(الصفحة 224)
على كلّ أحد في كلّ عام إذا كان متمكّناً بحيث لا تبقى مكّة خالية عن الحجّاج ، لجملة من الأخبار الدالّة على أنّه لايجوز تعطيل الكعبة عن الحجّ ، والأخبار الدالّة على أنّ على الإمام ـ كما في بعضها ـ وعلى الوالي ـ كما في آخر ـ أن يجبر الناس على الحجّ والمقام في مكّة وزيارة الرسول (صلى الله عليه وآله) ، والمقام عنده ، وأنّه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال .
[2980] مسألة 1 : لا خلاف في أنّ وجوب الحجّ بعد تحقّق الشرائط فوري ; بمعنى أنّه يجب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة ، فلا يجوز تأخيره عنه ، وإن تركه فيه ففي العام الثاني وهكذا ، ويدلّ عليه جملة من الأخبار ، فلو خالف وأخّر مع وجود الشرائط بلا عذر يكون عاصياً ، بل لا يبعد كونه كبيرة ، كما صرّح به جماعة ، ويمكن استفادته من جملة من الأخبار .
[2981] مسألة2 : لو توقّف إدراك الحجّ بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات من السفر وتهيئة أسبابه وجبت المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحجّ في تلك السنة ، ولو تعدّدت الرفقة وتمكّن من المسير مع كلّ منهم اختار أوثقهم سلامةً وإدراكاً ، ولو وجدت واحدة ولم يعلم حصول اُخرى أو لم يعلم التمكّن من المسير والإدراك للحجّ بالتأخير ، فهل يجب الخروج مع الاُولى ، أو يجوز التأخير إلى الاُخرى بمجرّد احتمال الادراك ، أو لايجوز إلاّ مع الوثوق؟ أقوال ، أقواها الأخير ، وعلى أيّ تقدير إذا لم يخرج مع الاُولى واتّفق عدم التمكّن من المسير ، أو عدم إدراك الحجّ بسبب التأخير ، استقرّ عليه الحجّ وإن لم يكن آثماً بالتأخير ; لأنّه كان متمكّناً من الخروج مع الاُولى ، إلاّ إذا تبيّن عدم إدراكه لو سار معهم أيضاً .
(الصفحة 225)
فصل
في شرائط وجوب حجّة الإسلام
وهي اُمور :
أحدها : الكمال بالبلوغ والعقل ، فلايجب على الصبي وإن كان مراهقاً ، ولا على المجنون وإن كان أدواريّاً ; إذا لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال ، ولو حجّ الصبي لم يجز عن حجّة الإسلام ، وإن قلنا بصحّة عباداته وشرعيّتها كما هو الأقوى، وكان واجداً لجميع الشرائط سوى البلوغ ، ففي خبر مسمع عن الصادق (عليه السلام) : «لو أنّ غلاماً حجّ عشر حجج ثمّ احتلم كان عليه فريضة الإسلام». وفي خبر إسحاق ابن عمّار، عن أبي الحسن (عليه السلام) عن ابن عشر سنين يحجّ ؟ قال (عليه السلام) : «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم ، وكذا الجارية عليها الحجّ إذا طمثت» .
[2982] مسألة 1 : يستحب للصبيّ المميّز أن يحجّ وإن لم يكن مجزياً عن حجّة الإسلام ، ولكن هل يتوقّف ذلك على إذن الوليّ أو لا ؟ المشهور ـ بل قيل : لا خلاف فيه ـ : أنّه مشروط بإذنه ; لاستتباعه المال في بعض الأحوال للهدي وللكفّارة ، ولأنّه عبادة متلقّاة من الشرع مخالف للأصل ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن ، وفيه : أنّه ليس تصرّفاً ماليّاً ، وإن كان ربما يستتبع المال ، وأنّ العمومات كافية في صحّته وشرعيّته مطلقاً ، فالأقوى عدم الاشتراط في صحّته وإن وجب الاستئذان في بعض الصور ، وأمّا البالغ فلايعتبر في حجّه المندوب إذن الأبوين إن لم يكن مستلزماً للسفر المشتمل على الخطر الموجب لأذيّتهما ، وأمّا في حجّه الواجب فلا إشكال .
[2983] مسألة 2 : يستحبّ للولي أن يحرم بالصبي الغير المميّز بلا خلاف ;
(الصفحة 226)
لجملة من الأخبار ، بل وكذا الصبيّة ، وإن استشكل فيها صاحب «المستند» . وكذا المجنون، وإن كان لا يخلو عن إشكال ; لعدم نصّ فيه بالخصوص فيستحقّ الثواب عليه ، والمراد بالإحرام به جعله محرماً ، لا أن يحرم عنه ، فيلبسه ثوبي الإحرام ويقول : «اللهمّ إنّي أحرمت هذا الصبي» الخ ، ويأمره بالتلبية ; بمعنى أن يلقّنه إيّاها ، وإن لم يكن قابلاً يلبّي عنه ، ويجنّبه عن كلّ ما يجب على المحرم الاجتناب عنه ، ويأمره بكلّ من أفعال الحجّ يتمكّن منه ، وينوب عنه في كلّ ما لايتمكّن ، ويطوف به ، ويسعى به بين الصفا والمروة ، ويقف به في عرفات ومنى ، ويأمره بالرمي، وإن لم يقدر يرمي عنه ، وهكذا يأمره بصلاة الطواف ، وإن لم يقدر يصلّي عنه ، ولابدّ من أن يكون طاهراً ومتوضّئاً ولو بصورة الوضوء، وإن لم يمكن فيتوضّأ هو عنه ، ويحلق رأسه ، وهكذا جميع الأعمال .
[2984] مسألة 3 : لايلزم كون الوليّ محرماً في الإحرام بالصبيّ ، بل يجوز له ذلك وإن كان محلاّ .
[2985] مسألة 4 : المشهور على أنّ المراد بالوليّ ـ في الإحرام بالصبيّ الغير المميّز ـ الوليّ الشرعي من الأب والجدّ والوصيّ لأحدهما، والحاكم وأمينه أو وكيل أحد المذكورين، لا مثل العمّ والخال ونحوهما والأجنبيّ . نعم ، ألحقوا بالمذكورين الاُمّ وإن لم تكن وليّاً شرعيّاً ; للنصّ الخاصّ فيها ، قالوا : لأنّ الحكم على خلاف القاعدة فاللازم الاقتصار على المذكورين، فلايترتّب أحكام الإحرام إذا كان المتصدّي غيرهم ، ولكن لايبعد كون المراد الأعمّ منهم وممّن يتولّى أمر الصبي ويتكفّله وإن لم يكن وليّاً شرعيّاً ; لقوله (عليه السلام) : «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ» الخ ، فإنّه يشمل غير الوليّ الشرعي أيضاً ، وأمّا في المميّز فاللازم إذن الوليّ الشرعي إن اعتبرنا في صحّة إحرامه الإذن .
[2986] مسألة 5 : النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الوليّ لا من مال الصبيّ ،
(الصفحة 227)
إلاّ إذا كان حفظه موقوفاً على السفر به ، أو يكون السفر مصلحة له .
[2987] مسألة 6 : الهدي على الوليّ ، وكذا كفّارة الصيد إذا صاد الصبي ، وأمّا الكفّارات الاُخر المختصّة بالعمد فهل هي أيضاً على الوليّ ، أو في مال الصبي ، أو لايجب الكفّارة في غير الصيد ; لأنّ عمد الصبي خطأ، والمفروض أنّ تلك الكفّارات لاتثبت في صورة الخطأ ؟ وجوه ، لايبعد قوّة الأخير ، إمّا لذلك ، وإمّا لانصراف أدلّتها عن الصبي ، لكن الأحوط تكفّل الولي ، بل لايترك هذا الاحتياط ، بل هو الأقوى ; لأنّ قوله (عليه السلام) : «عمد الصبي خطأ» مختصّ بالديات ، والانصراف ممنوع، وإلاّ فيلزم الالتزام به في الصيد أيضاً .
[2988] مسألة 7 : قد عرفت أنّه لو حجّ الصبي عشر مرّات لم يجزه عن حجّة الإسلام ، بل يجب عليه بعد البلوغ والاستطاعة ، لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ وأدرك المشعر ، فإنّه حينئذ يجزئ عن حجّة الإسلام ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه ، وكذا إذا حجّ المجنون ندباً ثمّ كمل قبل المشعر ، واستدلّوا على ذلك بوجوه :
أحدها : النصوص الواردة في العبد على ما سيأتي، بدعوى عدم خصوصيّة للعبد في ذلك ، بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال ، ثمّ حصوله قبل المشعر ، وفيه : أنّه قياس ، مع أنّ لازمه الالتزام به فيمن حجّ متسكّعاً ثمّ حصل له الاستطاعة قبل المشعر، ولا يقولون به .
الثاني : ما ورد من الأخبار من أنّ من لم يحرم من مكّة أحرم من حيث أمكنه ، فإنّه يستفاد منها أنّ الوقت صالح لإنشاء الإحرام ، فيلزم أن يكون صالحاً للانقلاب أو القلب بالأولى، وفيه ما لايخفى .
الثالث : الأخبار الدالّة على أنّ من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ ، وفيه : أنّ موردها من لم يحرم ، فلايشمل من أحرم سابقاً لغير حجّة الإسلام ، فالقول
(الصفحة 228)
بالإجزاء مشكل ، والأحوط الإعادة بعد ذلك إن كان مستطيعاً ، بل لايخلو عن قوّة ، وعلى القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد ; من أنّه هل يجب تجديد النيّة لحجّة الإسلام أو لا ؟ وأنّه هل يشترط في الإجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات أو لا ؟ وأنّه هل يجري في حجّ التمتّع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أو لا ؟ إلى غير ذلك .
[2989] مسألة 8 : إذا مشى الصبي إلى الحجّ فبلغ قبل أن يحرم من الميقات وكان مستطيعاً لا إشكال في أنّ حجّه حجّة الإسلام .
[2990] مسألة 9 : إذا حجّ باعتقاد أنّه غير بالغ ندباً ، فبان بعد الحجّ أنّه كان بالغاً ، فهل يجزئ عن حجّة الإسلام أو لا ؟ وجهان ، أوجههما الأوّل ، وكذا إذا حجّ الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة بنيّة الندب ثمّ ظهر كونه مستطيعاً حين الحجّ .
الثاني: من الشروط الحرّيّة ، فلايجب على المملوك وإن أذن له مولاه وكان مستطيعاً من حيث المال ، بناءً على ما هو الأقوى من القول بملكه ، أو بذل له مولاه الزاد والراحلة . نعم ، لو حجّ بإذن مولاه صحّ بلا إشكال ، ولكن لايجزئه عن حجّة الإسلام ، فلو اُعتق بعد ذلك أعاد ; للنصوص .
منها : خبر مسمع : «لو أنّ عبداً حجّ عشر حجج ثمّ أُعتق كانت عليه حجّة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلا» .
ومنها : «المملوك إذا حجّ وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق ، فإن أُعتق أعاد الحجّ» .
وما في خبر حكم بن حكيم : «أيّما عبد حجّ به مواليه فقد أدرك حجّة الإسلام» ، محمول على إدراك ثواب الحجّ ، أو على أنّه يجزئه عنها ما دام مملوكاً ; لخبر أبان : «العبد إذا حجّ فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق» ، فلا إشكال في المسألة . نعم ، لو حجّ بإذن مولاه ثمّ انعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجّة
|