(الصفحة 215)
عن الوحدة ، ففي وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) : «لاتخرج في سفر وحدك ، فإنّ الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد» . و«لعن ثلاثة : الآكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده ، والراكب في الفلاة وحده» . وقال : «شرّ الناس من سافر وحده ، ومنع رفده ، وضرب عبده» ، و«أحبّ الصحابة إلى الله تعالى أربعة ، وما زاد على سبعة إلاّ كثر لَغَطُهُم» أي تشاجرهم ، ومن اضطرّ إلى السفر وحده فليقل : «ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، اللهمّ آنس وحشتي ، وأعنّي على وحدتي ، وأدّ غيبتي» . وينبغي أن يرافق مثله في الإنفاق ، ويكره مصاحبته دونه أو فوقه في ذلك ، وأن يصحب من يتزيّن به ، ولايصحب من يكون زينته له ، ويستحبّ معاونة أصحابه وخدمتهم ، وعدم الاختلاف معهم ، وترك التقدّم على رفيقه في الطريق .
الحادي عشر : استصحاب السفرة والتنوّق فيها ، وتطييب الزاد والتوسعة فيه ، لاسيّما في سفر الحجّ ، وعن الصادق (عليه السلام) : «إنّ من المروءة في السفر كثرة الزاد وطيبه ، وبذله لمن كان معك». نعم، يكره التنوّق في سفر زيارة الحسين (عليه السلام)، بل يقتصر فيه على الخبز واللبن لمن قرب من مشهده ، كأهل العراق لا مطلقاً في الأظهر ، فعن الصادق (عليه السلام) : «بلغني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين (عليه السلام) حملوا معهم السفرة فيها الجداء والأخبصة وأشباهه ، لو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم هذا» ، وفي آخر : «تالله إنّ أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً وتأتونه أنتم بالسفر ، كلاّ حتّى تأتونه شعثاً غبراً» .
الثاني عشر : حسن التخلّق مع صحبه ورفقته ، فعن الباقر (عليه السلام) : «ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال : خلق يخالق به من صحبه ، أو حلم يملك به غضبه ، أو ورع يحجزه عن معاصي الله» . وفي المستفيضة : «المروءة في السفر ببذل الزاد ، وحسن الخلق ، والمزاح في غير المعاصي» . وفي بعضها : «قلّة
(الصفحة 216)
الخلاف على من صحبك ، وترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم» . وعن الصادق (عليه السلام) : «ليس من المروءة أن يحدّث الرجل بما يتّفق في السفر من خير أو شرّ» . وعنه (عليه السلام) : «وطّن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن خلقك ، وكفّ لسانك ، واكظم غيظك ، وأقلّ لغوك ، وتفرش عفوك ، وتسخو نفسك» .
الثالث عشر : استصحاب جميع ما يحتاج إليه من السلاح والآلات والأدوية ، كما في ذيل ما يأتي من وصايا لقمان لابنه، وليعمل بجميع ما في تلك الوصيّة .
الرابع عشر : إقامة رفقاء المريض لأجله ثلاثاً ، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «إذا كنتم في سفر ومرض أحدكم فأقيموا عليه ثلاثة أيّام» . وعن الصادق (عليه السلام) : «حقّ المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض ثلاثاً» .
الخامس عشر : رعاية حقوق دابّته ، فعن الصادق (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «للدابّة على صاحبها خصال : يبدأ بعلفها إذا نزل ، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به ، ولايضرب وجهها فإنّها تسبّح بحمد ربّها ، ولايقف على ظهرها إلاّ في سبيل الله ، ولايحملها فوق طاقتها ، ولايكلّفها من المشي إلاّ ما تطيق» . وفي آخر : «ولا تتورّكوا على الدوابّ ، ولا تتّخذوا ظهورها مجالس» . وفي آخر : «ولايضربها على النفار ، ويضربها على العثار ، فإنّها ترى ما لاترون» .
ويكره التعرّس على ظهر الطريق ، والنزول في بطون الأودية ، والإسراع في السير ، وجعل المنزلين منزلاً إلاّ في أرض جدبة ، وأن يطرق أهله ليلاً حتّى يعلمهم ، ويستحبّ إسراع عوده إليهم ، وأن يستصحب هديّة لهم إذا رجع إليهم ، وعن الصادق (عليه السلام) : «إذا سافر أحدكم فقدم من سفره فليأت أهله بما تيسّر ولو بحجر . . .» الخبر .
ويكره ركوب البحر في هيجانه ، وعن أبي جعفر (عليه السلام) : «إذا اضطرب بك البحر
(الصفحة 217)
فاتّكئ على جانبك الأيمن وقل : بسم الله اسكن بسكينة الله ، وقرّ بقرار الله، واهدأ بإذن الله، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله». ولينادي إذا ضلّ في طريق البرّ : «يا صالح أو يا أبا صالح أرشدونا إلى الطريق رحمكم الله» . وفي طريق البحر : «يا حمزة». وإذا بات في أرض قفر فليقل : {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضَ ـ إلى قوله : ـ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}» [الأعراف: 7 / 54] .
وينبغي للماشي أن ينسل في مشيه ; أي يسرع ، فعن الصادق (عليه السلام) : «سيروا وانسلوا فإنّه أخفّ عنكم» . وجاءت المشاة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)فشكوا إليه الإعياء ، فقال : «عليكم بالنَسَلان» ففعلوا فذهب عنهم الإعياء . وأن يقرأ سورة «القدر» لئلاّ يجد ألم المشي كما مرّ عن السجّاد (عليه السلام) ، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «زاد المسافر الحداء والشعر ما كان منه ليس فيه خناء» . وفي نسخة : «جفاء» وفي اُخرى «حنان». وليختر وقت النزول من بقاع الأرض أحسنها لوناً ، وألينها تربة ، وأكثرها عشباً .
هذه جملة ما على المسافر . وأمّا أهله ورفقته، فيستحبّ لهم تشييع المسافر وتوديعه وإعانته والدعاء له بالسهولة والسلامة ، وقضاء المآرب عند وداعه ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «من أعان مؤمناً مسافراً فرّج الله عنه ثلاثاً وسبعين كربة ، وأجاره في الدنيا والآخرة من الغمّ والهمّ ، ونفّس كربه العظيم يوم يغصّ الناس بأنفاسهم» ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا ودّع المؤمنين قال : «زوّدكم الله التقوى ، ووجّهكم إلى كلّ خير ، وقضى لكم كلّ حاجة، وسلّم لكم دينكم ودنياكم ، وردّكم سالمين إلى سالمين» . وفي آخر : «كان (صلى الله عليه وآله) إذا ودّع مسافراً أخذ بيده ثمّ قال : أحسن الله لك الصحابة ، وأكمل لك المعونة ، وسهّل لك الحزونة ، وقرّب لك البعيد ، وكفاك المهمّ ، وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، ووجّهك لكلّ خير ، عليك بتقوى الله ، استودع الله نفسك ، سر على بركة الله عزّ وجلّ» .
(الصفحة 218)
وينبغي أن يقرأ في اُذنه : {إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد} [القصص: 28 / 85] إن شاء الله ثمّ يؤذّن خلفه وليقم كما هو المشهور عملاً ، وينبغي رعاية حقّه في أهله وعياله وحسن الخلافة فيهم ، لاسيّما مسافر الحجّ ، فعن الباقر (عليه السلام) : «من خلف حاجّاً بخير كان له كأجره كأنّه يستلم الأحجار» . وأن يوقّر القادم من الحجّ ، فعن الباقر (عليه السلام) : «وقّروا الحاجّ والمعتمر ، فإنّ ذلك واجب عليكم» . وكان عليّ بن الحسين (عليهما السلام) يقول : «يا معشر من لم يحجّ استبشروا بالحاجّ وصافحوهم وعظّموهم ، فإنّ ذلك يجب عليكم، تشاركوهم في الأجر» . وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول للقادم من مكّة : «قبل الله منك ، وأخلف عليك نفقتك ، وغفر ذنبك» .
ولنتبرّك بختم المقام بخير خبر تكفّل مكارم أخلاق السفر بل والحضر ، فعن الصادق (عليه السلام)قال : «قال لقمان لابنه : يا بنيّ إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك واُمورهم، وأكثر التبسّم في وجوههم ، وكن كريماً على زادك ، وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم ، واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابّة أو ماء أو زاد ، وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثمّ لا تعزم حتّى تتثبّت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتّى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلّي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك ، فإنّ من لم يمحّض النصح لمن استشاره سلبه الله رأيه ، ونزع منه الأمانة .
وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، وإذا تصدّقوا وأعطوا قرضاً فأعط معهم ، واسمع لمن هو أكبر منك سنّاً ، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئاً فقل : نعم ، ولا تقل : لا ، فإنّ لا عيّ ولؤم ، وإذا تحيّرتم في الطريق فانزلوا ، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتؤامروا ، وإذا رأيتم شخصاً واحداً
(الصفحة 219)
فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه ، فإنّ الشخص الواحد في الفلاة مريب ، لعلّه يكون عين اللصوص ، أو يكون هو الشيطان الذي حيّركم ; واحذروا الشخصين أيضاً، إلاّ أن تروا ما لا أرى ، فإنّ العاقل إذا أبصر بعينه شيئاً عرف الحقّ منه ، والشاهد يرى ما لايرى الغائب .
يا بنيّ إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشيء ، صلّها واسترح منها فإنّها دين ، وصلّ في جماعة ولو على رأس زجّ ، ولا تنامنّ على دابّتك، فإنّ ذلك سريع في دبرها ، وليس ذلك من فعل الحكماء، إلاّ أن تكون في محمل يمكنك التمدّد لاسترخاء المفاصل ، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك وابدأ بعلفها قبل نفسك ، فإنّها نفسك ، وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لوناً ، وألينها تربة ، وأكثرها عشباً ، وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس ، وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض ، وإذا ارتحلت فصلّ ركعتين ، ثمّ ودّع الأرض التي حللت بها ، وسلّم عليها وعلى أهلها ، فإنّ لكلّ بقعة أهلاً من الملائكة ، فإن استطعت أن لا تأكل طعاماً حتّى تبدأ فتصدّق منه فافعل ، وعليك بقراءة كتاب الله ـ عزّوجلّ ـ ما دمت راكباً ، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملاً عملاً ، وعليك بالدعاء ما دمت خالياً ، وإيّاك والسير في أوّل الليل ، وسر في آخره ، وإيّاك ورفع الصوت في مسيرك ، يا بنيّ سافر بسيفك وخفّك وعمامتك وحبالك وسقائك وخيوطك ومخرزك ، وتزوّد معك من الأدوية ما تنتفع به أنت ومن معك ، وكن لأصحابك موافقاً إلاّ في معصية الله عزّوجلّ» .
هذا ما يتعلّق بكلّي السفر ، ويختصّ سفر الحجّ باُمور اُخر :
منها : اختيار المشي فيه على الركوب على الأرجح ، بل الحَفاء على الانتعال، إلاّ أن يضعّفه عن العبادة أو كان لمجرّد تقليل النفقة ، وعليهما يحمل ما يستظهر منها أفضليّة الركوب ، وروي : «ما تقرّب العبد إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ بشيء أحبّ إليه
|