (1) ليس المراد هو هذا العنوان الملازم للجهل بالمقدار، بل المراد هو المقدار المعيّن بنحو الكلّي في المعيّن، والفرق بينه وبين ما قبله مع اشتراكهما في ذلك هو أنّ التعيين في الأوّل بيد المالك وفي الثاني بيد الزارع.
(الصفحة 593)
يكن هناك انصراف مغن عنه ولو بسبب التعارف .
[3493] مسألة 1 : لايشترط في المزارعة كون الأرض ملكاً للمزارع ، بل يكفي كونه مسلّطاً عليها بوجه من الوجوه(1); كأن يكون مالكاً لمنفعتها بالإجارة(2) أو الوصيّة أو الوقف(3) عليه ، أو مسلّطاً عليها بالتولية; كمتولّي الوقف العامّ أو الخاصّ والوصيّ ، أو كان له حقّ اختصاص بها بمثل التحجير (4) والسبق ونحو ذلك ، أو كان مالكاً للانتفاع بها; كما إذا أخذها بعنوان المزارعة فزارع غيره أو شارك غيره ، بل يجوز أن يستعير الأرض للمزارعة . نعم ، لو لم يكن له فيها حقّ أصلاً لم يصحّ مزارعتها ، فلايجوز المزارعة في الأرض الموات مع عدم تحجير أو سبق أو نحو ذلك ، فإنّ المزارع والعامل فيها سواء .
نعم ، يصحّ الشركة في زراعتها مع اشتراك البذر أو بإجارة أحدهما نفسه للآخر في مقابل البذر أو نحو ذلك ، لكنّه ليس حينئذ من المزارعة المصطلحة ، ولعلّ هذا مراد الشهيد في «المسالك» من عدم جواز المزارعة في الأراضي الخراجيّة التي هي للمسلمين قاطبة إلاّ مع الاشتراك في البذر أو بعنوان آخر ، فمراده هو فيما إذا لم يكن للمزارع جهة اختصاص بها ، وإلاّ فلا إشكال في جوازها بعد الإجارة من السلطان، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار .
[3494] مسألة 2 : إذا أذن لشخص في زرع أرضه على أن يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما فالظاهر صحّته وإن لم يكن من المزارعة
- (1) أي المفيدة لملك المنفعة.
- (2) مع عدم اشتراط المباشرة فيها.
- (3) فيه مسامحة واضحة، فإنّه في الوقف تكون الأرض ملكاً للموقوف عليه، وبتبعها يكون مالكاً للمنفعة، بخلاف الإجارة والوصية بالمنفعة.
- (4) في الاكتفاء بالتحجير ونحوه نظر وإشكال، وكذا في جواز استعارة الأرض للمزارعة.
(الصفحة 594)
المصطلحة(1) ، بل لايبعد كونه منها أيضاً ، وكذا لو أذن لكلّ من يتصدّى للزرع وإن لم يعيّن شخصاً ، وكذا لو قال : كلّ من زرع أرضي هذه أو مقداراً من المزرعة الفلانيّة فلي نصف حاصله أو ثلثه مثلا ، فأقدم واحد على ذلك فيكون نظير الجعالة(2) ، فهو كما لو قال : «كلّ من بات في خاني أو داري فعليه في كلّ ليلة درهم» ، أو «كلّ من دخل حمّامي فعليه في كلّ مرّة ورقة» ، فإنّ الظاهر صحّته للعمومات ; إذ هو نوع من المعاملات العقلائية، ولا نسلّم انحصارها في المعهودات ، ولا حاجة إلى الدليل الخاصّ لمشروعيتها ، بل كلّ معاملة عقلائيّة صحيحة إلاّ ما خرج بالدليل الخاصّ كما هو مقتضى العمومات .
[3495] مسألة 3 : المزارعة من العقود اللازمة لا تبطل إلاّ بالتقايل أو الفسخ بخيار الشرط أو بخيار الاشتراط ; أي تخلّف بعض الشروط المشترطة على أحدهما ، وتبطل أيضاً بخروج الأرض عن قابليّة الانتفاع لفقد الماء أو استيلائه أو نحو ذلك ،ولا تبطل بموت أحدهما فيقوم وارث الميّت منهما مقامه . نعم ، تبطل
- (1) إن كان المراد من عدم كونها من المزارعة المصطلحة عدم ترتّب آثارها عليه، كاستحقاق الزارع إحداث الزرع فيها وإبقائها إلى أوان بلوغها، فدعوى الصحّة ممنوعة بعد كونه غرريّاً محضاً. وإن كان المراد منه عدم كونها من مصاديقها، وإن ترتّب عليها أحكامها وآثارها، فدعوى عدم كونها كذلك ممنوعة بعد عدم اعتبار لفظ خاصّ في إيجاب المزارعة، وعدم تقوّمها بإنشائها بهذا العنوان.
- (2) كونه نظيراً للجعالة ممنوع، بل هو عكسها، فإنّها جعل شيء على نفسه لغيره على فرض وقوع عمل منه، وهنا جعل شيئاً لنفسه على غيره على تقدير وقوع العمل من الغير. نعم، فيما إذا كان البذر من المالك تصحّ الجعالة، بأن يقول: من زرع هذا البذر في أرضي فله نصف الحاصل مثلاً، بناءً على صحّة الجعالة المجهول جعلها وجوداً وكميّةً، ومن هنا انقدح عدم كون الأمثلة أيضاً من مصاديق الجعالة، بل بعضها إباحة بالعوض أو إذن بالإتلاف بالعوض، ومع ذلك فالصحّة فيها محلّ تأمّل وإشكال.