(الصفحة 238)
وفائه بعد ذلك بسهولة ; لأنّه تحصيل للاستطاعة وهو غير واجب . نعم ، لو كان له مال غائب لايمكن صرفه في الحجّ فعلاً ، أو مال حاضر لا راغب في شرائه أو دين مؤجّل لايكون المديون باذلاً له قبل الأجل ، وأمكنه الاستقراض والصرف في الحجّ ثمّ وفاؤه بعد ذلك فالظاهر وجوبه ; لصدق الاستطاعة حينئذ عرفاً ، إلاّ إذا لم يكن واثقاً بوصول الغائب أو حصول الدين بعد ذلك، فحينئذ لايجب الاستقراض ; لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة .
[3014] مسألة 17 : إذا كان عنده ما يكفيه للحجّ وكان عليه دين ، ففي كونه مانعاً عن وجوب الحجّ مطلقاً ، سواء كان حالاّ مطالباً به أولا ، أو كونه مؤجّلاً ، أو عدم كونه مانعاً إلاّ مع الحلول والمطالبة ، أو كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة ، أو كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل وسعة الأجل للحجّ والعود أقوال ، والأقوى كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل والوثوق بالتمكّن من أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحجّ ، وذلك لعدم صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة ، وهي المناط في الوجوب ، لا مجرّد كونه مالكاً للمال. وجواز التصرّف فيه بأيّ وجه أراد ، وعدم المطالبة في صورة الحلول أو الرضا بالتأخير لاينفع في صدق الاستطاعة .
نعم ، لايبعد الصدق إذا كان واثقاً بالتمكّن من الأداء مع فعليّة الرضا بالتأخير من الدائن ، والأخبار الدالّة على جواز الحجّ لمن عليه دين لا تنفع في الوجوب وفي كونه حجّة الإسلام . وأمّا صحيح معاوية بن عمّار ، عن الصادق (عليه السلام) عن رجل عليه دين أعليه أن يحجّ ؟ قال : «نعم ، إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين» . وخبر عبدالرحمن، عنه (عليه السلام) أنّه قال : «الحجّ واجب على الرجل وإن كان عليه دين» فمحمولان على الصورة التي ذكرنا ، أو على من استقرّ عليه الحجّ سابقاً، وإن كان لايخلو عن إشكال كما سيظهر ، فالأولى الحمل الأوّل .
وأمّا ما يظهر من صاحب «المستند» من أنّ كلاّ من أداء الدين والحجّ واجب ،
(الصفحة 239)
فاللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة ، أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب والعود ، وتقديم الحجّ في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير ، أو التأجيل مع سعة الأجل للحجّ والعود ، ولو مع عدم الوثوق بالتمكّن من أداء الدين بعد ذلك، حيث لايجب المبادرة إلى الأداء فيهما، فيبقى وجوب الحجّ بلا مزاحم ، ففيه : أنّه لا وجه للتخيير في الصورتين الاُوليين ، ولا لتعيين تقديم الحجّ في الأخيرتين بعد كون الوجوب ـ تخييراً أو تعييناً ـ مشروطاً بالاستطاعة الغير الصادقة في المقام ، خصوصاً مع المطالبة وعدم الرضا بالتأخير ، مع أنّ التخيير فرع كون الواجبين مطلقين وفي عرض واحد، والمفروض أنّ وجوب أداء الدين مطلق بخلاف وجوب الحجّ، فإنّه مشروط بالاستطاعة الشرعيّة .
نعم ، لو استقرّ عليه وجوب الحجّ سابقاً فالظاهر التخيير ; لأنّهما حينئذ في عرض واحد، وإن كان يحتمل تقديم الدين إذا كان حالاّ مع المطالبة أو مع عدم الرضا بالتأخير; لأهمّيّة حقّ الناس من حقّ الله ، لكنّه ممنوع، ولذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزّع المال عليهما ، ولايقدّم دين الناس ، ويحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب ، لكنّه أيضاً لا وجه له كما لايخفى .
[3015] مسألة 18 : لا فرق في كون الدين مانعاً من وجوب الحجّ بين أن يكون سابقاً على حصول المال بقدر الاستطاعة أولا ، كما إذا استطاع للحجّ ثمّ عرض عليه دين; بأن أتلف مال الغير مثلا على وجه الضمان من دون تعمّد قبل خروج الرفقة ، أو بعده قبل أن يخرج هو ، أو بعد خروجه قبل الشروع في الأعمال، فحاله حال تلف المال من دون دين ، فإنّه يكشف عن عدم كونه مستطيعاً .
[3016] مسألة 19 : إذا كان عليه خمس أو زكاة وكان عنده مقدار ما يكفيه للحجّ لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة ; لأنّ المستحقّين لهما مطالبون، فيجب صرفه فيهما ولايكون مستطيعاً ، وإن كان الحجّ مستقرّاً عليه سابقاً تجيء الوجوه
(الصفحة 240)
المذكورة من التخيير ، أو تقديم حقّ الناس ، أو تقديم الأسبق . هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمّته ، وأمّا إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحجّ ; سواء كان مستقراً عليه أو لا ، كما أنّهما يقدّمان على ديون الناس أيضاً ، ولو حصلت الاستطاعة والدين والخمس والزكاة معاً فكما لو سبق الدين .
[3017] مسألة 20 : إذا كان عليه دين مؤجّل بأجل طويل جدّاً ، كما بعد خمسين سنة فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة ، وكذا إذا كان الديّان مسامحاً في أصله ، كما في مهور نساء أهل الهند ، فإنّهم يجعلون المهر ما لايقدر الزوج على أدائه ـ كمائة ألف روبية ، أو خمسين ألف ـ لإظهار الجلالة وليسوا مقيّدين بالإعطاء والأخذ ، فمثل ذلك لايمنع من الاستطاعة ووجوب الحجّ ، وكالدين ممّن بناؤه على الإبراء إذا لم يتمكّن المديون من الأداء ، أو واعده بالإبراء بعد ذلك .
[3018] مسألة 21 : إذا شكّ في مقدار ماله وأنّه وصل إلى حدّ الاستطاعة أو لا ، هل يجب عليه الفحص أم لا ؟ وجهان ; أحوطهما ذلك ، وكذا إذا علم مقداره وشكّ في مقدار مصرف الحجّ وأنّه يكفيه أو لا .
[3019] مسألة 22 : لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب والإياب، وكان له مال غائب لو كان باقياً يكفيه في رواج أمره بعد العود ، لكن لايعلم بقاءه أو عدم بقائه ، فالظاهر وجوب الحجّ بهذا الذي بيده استصحاباً لبقاء الغائب ، فهو كما لو شكّ في أنّ أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أو لا ، فلايعدّ من الأصل المثبت .
[3020] مسألة 23 : إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحجّ يجوز له قبل أن يتمكّن من المسير أن يتصرّف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة ، وأمّا بعد التمكّن منه فلايجوز، وإن كان قبل خروج الرفقة ، ولو تصرّف بما يخرجه عنها بقيت ذمّته مشغولة به ، والظاهر صحّة التصرّف مثل الهبة والعتق وإن كان فعل حراماً ; لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج . نعم ، لو كان قصده في ذلك التصرّف الفرار من الحجّ
(الصفحة 241)
لا لغرض شرعي أمكن أن يقال بعدم الصحّة ، والظاهر أنّ المناط في عدم جواز التصرّف المخرج هو التمكّن في تلك السنة ، فلو لم يتمكّن فيها ولكن يتمكّن في السنة الاُخرى لم يمنع عن جواز التصرّف ، فلايجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة ، فليس حاله حال من يكون بلده بعيداً عن مكّة بمسافة سنتين .
[3021] مسألة 24 : إذا كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو منضمّاً إلى ماله الحاضر ، وتمكّن من التصرّف في ذلك المال الغائب يكون مستطيعاً ويجب عليه الحجّ ، وإن لم يكن متمكّناً من التصرّف فيه ولو بتوكيل من يبيعه هناك فلايكون مستطيعاً إلاّ بعد التمكّن منه أو الوصول في يده. وعلى هذا فلو تلف في الصورة الاُولى بقي وجوب الحجّ مستقرّاً عليه إن كان التمكّن في حال تحقّق سائر الشرائط ، ولو تلف في الصورة الثانية لم يستقرّ ، وكذا إذا مات مورّثه وهو في بلد آخر وتمكّن من التصرّف في حصّته أو لم يتمكّن ، فإنّه على الأوّل يكون مستطيعاً بخلافه على الثاني .
[3022] مسألة 25 : إذا وصل ماله إلى حدّ الاستطاعة لكنّه كان جاهلاً به أو كان غافلاً عن وجوب الحجّ عليه ، ثمّ تذكّر بعد أن تلف ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين وجوده ، والجهل والغفلة لايمنعان عن الاستطاعة . غاية الأمر أنّه معذور في ترك ما وجب عليه ، وحينئذ فإذا مات قبل التلف أو بعده وجب الاستئجار عنه إن كانت له تركة بمقداره ، وكذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره بهبة أو صلح ثمّ علم بعد ذلك أنّه كان بقدر الاستطاعة . فلا وجه لما ذكره المحقّق القمّي في أجوبة مسائله من عدم الوجوب ; لأنّه لجهله لم يصر مورداً ، وبعد النقل والتذكّر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقرّ عليه ; لأنّ عدم التمكّن من جهة الجهل والغفلة لاينافي الوجوب الواقعي، والقدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي ، وهي موجودة ، والعلم شرط في التنجّز لا في
(الصفحة 242)
أصل التكليف .
[3023] مسألة 26 : إذا اعتقد أنّه غير مستطيع فحجّ ندباً ، فإن قصد امتثال الأمر المتعلّق به فعلاً وتخيّل أنّه الأمر الندبي أجزأ عن حجّة الإسلام ; لأنّه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق ، وإن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجزئ عنها وإن كان حجّه صحيحاً ، وكذا الحال إذا علم باستطاعته ثمّ غفل عن ذلك . وأمّا لو علم بذلك وتخيّل عدم فوريّتها فقصد الأمر الندبيّ فلايجزئ ; لأنّه يرجع إلى التقييد .
[3024] مسألة 27 : هل تكفي في الاستطاعة الملكيّة المتزلزلة للزاد والراحلة وغيرهما ، كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحجّ بشرط الخيار له إلى مدّة معيّنة ، أو باعه محاباة كذلك؟ وجهان ، أقواهما العدم ; لأنّها في معرض الزوال إلاّ إذا كان واثقاً بأنّه لايفسخ ، وكذا لو وهبه وأقبضه إذا لم يكن رحماً ، فإنّه ما دامت العين موجودة له الرجوع ، ويمكن أن يقال بالوجوب هنا ، حيث إنّ له التصرّف في الموهوب فتلزم الهبة .
[3025] مسألة 28 : يشترط في وجوب الحجّ بعد حصول الزاد والراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال ، فلو تلف بعد ذلك ولو في أثناء الطريق كشف عن عدم الاستطاعة ، وكذا لو حصل عليه دين قهراً عليه ، كما إذا أتلف مال غيره خطأً . وأمّا لو أتلفه عمداً فالظاهر كونه كإتلاف الزاد والراحلة عمداً في عدم زوال استقرار الحجّ .
[3026] مسألة 29 : إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤنة عوده إلى وطنه، أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناءً على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة ، فهل يكفيه عن حجّة الإسلام أو لا ؟ وجهان ، لايبعد الإجزاء ، ويقرّبه ما ورد من أنّ من مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ، بل يمكن أن يقال بذلك إذا تلف في أثناء الحجّ أيضاً .
|