(الصفحة 207)
طاف بهذا البيت، وصلّى خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) ، ثمّ قال في نفسه وظنّ أنّ الله لم يغفر له ، فهو من أعظم الناس وزراً» .
وعنهم (عليهم السلام) : «الحاجّ مغفور له وموجوب له الجنّة ، ومستأنف له العمل، ومحفوظ في أهله وماله ، وأنّ الحجّ المبرور لا يعدله شيء ولا جزاء له إلاّ الجنّة ، وأنّ الحاجّ يكون كيوم ولدته اُمّه ، وأنّه يمكث أربعة أشهر تكتب له الحسنات ، ولا تكتب عليه السيّئات إلاّ أن يأتي بموجبه ، فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط بالناس ، وأنّ الحاجّ يصدرون على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته اُمّه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، فذلك أدنى ما يرجع به الحاجّ . وأنّ الحاجّ إذا دخل مكّة وكّل الله به ملكين يحفظان عليه طوافه وصلاته وسعيه ، فإذا وقف بعرفة ضربا على منكبه الأيمن ثمّ قالا : أمّا ما مضى فقد كفيته ، فانظر كيف تكون فيما تستقبل» . وفي آخر : «وإذا قضوا مناسكهم قيل لهم : بنيتم بنياناً فلا تنقضوه ، كفيتم ما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون» . وفي آخر : «إذا صلّى ركعتي طواف الفريضة يأتيه ملك فيقف عن يساره ، فإذا انصرف ضرب بيده على كتفه فيقول : يا هذا أمّا ما قد مضى فقد غفر لك ، وأمّا ما يستقبل فجدّ» . وفي آخر : «إذا أخذ الناس منازلهم بمنى نادى مناد : لو تعلمون بفِناء مَن حللتم لأيقنتم بالخلف بعد المغفرة» . وفي آخر : «إن أردتم أن أرضى فقد رضيت» .
وعن الثمالي قال: قال رجل لعليّ بن الحسين (عليهما السلام): تركت الجهاد وخشونته ولزمت الحجّ ولينه ، قال: وكان متّكئاً فجلس وقال : «ويحك أما بلغك ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع ; إنّه لمّا وقف بعرفة وهمّت الشمس أن تغيب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا بلال قل للناس : فلينصتوا ، فلمّا أنصتوا قال : إنّ ربّكم تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم ، وشفّع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفوراً لكم» . وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله)لرجل مميّل فاته الحجّ والتمس منه ما به ينال أجره : «اُنظر إلى
(الصفحة 208)
أبي قبيس، فلو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله تعالى ما بلغت ما يبلغ الحاجّ» ، ثمّ قال : «إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً ولم يضعه إلاّ كتب الله له عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات ، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّاً ولم يضعه إلاّ كتب الله له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه» . قال : فعدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)كذا وكذا موقفاً إذا وقفها الحاجّ خرج من ذنوبه ، ثمّ قال : «أنّى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاجّ» .
وقال الصادق (عليه السلام) : «إنّ الحجّ أفضل من عتق رقبة ، بل سبعين رقبة». بل ورد أنّه «إذا طاف بالبيت وصلّى ركعتيه كتب الله له سبعين ألف حسنة ، وحطّ عنه سبعين ألف سيّئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وشفّعه في سبعين ألف حاجة ، وحسب له عتق سبعين ألف رقبة ، قيمة كلّ رقبة عشرة آلاف درهم ، وأنّ الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من سبيل الله تعالى ، وأنّه أفضل من الصيام والجهاد والرباط ، بل من كلّ شيء ما عدا الصلاة» . بل في خبر آخر «أنّه أفضل من الصلاة أيضاً» ولعلّه لاشتماله على فنون من الطاعات لم يشتمل عليها غيره حتّى الصلاة التي هي أجمع العبادات ، أو لأنّ الحجّ فيه صلاة ، والصلاة ليس فيها حجّ ، أو لكونه أشقّ من غيره وأفضل الأعمال أحمزها ، والأجر على قدر المشقّة .
ويستحبّ تكرار الحجّ والعمرة وإدمانهما بقدر القدرة ، فعن الصادق (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خبث الحديد» . وقال (عليه السلام) : «حجج تترى وعمر تسعى يدفعن عيلة الفقر وميتة السوء» . وقال عليّ بن الحسين (عليه السلام) : «حجّوا واعتمروا تصحّ أبدانكم وتتّسع أرزاقكم ، وتكفون مؤنات عيالكم» .
(الصفحة 209)
وكما يستحبّ الحجّ بنفسه كذا يستحبّ الإحجاج بماله ، فعن الصادق (عليه السلام) أنّه كان إذا لم يحجّ أحجّ بعض أهله أو بعض مواليه ، ويقول لنا : «يا بنيّ إن استطعتم فلايقف الناس بعرفات إلاّ وفيها من يدعو لكم ، فإنّ الحاجّ ليشفّع في ولده وأهله وجيرانه» . وقال الصادق (عليهما السلام) لإسحاق بن عمّار لمّا أخبره أنّه موطّن على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسه أو برجل من أهله بماله : «فأيقن بكثرة المال والبنين ، أو أبشر بكثرة المال» . وفي كلّ ذلك روايات مستفيضة يضيق عن حصرها المقام ، ويظهر من جملة منها أن تكرارها ثلاثاً أو سنة وسنة لا إدمان ، ويكره تركه للموسر في كلّ خمس سنين ، وفي عدّة من الأخبار : «أنّ من أوسع الله عليه وهو موسر ولم يحجّ في كلّ خمس ـ وفي رواية أربع ـ سنين إنّه لمحروم» ، وعن الصادق (عليه السلام) : «من حجّ أربع حجج لم تصبه ضغطة القبر أبداً» .
مقدّمة
في آداب السفر ومستحبّاته لحجّ أو غيره
وهي اُمور :
أوّلها ـ ومن أوكدها ـ : الاستخارة ; بمنى طلب الخير من ربّه ، ومسألة تقديره له عند التردّد في أصل السفر أو في طريقه أو مطلقاً ، والأمر بها للسفر وكلّ أمر خطير أو مورد خطر مستفيض ، ولاسيّما عند الحيرة والاختلاف في المشورة ، وهي الدعاء لأن يكون خيره فيما يستقبل أمره ، وهذا النوع من الاستخارة هو الأصل فيها ، بل أنكر بعض العلماء ما عداها ممّا يشتمل على التفأل والمشاورة بالرِقاع والحَصَى والسبحة والبُندُقة وغيرها ; لضعف غالب أخبارها ; وإن كان العمل بها للتسامح في مثلها لا بأس به أيضاً ، بخلاف هذا النوع ; لورود أخبار كثيرة بها في
(الصفحة 210)
كتب أصحابنا ، بل في روايات مخالفينا أيضاً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) الأمر بها والحثّ عليها .
وعن الباقر والصادق (عليهما السلام) : «كنّا نتعلّم الاستخارة كما نتعلّم السورة من القرآن» . وعن الباقر (عليه السلام) : «أنّ عليّ بن الحسين (عليهما السلام) كان يعمل به إذا همّ بأمر حجّ أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق» . بل في كثير من رواياتنا النهي عن العمل بغير استخارة ، وأنّه من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلي لم يؤجر . وفي كثير منها : «ما استخار الله عبد مؤمن إلاّ خار له ، وإن وقع ما يكره» ، وفي بعضها : «إلاّ رماه الله بخيرة الأمرين» ، وفي بعضها : «استخر الله مائة مرّة ومرّة ، ثمّ انظر أحزم الأمرين لك فافعله ، فإنّ الخيرة فيه إن شاء الله تعالى» ، وفي بعضها : «ثمّ انظر أيّ شيء يقع في قلبك فاعمل به» ، وليكن ذلك بعنوان المشورة من ربّه ، وطلب الخير من عنده ، وبناء منه أنّ خيره فيما يختاره الله له من أمره .
ويستفاد من بعض الروايات أن يكون قبل مشورته ; ليكون بدء مشورته منه سبحانه، وأن يقرنه بطلب العافية، فعن الصادق (عليه السلام) : «ولتكن استخارتك في عافية، فإنّه ربّما خير للرجل في قطع يده وموت ولده وذهاب ماله» ، وأخصر صورة فيها أن يقول : «أستخير الله برحمته» ، أو «أستخير الله برحمته خيرة في عافية» ، ثلاثاً أو سبعاً أو عشراً أو خمسين أو سبعين أو مائة مرّة ومرّة ، والكلّ مرويّ ، وفي بعضها في الاُمور العظام مائة، وفي الاُمور اليسيرة بما دونه ، والمأثور من أدعيته كثيرة جدّاً.
والأحسن تقديم تحميد وتمجيد وثناء وصلوات وتوسّل وما يحسن من الدعاء عليها ، وأفضلها بعد ركعتين للاستخارة أو بعد صلوات فريضة أو في ركعات الزوال ، أو في آخر سجدة من صلاة الفجر ، أو في آخر سجدة من صلاة الليل ، أو في سجدة بعد المكتوبة ، أو عند رأس الحسين (عليه السلام) ، أو في مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله)والكلّ مرويّ . ومثلها كلّ مكان شريف قريب من الإجابة ، كالمشاهد المشرّفة ، أو حال أو زمان كذلك ، ومن أراد تفصيل ذلك فليطلبه من مواضعه ، كـ «مفاتيح الغيب»
(الصفحة 211)
للمجلسي (قدس سره) ، و«الوسائل» و«مستدركه» .
وبما ذكر من حقيقة هذا النوع من الاستخارة وأنّها محض الدعاء والتوسّل وطلب الخير وانقلاب أمره إليه ، وبما عرفت من عمل السجاد (عليه السلام) في الحجّ والعمرة ونحوهما يعلم أنّها راجحة للعبادات أيضاً ، خصوصاً عند إرادة الحجّ ، ولايتعيّن فيما يقبل التردّد والحيرة ، ولكن في رواية اُخرى : «ليس في ترك الحجّ خيرة» . ولعلّ المراد بها الخيرة لأصل الحجّ أو للواجب منه .
ثانيها : اختيار الأزمنة المختارة له من الاُسبوع والشهر ، فمن الاُسبوع يختار السبت ، وبعده الثلاثاء والخميس ، والكلّ مرويّ ، وعن الصادق (عليه السلام) : «من كان مسافراً فليسافر يوم السبت ، فلو أنّ حجراً زال عن جبل يوم السبت لردّه الله إلى مكانه» . وعنهم (عليهم السلام) : «السبت لنا والأحد لبني اُميّة» . وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «اللهمّ بارك لاُمّتي في بكورها يوم سبتها وخميسها» .
ويتجنّب ما أمكنه صبيحة الجمعة قبل صلاتها، والأحد ، فقد روي : «أنّ له حدّاً كحدّ السيف» ، والاثنين فهو لبني اُميّة ، والأربعاء فإنّه لبني العبّاس ، خصوصاً آخر أربعاء من الشهر ، فإنّه يوم نحس مستمرّ ، وفي رواية ترخيص السفر يوم الاثنين مع قراءة سورة «هل أتى» في أوّل ركعة من غداته ، فإنّه يقيه الله به من شرّ يوم الاثنين ، وورد أيضاً اختيار يوم الاثنين وحملت على التقيّة.
وليتجنّب السفر من الشهر والقمر في المحاق ، أو في برج العقرب أو صورته ، فعن الصادق (عليه السلام) : «من سافر أو تزوّج والقمر في العقرب لم ير الحسنى» . وقد عدّ أيّام من كلّ شهر وأيّام من الشهر منحوسة يتوقّى من السفر فيها ، ومن ابتداء كلّ عمل بها ، وحيث لم نظفر بدليل صالح عليه لم يهمّنا التعرّض لها ، وإن كان التجنّب منها ومن كلّ ما يتطيّر بها أولى ، ولم يعلم أيضاً أنّ المراد بها شهور الفرس أو العربيّة ، وقد يوجّه كلّ بوجه غير وجيه ، وعلى كلّ حال فعلاجها لدى الحاجة
|