(الصفحة 248)
ولكن لاينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره ، كما إذا كان من عادته إجارة نفسه للأسفار .
[3052] مسألة 55 : يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير ، وإن حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدّم الحجّ النيابي ، فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه ، وإلاّ فلا .
[3053] مسألة 56 : إذا حجّ لنفسه أو عن غيره تبرّعاً أو بالإجارة مع عدم كونه مستطيعاً لايكفيه عن حجّة الإسلام ، فيجب عليه الحجّ إذا استطاع بعد ذلك ، وما في بعض الأخبار من إجزائه عنها محمول على الإجزاء ما دام فقيراً ، كما صرّح به في بعضها الآخر، فالمستفاد منها أنّ حجّة الإسلام مستحبّة على غير المستطيع ، وواجبة على المستطيع ، ويتحقّق الأوّل بأيّ وجه أتى به ، ولو عن الغير تبرّعاً أو بالإجارة ، ولايتحقّق الثاني إلاّ مع حصول شرائط الوجوب .
[3054] مسألة 57 : يشترط في الاستطاعة مضافاً إلى مؤنة الذهاب والإياب وجود ما يموّن به عياله حتّى يرجع ، فمع عدمه لايكون مستطيعاً ، والمراد بهم من يلزمه نفقته لزوماً عرفيّاً، وإن لم يكن ممّن يجب عليه نفقته شرعاً على الأقوى ، فإذا كان له أخ صغير أو كبير فقير لايقدر على التكسّب وهو ملتزم بالإنفاق عليه، أو كان متكفّلاً لإنفاق يتيم في حجره ولو أجنبيّ يعدّ عيالاً له ، فالمدار على العيال العرفي .
[3055] مسألة 58 : الأقوى وفاقاً لأكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية ; من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له ; من بستان أو دكّان أو نحو ذلك ، بحيث لايحتاج إلى التكفّف ، ولايقع في الشدّة والحرج ، ويكفي كونه قادراً على التكسّب اللائق به أو التجارة باعتباره ووجاهته، وإن لم يكن له رأس مال يتّجر به . نعم، قد مرّ عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذليّة ، ولايبعد عدم اعتباره أيضاً فيمن يمضي
(الصفحة 249)
أمره بالوجوه اللائقة به، كطلبة العلم من السادة وغيرهم ، فإذا حصل لهم مقدار مؤنة الذهاب والإياب ومؤنة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم ، بل وكذا الفقير الذي عادته وشغله أخذ الوجوه ولايقدر على التكسّب إذا حصل له مقدار مؤنة الذهاب والإياب له ولعياله ، وكذا كلّ من لايتفاوت حاله قبل الحجّ وبعده إذا صرف ما حصل له من مقدار مؤنة الذهاب والإياب من دون حرج عليه .
[3056] مسألة 59 : لايجوز للولد أن يأخذ من مال والده ويحجّ به ، كما لايجب على الوالد أن يبذل له ، وكذا لايجب على الولد بذل المال لوالده ليحجّ به ، وكذا لايجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحجّ ، والقول بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف ، وإن كان يدلّ عليه صحيح سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يحجّ من مال ابنه وهو صغير؟ قال : «نعم يحجّ منه حجّة الإسلام» . قال : وينفق منه؟ قال : «نعم» . ثمّ قال : «إنّ مال الولد لوالده ، إنّ رجلاً اختصم هو ووالده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقضى أنّ المال والولد للوالد» . وذلك لإعراض الأصحاب عنه ، مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله مع استطاعته من مال نفسه ، أو على ما إذا كان فقيراً وكانت نفقته على ولده ولم يكن نفقة السفر إلى الحجّ أزيد من نفقته في الحضر ; إذ الظاهر الوجوب حينئذ .
[3057] مسألة 60 : إذا حصلت الاستطاعة لايجب أن يحجّ من ماله ، فلو حجّ في نفقة غيره لنفسه أجزأه ، وكذا لو حجّ متسكّعاً ، بل لو حجّ من مال الغير غصباً صحّ وأجزأه . نعم ، إذا كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه من المغصوب لم يصحّ ، وكذا إذا كان ثمن هديه غصباً .
[3058] مسألة 61 : يشترط في وجوب الحجّ الاستطاعة البدنيّة ، فلو كان مريضاً لايقدر على الركوب ، أو كان حرجاً عليه ولو على المحمل أو الكنيسة لم يجب ، وكذا لو تمكّن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مؤنته ، وكذا لو احتاج إلى خادم
(الصفحة 250)
ولم يكن عنده مؤنته .
[3059] مسألة 62 : ويشترط أيضاً الاستطاعة الزمانيّة ، فلو كان الوقت ضيّقاً لايمكنه الوصول إلى الحجّ أو أمكن لكن بمشقّة شديدة لم يجب ، وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب، وإلاّ فلا .
[3060] مسألة 63 : ويشترط أيضاً الاستطاعة السربيّة ; بأن لايكون في الطريق مانع لايمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال، وإلاّ لم يجب ، وكذا لو كان غير مأمون ; بأن يخاف على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله ، وكان الطريق منحصراً فيه أو كان جميع الطرق كذلك ، ولو كان هناك طريقان أحدهما أقرب لكنّه غير مأمون وجب الذهاب من الأبعد المأمون ، ولو كان جميع الطرق مخوفاً إلاّ أنّه يمكنه الوصول إلى الحجّ بالدوران في البلاد ; مثل ما إذا كان من أهل العراق ولايمكنه إلاّ أن يمشي إلى كرمان ، ومنه إلى خراسان ، ومنه إلى بخارا ، ومنه إلى الهند ، ومنه إلى بوشهر ، ومنه إلى جدّة مثلا ، ومنه إلى المدينة ، ومنها إلى مكّة ، فهل يجب أو لا ؟ وجهان ، أقواهما عدم الوجوب ; لأنّه يصدق عليه أنّه لايكون مخلّى السرب .
[3061] مسألة 64 : إذا استلزم الذهاب إلى الحجّ تلف مال له في بلده معتدّ به لم يجب ، وكذا إذا كان هناك مانع شرعيّ من استلزامه ترك واجب فوريّ سابق على حصول الاستطاعة، أو لاحق مع كونه أهمّ من الحجّ كإنقاذ غريق أو حريق ، وكذا إذا توقّف على ارتكاب محرّم ، كما إذا توقّف على ركوب دابّة غصبيّة أو المشي في الأرض المغصوبة .
[3062] مسألة 65 : قد علم ممّا مرّ أنّه يشترط في وجوب الحجّ ـ مضافاً إلى البلوغ والعقل والحرّيّة ـ الاستطاعة الماليّة والبدنيّة والزمانيّة والسربيّة ، وعدم استلزامه الضرر ، أو ترك واجب ، أو فعل حرام ومع فقد أحد هذه لايجب . فبقي
(الصفحة 251)
الكلام في أمرين :
أحدهما : إذا اعتقد تحقّق جميع هذه مع فقد بعضها واقعاً، أو اعتقد فقد بعضها وكان متحقّقاً، فنقول : إذا اعتقد كونه بالغاً أو حرّاً مع تحقّق سائر الشرائط فحجّ ثمّ بان أنّه كان صغيراً أو عبداً ، فالظاهر بل المقطوع عدم إجزائه عن حجّة الإسلام . وإن اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً مع تحقّق سائر الشرائط وأتى به أجزأه عن حجّة الإسلام كما مرّ سابقاً ، وإن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجّة فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه ، فإن فقد بعض الشرائط بعد ذلك ، كما إذا تلف ماله وجب عليه الحجّ ولو متسكّعاً . وإن اعتقد كونه مستطيعاً مالاً وأنّ ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحجّ ، ففي إجزائه عن حجّة الإسلام وعدمه وجهان ; من فقد الشرط واقعاً ، ومن أنّ القدر المسلّم من عدم إجزاء حجّ غير المستطيع عن حجّة الإسلام غير هذه الصورة .
وإن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال، وكان في الواقع كافياً وترك الحجّ فالظاهر الاستقرار عليه . وإن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحجّ فبان الخلاف فالظاهر كفايته . وإن اعتقد المانع من العدوّ أو الضرر أو الحرج فترك الحجّ فبان الخلاف ، فهل يستقرّ عليه الحجّ أو لا ؟ وجهان ، والأقوى عدمه ; لأنّ المناط في الضرر الخوف وهو حاصل، إلاّ إذا كان اعتقاده على خلاف رويّة العقلاء وبدون الفحص والتفتيش . وإن اعتقد عدم مانع شرعي فحجّ فالظاهر الإجزاء إذا بان الخلاف . وإن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف فالظاهر الاستقرار .
ثانيهما : إذا ترك الحجّ مع تحقّق الشرائط متعمّداً ، أو حجّ مع فقد بعضها كذلك ، أمّا الأوّل فلا إشكال في استقرار الحجّ عليه مع بقائها إلى ذي الحجّة ، وأمّا الثاني فإن حجّ مع عدم البلوغ أو عدم الحرّيّة فلا إشكال في عدم إجزائه ، إلاّ إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين على إشكال في البلوغ قد مرّ . وإن حجّ مع عدم
(الصفحة 252)
الاستطاعة الماليّة فظاهرهم مسلّمية عدم الإجزاء، ولا دليل عليه إلاّ الإجماع ، وإلاّ فالظاهر أنّ حجّة الإسلام هو الحجّ الأوّل ، وإذا أتى به كفى ولو كان ندباً ، كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر مستحبّاً ـ بناءً على شرعيّة عباداته ـ فبلغ في أثناء الوقت ، فإنّ الأقوى عدم وجوب إعادتها ، ودعوى أنّ المستحبّ لايجزئ عن الواجب ، ممنوعة بعد اتّحاد ماهيّة الواجب والمستحبّ . نعم ، لو ثبت تعدّد ماهيّة حجّ المتسكّع والمستطيع تمّ ما ذكر ، لا لعدم إجزاء المستحبّ عن الواجب ، بل لتعدّد الماهيّة ، وإن حجّ مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحّة البدن مع كونه حرجاً عليه ، أو مع ضيق الوقت كذلك ، فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب .
وعن «الدروس» الإجزاء إلاّ إذا كان إلى حدّ الإضرار بالنفس وقارن بعض المناسك ، فيحتمل عدم الإجزاء ، ففرق بين حجّ المتسكّع وحجّ هؤلاء ، وعلّل الإجزاء بأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط فإنّه لايجب ، لكن إذا حصّله وجب ، وفيه : أنّ مجرّد البناء على ذلك لايكفي في حصول الشرط ، مع أنّ غاية الأمر حصول المقدّمة التي هو المشي إلى مكّة ومنى وعرفات ، ومن المعلوم أنّ مجرّد هذا لايوجب حصول الشرط الذي هو عدم الضرر ، أو عدم الحرج . نعم ، لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط، ولم يكونا حين الشروع في الأعمال تمّ ما ذكره ، ولا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة .
هذا ، ومع ذلك فالأقوى ما ذكره في «الدروس» لا لما ذكره ، بل لأنّ الضرر والحرج إذا لم يصلا إلى حدّ الحرمة إنّما يرفعان الوجوب والإلزام لا أصل الطلب ، فإذا تحمّلهما وأتى بالمأمور به كفى .
[3063] مسألة 66 : إذا حجّ مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرّم لم يجزه عن حجّة الإسلام ، وإن اجتمع سائر الشرائط ، لا لأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه; لمنعه أوّلاً ، ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانياً ; لأنّ النهي متعلّق بأمر
|