(الصفحة 526)
بينهما ، لا أن يكون تمام الربح للمالك، ولا أن يكون تمامه للعامل ، وتوضيح ذلك : أنّ من دفع مالاً إلى غيره للتجارة تارة على أن يكون الربح بينهما وهي مضاربة ، وتارة على أن يكون تمامه للعامل ، وهذا داخل في عنوان القرض إن كان بقصده، وتارة على أن يكون تمامه للمالك ، ويسمّى عندهم باسم البضاعة ، وتارة لايشترطان شيئاً ، وعلى هذا أيضاً يكون تمام الربح للمالك، فهو داخل في عنوان البضاعة ، وعليهما يستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله إلاّ أن يشترطا عدمه ، أو يكون العامل قاصداً للتبرّع ، ومع عدم الشرط وعدم قصد التبرّع أيضاً له أن يطالب الاُجرة ، إلاّ أن يكون الظاهر منهما في مثله عدم أخذ الاُجرة ، وإلاّ فعمل المسلم محترم(1) ما لم يقصد التبرّع .
ويشترط في المضاربة الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ دالّ قولاً أو فعلاً ، والإيجاب القوليّ كأن يقول : ضاربتك على كذا ، وما يفيد هذا المعنى . فيقول : قبلت . ويشترط فيها أيضاً بعد البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو جنون(2) اُمور :
الأوّل : أن يكون رأس المال عيناً ، فلا تصحّ بالمنفعة(3) ولا بالدين ، فلو كان له دين على أحد لم يجز أن يجعله مضاربة إلاّ بعد قبضه ، ولو أذن للعامل في قبضه ما لم يجدّد العقد بعد القبض. نعم، لووكّله على القبض والإيجاب من طرف المالك والقبول منه; بأن يكون موجباً قابلاً صحّ ، وكذا لو كان له على العامل دين لم يصحّ جعله قراضاً، إلاّ أن يوكّله في تعيينه ثمّ إيقاع العقد عليه بالإيجاب والقبول بتولّي الطرفين.
- (1) إذا كان واقعاً بأمر الغير، كما صرّح بذلك في كتاب الإجارة.
- (2) الظاهر أنّ المراد به هو السفه، وعدمه وكذا عدم الفلس إنّما يعتبر بالإضافة إلى المالك دون العامل.
- (3) على الأحوط.
(الصفحة 527)
الثاني : أن يكون من الذهب أو الفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة ; بأن يكون درهماً أو ديناراً ، فلا تصحّ بالفلوس ولا بالعروض بلا خلاف بينهم ، وإن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الإجماع . نعم ، تأمّل فيه بعضهم، وهو في محلّه لشمول العمومات ، إلاّ أن يتحقّق الإجماع وليس ببعيد(1) ، فلايترك الاحتياط ، ولا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به مثل الشاميّات والقَمَري ونحوها . نعم ، لو كان مغشوشاً يجب كسره ـ بأن كان قلباً ـ لم يصحّ وإن كان له قيمة، فهو مثل الفلوس ، ولو قال للعامل : بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضاً لم يصحّ ، إلاّ أن يوكّله في تجديد العقد عليه بعد أن نضّ ثمنه .
الثالث : أن يكون معلوماً(2) قدراً ووصفاً ، ولاتكفي المشاهدة وإن زال به معظم الغرر .
الرابع : أن يكون معيّناً(3) ، فلو أحضر مالين وقال : قارضتك بأحدهما أو بأيّهما شئت لم ينعقد ، إلاّ أن يعيّن ثمّ يوقعان العقد عليه . نعم ، لا فرق بين أن يكون
- (1) الظاهر عدم تحقّق الإجماع، فإنّ المحكي عن الخلاف والغنية والجواهر للقاضي دعوى الإجماع على الصحّة في الدراهم والدنانير لا على عدمها في غيرهما، مضافاً إلى عدم تعرّض كثير من القدماء لأصل المسألة، وإلى استناد بعض المتعرّضين بغير الإجماع، وإلى عدم حجّية الإجماع المنقول، خصوصاً في مثل المسألة، فالظاهر صحّة المضاربة بجميع الأثمان، ولو كان ديناراً عراقياً أو أسكناساً إيرانياً أو غيرهما ممّا لا يكون درهماً ولا ديناراً. نعم، صحّتها بالعروض محلّ تأمّل، وإن كان مقتضى إطلاق بعض أدلّة الباب الصحّة فيها أيضاً.
- (2) اعتباره محلّ تأمّل، خصوصاً بالإضافة إلى المجهول الذي يؤول إلى العلم، كما إذا وقع العقد على ما في الكيس مثلاً، ثمّ يعدّانه بعد ذلك.
- (3) لا دليل على الاعتبار ولم يثبت الإجماع، ودعوى عدم المعقولية غير ثابتة أيضاً، وذكرنا في كتاب الإجارة أنّه لا يبعد الحكم بصحّة استئجار أحد هذين العبدين إذا كانا متساويين في الأوصاف الموجبة لتفاوت الرغبات.
(الصفحة 528)
مشاعاً أو مفروزاً بعد العلم بمقداره ووصفه ، فلو كان المال مشتركاً بين شخصين فقال أحدهما للعامل : قارضتك بحصّتي في هذا المال ، صحّ مع العلم بحصّته من ثلث أو ربع ، وكذا لو كان للمالك مائة دينار مثلا ، فقال : قارضتك بنصف هذا المال صحّ .
الخامس : أن يكون الربح مشاعاً بينهما(1) ، فلو جعل لأحدهما مقداراً معيّناً والبقيّة للآخر أو البقيّة مشتركة بينهما لم يصحّ .
السادس : تعيين حصّة كلّ منهما من نصف أو ثلث أو نحو ذلك ، إلاّ أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق .
السابع : أن يكون الربح بين المالك والعامل ، فلو شرطا جزءاً منه لأجنبي عنهما لم يصحّ إلاّ أن يشترط عليه عمل متعلّق بالتجارة . نعم ، ذكروا أنّه لو اشترط كون جزء من الربح لغلام أحدهما صحّ ، ولا بأس به خصوصاً(2) على القول بأنّ العبد لايملك ; لأنّه يرجع إلى مولاه ، وعلى القول الآخر يشكل ، إلاّ أنّه لمّا كان مقتضى القاعدة صحّة الشرط حتّى للأجنبي، والقدر المتيقّن من عدم الجواز ما إذا لم يكن غلاماً لأحدهما ، فالأقوى الصحّة مطلقاً ، بل لايبعد (3) القول به في الأجنبي أيضاً وإن لم يكن عاملاً ; لعموم الأدلّة .
الثامن : ذكر بعضهم أنّه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل ، فلو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصحّ ، لكن لادليل عليه ، فلا مانع(4) أن يتصدّى العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك، كما عن التذكرة .
- (1) لا دليل على اعتبار هذا الأمر أيضاً خصوصاً مع الوثوق والاطمئنان بحصول الزائد على المقدار المعيّن.
- (2) إذا لم يقصد ملك العبد نفسه، وإلاّ فالشرط باطل.
- (3) محلّ تأمّل.
- (4) وعليه فلا يبقى مجال لتعريف المضاربة بما أفاده في المتن، كما نبّهنا عليه.
(الصفحة 529)
التاسع : أن يكون الاسترباح بالتجارة ، وأمّا إذا كان بغيرها كأن يدفع إليه ليصرفه في الزراعة مثلا، ويكون الربح بينهما يشكل صحّته ; إذ القدر المعلوم من الأدلّة هو التجارة ، ولو فرض صحّة غيرها للعمومات كما لايبعد(1) لايكون داخلاً في عنوان المضاربة .
العاشر : أن لايكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به ، مع اشتراط المباشرة من دون الاستعانة بالغير ، أو كان عاجزاً حتّى مع الاستعانة بالغير وإلاّ فلايصحّ ; لاشتراط كون العامل قادراً(2) على العمل ، كما أنّ الأمر كذلك في الإجارة للعمل ، فإنّه إذا كان عاجزاً تكون باطلة ، وحينئذ فيكون تمام الربح للمالك وللعامل اُجرة عمله مع جهله بالبطلان ، ويكون ضامناً لتلف المال(3) إلاّ مع
- (1) بل بعيد جدّاً.
- (2) إن كان المراد بالقدرة القدرة على التجارة في الجميع في مقابل العجزمطلقاً، كمايدلّ عليه قوله (قدس سره): فإنّه إذا كان...الخ. فيرد عليه أنّه لا دليل على اعتبار هذا النحو من القدرة في المضاربة، ولا على كونها مثل الإجارة لو سلّم الحكم فيها. وإن كان المراد بها هي القدرة ولو في الجملة، نظراً إلى أنّه مع العجز الكلّي تتّصف المعاملة باللغويّة، ولا يجدي في ذلك مجرّد الفرق بين الإجارة والمضاربة بعدم ثبوت التمليك فيها ابتداءً بخلاف الإجارة، فإنّ عدم ثبوت التمليك لايخرج المعاملة مع العجز عن اللغوية فيرد عليه منع الحكم فيما فرّعه على ذلك، فإنّ لازم ذلك إمّا الحكم بالصحّة مطلقاً، أو في خصوص المقدار المقدور واشتراكهما في الربح في خصوص ذلك المقدار لا اختصاص المالك به وثبوت الاُجرة للعامل مع جهله بالبطلان.
- (3) المراد بالمال هو المقدار الذي يقدر على الاتّجار به، وقد عرفت في الحاشية السابقة صحّة المضاربة مطلقاً أو بالإضافة إليه، وعليه فلا وجه لضمانه بالنسبة إليه، وأمّا المقدار الزائد فالظاهر عدم ثبوت الضمان فيه أيضاً، إمّا لصحّة المضاربة في المجموع وإمّا لعدم كون فسادها موجباً للضمان كما في الإجارة الفاسدة ـ على ما مرّ ـ والفرق بين صورة المزج وعدمه، وكذا بين صورة تعدّد الأخذ ووحدته ممّا لا وجه له أصلاً.
(الصفحة 530)
علم المالك بالحال ، وهل يضمن حينئذ جميعه لعدم التميّز مع عدم الإذن في أخذه على هذا الوجه ، أو القدر الزائد لأنّ العجز إنّما يكون بسببه فيختصّ به ، أو الأوّل إذا أخذ الجميع دفعة، والثاني إذا أخذ أوّلاً بقدر مقدوره ثمّ أخذ الزائد ولم يمزجه مع ما أخذه أوّلاً ؟ أقوال ، أقواها الأخير .
ودعوى أنّه بعد أخذ الزائد يكون يده على الجميع وهو عاجز عن المجموع من حيث المجموع ولا ترجيح الآن لأحد أجزائه ، إذ لو ترك الأوّل وأخذ الزيادة لايكون عاجزاً كما ترى ; إذ الأوّل وقع صحيحاً والبطلان مستند إلى الثاني وبسببه ، والمفروض عدم المزج . هذا ، ولكن ذكر بعضهم : أنّ مع العجز المعاملة صحيحة فالربح مشترك ، ومع ذلك يكون العامل ضامناً مع جهل المالك، ولا وجه له لما ذكرنا ، مع أنّه إذا كانت المعاملة صحيحة لم يكن وجه للضمان ، ثمّ إذا تجدّد العجز في الأثناء وجب عليه ردّ الزائد وإلاّ ضمن .
[3390] مسألة 1 : لو كان له مال موجود في يد غيره أمانة أو غيرها فضاربه عليها صحّ ، وإن كان في يده غصباً أو غيره ممّا يكون اليد فيه يد ضمان فالأقوى أنّه يرتفع(1) الضمان بذلك ; لانقلاب اليد حينئذ فينقلب الحكم . ودعوى أنّ الضمان مغيّاً بالتأدية ولم تحصل كما ترى ، ولكن ذكر جماعة بقاء الضمان إلاّ إذا اشترى به شيئاً ودفعه(2) إلى البائع ، فإنّه يرتفع الضمان به ; لأنّه قد قضى دينه بإذنه ، وذكروا نحو ذلك في الرهن أيضاً ، وأنّ العين إذا كانت في يد الغاصب فجعله رهناً عنده أنّها تبقى على الضمان ، والأقوى ما ذكرنا في المقامين لما ذكرنا .
[3391] مسألة 2 : المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكلّ منهما فسخها، سواء
- (1) إذا كان إيقاع المضاربة معه قرينة ظاهرة على الإذن في إبقاء اليد عليه، وإلاّ فلا وجه للارتفاع; لما مرّ من أنّه لا يعتبر في حقيقتها أن يكون المال بيد العامل.
- (2) أي بإذن المالك، وإلاّ فلا وجه لارتفاع الضمان.