(الصفحة 252)
الاستطاعة الماليّة فظاهرهم مسلّمية عدم الإجزاء، ولا دليل عليه إلاّ الإجماع ، وإلاّ فالظاهر أنّ حجّة الإسلام هو الحجّ الأوّل ، وإذا أتى به كفى ولو كان ندباً ، كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر مستحبّاً ـ بناءً على شرعيّة عباداته ـ فبلغ في أثناء الوقت ، فإنّ الأقوى عدم وجوب إعادتها ، ودعوى أنّ المستحبّ لايجزئ عن الواجب ، ممنوعة بعد اتّحاد ماهيّة الواجب والمستحبّ . نعم ، لو ثبت تعدّد ماهيّة حجّ المتسكّع والمستطيع تمّ ما ذكر ، لا لعدم إجزاء المستحبّ عن الواجب ، بل لتعدّد الماهيّة ، وإن حجّ مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحّة البدن مع كونه حرجاً عليه ، أو مع ضيق الوقت كذلك ، فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب .
وعن «الدروس» الإجزاء إلاّ إذا كان إلى حدّ الإضرار بالنفس وقارن بعض المناسك ، فيحتمل عدم الإجزاء ، ففرق بين حجّ المتسكّع وحجّ هؤلاء ، وعلّل الإجزاء بأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط فإنّه لايجب ، لكن إذا حصّله وجب ، وفيه : أنّ مجرّد البناء على ذلك لايكفي في حصول الشرط ، مع أنّ غاية الأمر حصول المقدّمة التي هو المشي إلى مكّة ومنى وعرفات ، ومن المعلوم أنّ مجرّد هذا لايوجب حصول الشرط الذي هو عدم الضرر ، أو عدم الحرج . نعم ، لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط، ولم يكونا حين الشروع في الأعمال تمّ ما ذكره ، ولا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة .
هذا ، ومع ذلك فالأقوى ما ذكره في «الدروس» لا لما ذكره ، بل لأنّ الضرر والحرج إذا لم يصلا إلى حدّ الحرمة إنّما يرفعان الوجوب والإلزام لا أصل الطلب ، فإذا تحمّلهما وأتى بالمأمور به كفى .
[3063] مسألة 66 : إذا حجّ مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرّم لم يجزه عن حجّة الإسلام ، وإن اجتمع سائر الشرائط ، لا لأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه; لمنعه أوّلاً ، ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانياً ; لأنّ النهي متعلّق بأمر
(الصفحة 253)
خارج ، بل لأنّ الأمر مشروط بعدم المانع، ووجوب ذلك الواجب مانع ، وكذلك النهي المتعلّق بذلك المحرّم مانع ومعه لا أمر بالحجّ . نعم ، لو كان الحجّ مستقرّاً عليه وتوقّف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة ، وأمكن أن يقال بالإجزاء ; لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه ، ومنع كون النهي المتعلّق بأمر خارج موجباً للبطلان .
[3064] مسألة 67 : إذا كان في الطريق عدوّ لايندفع إلاّ بالمال ، فهل يجب بذله ويجب الحجّ أو لا ؟ أقوال ، ثالثها : الفرق بين المضرّ بحاله وعدمه ، فيجب في الثاني دون الأوّل .
[3065] مسألة 68 : لو توقّف الحجّ على قتال العدوّ لم يجب حتّى مع ظنّ الغلبة عليه والسلامة ، وقد يقال بالوجوب في هذه الصورة .
[3066] مسألة 69 : لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلاّ مع خوف الغرق أو المرض خوفاً عقلائيّاً ، أو استلزامه الإخلال بصلاته ، أو إيجابه لأكل النجس أو شربه ، ولو حجّ مع هذا صحّ حجّه ; لأنّ ذلك في المقدّمة ، وهي المشي إلى الميقات ، كما إذا ركب دابّة غصبيّة إلى الميقات .
[3067] مسألة 70 : إذا استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها ، ولايجوز له المشي إلى الحجّ قبلها ، ولو تركها عصى ، وأمّا حجّه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمّته لا في عين ماله ، وكذا إذا كانت في عين ماله ولكن كان ما يصرفه في مؤنته من المال الذي لايكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما ، أو كان ممّا تعلّق به الحقوق ولكن كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه وثمن هديه من المال الذي ليس فيه حقّ ، بل وكذا إذا كانا ممّا تعلّق به الحقّ من الخمس والزكاة إلاّ أنّه بقي عنده مقدار ما فيه منهما ; بناءً على ما هو الأقوى من كونهما في العين على نحو الكلّي في المعيّن لا على وجه الإشاعة .
(الصفحة 254)
[3068] مسألة 71 : يجب على المستطيع الحجّ مباشرة ، فلا يكفيه حجّ غيره عنه تبرّعاً أو بالإجارة إذا كان متمكّناً من المباشرة بنفسه .
[3069] مسألة 72 : إذا استقرّ الحجّ عليه ولم يتمكّن من المباشرة لمرض لم يرج زواله ، أو حصر كذلك ، أو هرم بحيث لايقدر ، أو كان حرجاً عليه ، فالمشهور وجوب الاستنابة عليه ، بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه وهو الأقوى ، وإن كان ربما يقال بعدم الوجوب ، وذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب . وأمّا إن كان موسراً من حيث المال ولم يتمكّن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة وعدمه قولان ، لايخلو أوّلهما عن قوّة ; لإطلاق الأخبار المشار إليها ، وهي وإن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال وعدمه لكن المنساق من بعضها ذلك ، مضافاً إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال ، والظاهر فوريّة الوجوب كما في صورة المباشرة ، ومع بقاء العذر إلى أن مات يجزئه حجّ النائب ، فلايجب القضاء عنه وإن كان مستقرّاً عليه.
وإن اتّفق ارتفاع العذر بعد ذلك فالمشهور أنّه يجب عليه مباشرة وإن كان بعد إتيان النائب ، بل ربّما يدّعى عدم الخلاف فيه ، لكن الأقوى عدم الوجوب ; لأنّ ظاهر الأخبار أنّ حجّ النائب هو الذي كان واجباً على المنوب عنه ، فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجباً عليه ، ولا دليل على وجوبه مرّة اُخرى ، بل لو قلنا باستحباب الاستنابة فالظاهر كفاية فعل النائب بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه ، ومعه لا وجه لدعوى أنّ المستحبّ لايجزئ عن الواجب ، إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحبّ نفس ما كان واجباً ، والمفروض في المقام أنّه هو ، بل يمكن أن يقال : إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب ـ بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب ـ إنّه يجب عليه الإتمام ويكفي عن المنوب عنه ، بل يحتمل ذلك وإن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام .
(الصفحة 255)
ودعوى أنّ جواز النيابة ما دامي كما ترى ، بعد كون الاستنابة بأمر الشارع ، وكون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها ، خصوصاً إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك ، ولا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض وغيره ، وبين من كان معذوراً خلقة ، والقول بعدم الوجوب في الثاني وإن قلنا بوجوبه في الأوّل ضعيف ، وهل يختصّ الحكم بحجّة الإسلام، أو يجري في الحجّ النذري والإفسادي أيضاً؟ قولان ، والقدر المتيقّن هو الأوّل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة . وإن لم يتمكّن المعذور من الاستنابة ولو لعدم وجود النائب ، أو وجوده مع عدم رضاه إلاّ بأزيد من اُجرة المثل ولم يتمكّن من الزيادة ، أو كانت مجحفة سقط الوجوب ، وحينئذ فيجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقرّاً عليه ، ولايجب مع عدم الاستقرار ، ولو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناءً على الوجوب ، ووجب القضاء عنه مع الاستقرار ، وهل يجب مع عدم الاستقرار أيضاً أو لا ؟ وجهان ، أقواهما نعم ، لأنّه استقرّ عليه بعد التمكّن من الاستنابة .
ولو استناب مع كون العذر مرجوّ الزوال لم يجز عن حجّة الإسلام، فيجب عليه بعد زوال العذر ، ولو استناب مع رجاء الزوال وحصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية ، وعن صاحب «المدارك» عدمها ووجوب الإعادة ; لعدم الوجوب مع عدم اليأس، فلايجزئ عن الواجب ، وهو كما ترى ، والظاهر كفاية حجّ المتبرّع عنه في صورة وجوب الاستنابة ، وهل يكفي الاستنابة من الميقات كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ وجهان ، لايبعد الجواز حتّى إذا أمكن ذلك في مكّة مع كون الواجب عليه هو التمتّع ، ولكن الأحوط خلافه ; لأنّ القدر المتيقّن من الأخبار الاستنابة من مكانه ، كما أنّ الأحوط عدم كفاية التبرّع عنه لذلك أيضاً .
[3070] مسألة 73 : إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق، فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ، فلايجب القضاء عنه ، وإن مات
(الصفحة 256)
قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى ، خلافاً لما عن الشيخ وابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضاً ، ولا دليل لهما على ذلك إلاّ إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي ، حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم : «وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجّة الإسلام» ، فإنّ مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم ، لكنّه معارض بمفهوم صدرها ، وبصحيح ضريس وصحيح زرارة ومرسل «المقنعة» ، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله : «قبل أن يحرم» قبل أن يدخل في الحرم ، كما يقال : «أنجد» أي دخل في نجد ، و«أيمن» أي دخل اليمن ، فلاينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام ، كما لايكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام ، كما إذا نسيه في الميقات ودخل الحرم ثمّ مات ; لأنّ المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام ، ولايعتبر دخول مكّة وإن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك ; لإطلاق البقيّة في كفاية دخول الحرم .
والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال ، كما إذا مات بين الإحرامين ، وقد يقال بعدم الفرق أيضاً بين كون الموت في الحلّ أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام ودخول الحرم ، وهو مشكل ; لظهور الأخبار في الموت في الحرم ، والظاهر عدم الفرق بين حجّ التمتّع والقران والإفراد ، كما أنّ الظاهر أنّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّه أيضاً ، بل لايبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حجّ القران أوالإفرادعن عمرتهماوبالعكس، لكنّه مشكل; لأنّ الحجّ والعمرة فيهما عملان مستقلاّن بخلاف حجّ التمتّع ، فإنّ العمرة فيه داخلة في الحجّ ، فهما عمل واحد.
ثمّ الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجّة الإسلام، فلايجري الحكم في حجّ النذر والإفساد إذا مات في الأثناء ، بل لايجري في العمرة المفردة أيضاً ، وإن احتمله بعضهم .
|