(الصفحة 258)
ودعوى أنّه لايعقل الوجوب عليه ، إذ لايصحّ منه إذا أتى به وهو كافر، ويسقط عنه إذا أسلم ، مدفوعة بأنّه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمراً تهكّمياً ليعاقب لا حقيقيّاً ، لكنّه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به لا كافراً ولا مسلماً ، والأظهر أن يقال : إنّه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعاً وإن تركه فمتسكّعاً وهو ممكن في حقّه; لإمكان إسلامه وإتيانه مع الاستطاعة ولا معها إن ترك ، فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال ، ومأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها .
وكذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت، فيقال : إنّه في الوقت مكلّف بالأداء ، ومع تركه بالقضاء وهو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداءً ، ومع تركها قضاءً ، فتوجّه الأمر بالقضاء إليه إنّما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلّق .
فحاصل الإشكال أنّه إذا لم يصحّ الإتيان به حال الكفر ولايجب عليه إذا أسلم، فكيف يكون مكلّفاً بالقضاء ويعاقب على تركه؟ وحاصل الجواب أنّه يكون مكلّفاً بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلّق . ومع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء والقضاء ، فيستحقّ العقاب عليه ، وبعبارة اُخرى كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء ، وحينئذ فإذا ترك الإسلام ومات كافراً يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء ، وإذا أسلم يغفر له ، وإن خالف أيضاً واستحقّ العقاب .
[3072] مسألة 75 : لو أحرم الكافر ثمّ أسلم في الأثناء لم يكفه ، ووجب عليه الإعادة من الميقات ، ولو لم يتمكّن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه ، ولايكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلماً ; لأنّ إحرامه باطل .
[3073] مسألة 76 : المرتدّ يجب عليه الحجّ ، سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده ، ولا يصحّ منه ، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه ،
(الصفحة 259)
ولايقضى عنه على الأقوى ; لعدم أهليّته للإكرام وتفريغ ذمّته ، كالكافر الأصلي ، وإن تاب وجب عليه وصحّ منه وإن كان فطريّاً على الأقوى من قبول توبته ; سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته ، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام ; لأنّها مختصّة بالكافر الأصلي بحكم التبادر ، ولو أحرم في حال ردّته ثمّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي ، ولو حجّ في حال إحرامه (إسلامه ظ) ثمّ ارتدّ لم يجب عليه الإعادة على الأقوى ، ففي خبر زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) : «من كان مؤمناً فحجّ ثمّ أصابته فتنة ثمّ تاب يحسب له كلّ عمل صالح عمله، ولايبطل منه شيء». وآية الحبط مختصّة بمن مات على كفره بقرينة الآية الاُخرى، وهي قوله تعالى : {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 2 / 217]. وهذه الآية دليل على قبول توبة المرتدّ الفطري ، فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لاوجه له .
[3074] مسألة 77 : لو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصحّ ، كما هو كذلك لو ارتدّ في أثناء الغسل ثمّ تاب ، وكذا لو ارتدّ في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمّ تاب قبل فوات الموالاة ، بل وكذا لو ارتدّ في أثناء الصلاة ثمّ تاب قبل أن يأتي بشيء أو يفوت الموالاة على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتّصاليّة جزءاً فيها . نعم ، لو ارتدّ في أثناء الصوم بطل وإن تاب بلا فصل .
[3075] مسألة 78 : إذا حجّ المخالف ثمّ استبصر لايجب عليه الإعادة ; بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه ، وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا ; من غير فرق بين الفِرَق ; لإطلاق الأخبار ، وما دلّ على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله (عليه السلام) : «يقضي أحبّ إليّ» . وقوله (عليه السلام) : «والحجّ أحبّ إليّ» .
[3076] مسألة 79 : لايشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة ،
(الصفحة 260)
ولايجوز له منعها منه ، وكذا في الحجّ الواجب بالنذر ونحوه إذا كان مضيّقاً ، وأمّا في الحجّ المندوب فيشترط إذنه ، وكذا في الواجب الموسّع قبل تضيّقه على الأقوى ، بل في حجّة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة مع وجود الرفقة الاُخرى قبل تضيّق الوقت ، والمطلّقة الرجعيّة كالزوجة في اشتراط إذن الزوج ما دامت في العدّة ، بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه ، وكذا المعتدّة للوفاة، فيجوز لها الحجّ واجباً كان أو مندوباً ، والظاهر أنّ المنقطعة كالدائمة في اشتراط الإذن ، ولا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعاً من الاستمتاع بها لمرض أو سفر أو لا .
[3077] مسألة 80 : لايشترط وجود المحرم في حجّ المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها ، كما دلّت عليه جملة من الأخبار ، ولا فرق بين كونها ذات بعل أو لا ، ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم ولو بالاُجرة مع تمكّنها منها ، ومع عدمه لاتكون مستطيعة ، وهل يجب عليها التزويج تحصيلاً للمحرم؟ وجهان . ولو كانت ذات زوج وادّعى عدم الأمن عليها وأنكرت قدّم قولها مع عدم البيّنة أو القرائن الشاهدة ، والظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها إلاّ أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حقّ الاستمتاع له عليها ، بدعوى أنّ حجّها حينئذ مفوّت لحقّه مع عدم وجوبه عليها ، فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف ، وهل للزوج مع هذه الحالة منعها عن الحجّ باطناً إذا أمكنه ذلك؟ وجهان في صورة عدم تحليفها ، وأمّا معه فالظاهر سقوط حقّه ، ولو حجّت بلا محرم مع عدم الأمن صحّ حجّها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام ، وإلاّ ففي الصحّة إشكال، وإن كان الأقوى الصحّة .
[3078] مسألة 81 : إذا استقرّ عليه الحجّ ; بأن استكملت الشرائط وأهمل حتّى زالت أو زال بعضها، صار ديناً عليه ووجب الإتيان به بأيّ وجه تمكّن ، وإن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة ، ويصحّ التبرّع عنه ، واختلفوا فيما به يتحقّق الاستقرار على أقوال ; فالمشهور مضيّ زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله
(الصفحة 261)
مستجمعاً للشرائط ، وهو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة ، وقيل باعتبار مضيّ زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعاً للشرائط ، فيكفي بقاؤها إلى مضيّ جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان والسعي ، وربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة ، وقد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم ، وقد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة ، فلو أهمل استقرّ عليه وإن فقدت بعد ذلك ; لأنّه كان مأموراً بالخروج معهم ، والأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة الماليّة والبدنيّة والسربيّة .
وأمّا بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال ، وذلك لأنّ فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعاً ، وأنّ وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهريّاً ، ولذا لو علم من الأوّل أنّ الشرائط لا تبقى إلى الآخر لم يجب عليه .
نعم ، لو فرض تحقّق الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الأعمال ; لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود والرجوع إلى كفاية وتخلية السرب ونحوها . ولو علم من الأوّل بأنّه يموت بعد ذلك، فإن كان قبل تمام الأعمال لم يجب عليه المشي ، وإن كان بعده وجب عليه . هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستنداً إلى ترك المشي ، وإلاّ استقرّ عليه ، كما إذا علم أنّه لو مشى إلى الحجّ لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلا ، فإنّه حينئذ يستقرّ عليه الوجوب ; لأنّه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه ، وأمّا لو شكّ في أنّ الفقد مستند إلى ترك المشي أولا فالظاهر عدم الاستقرار ; للشكّ في تحقّق الوجوب وعدمه واقعاً . هذا بالنسبة إلى استقرار الحجّ لو تركه ، وأمّا لو كان واجداً للشرائط حين المسير فسار ، ثمّ زال بعض الشرائط في الأثناء فأتمّ الحجّ على ذلك الحال كفى حجّه عن حجّة الإسلام إذا لم يكن المفقود مثل العقل ، بل كان هو الاستطاعة البدنيّة أو الماليّة أو السربيّة ونحوها على
(الصفحة 262)
الأقوى .
[3079] مسألة 82 : إذا استقرّ عليه العمرة فقط أو الحجّ فقط ، كما فيمن وظيفته حجّ الإفراد والقران ، ثمّ زالت استطاعته فكما مرّ يجب عليه أيضاً بأيّ وجه تمكّن ، وإن مات يقضى عنه .
[3080] مسألة 83 : تقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها ، سواء كانت حجّ التمتّع أو القران أو الإفراد ، وكذا إذا كان عليه عمرتهما ، وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضاً ، وأمّا إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه ، وتقدّم على الوصايا المستحبّة وإن كانت متأخّرة عنها في الذكر ، وإن لم يف الثلث بها اُخذت البقيّة من الأصل ، والأقوى أنّ حجّ النذر أيضاً كذلك ; بمعنى أنّه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه . ولو كان عليه دين أو خمس أو زكاة وقصرت التركة ، فإن كان المال المتعلّق به الخمس أو الزكاة موجوداً قدّم لتعلّقهما بالعين ، فلايجوز صرفه في غيرهما ، وإن كانا في الذمّة فالأقوى أنّ التركة توزّع على الجميع بالنسبة ، كما في غرماء المفلّس ، وقد يقال بتقدّم الحجّ على غيره وإن كان دين الناس ، لخبر معاوية بن عمّار الدالّ على تقديمه على الزكاة ، ونحوه خبر آخر ، لكنّهما موهونان بإعراض الأصحاب مع أنّهما في خصوص الزكاة ، وربما يحتمل تقديم دين الناس لأهمّيّته ، والأقوى ما ذكر من التخصيص .
وحينئذ فإن وفت حصّة الحجّ به فهو ، وإلاّ فإن لم تف إلاّ ببعض الأفعال كالطواف فقط أو هو مع السعي فالظاهر سقوطه وصرف حصّته في الدين أو الخمس أو الزكاة ، ومع وجود الجميع توزّع عليها ، وإن وفت بالحجّ فقط أو العمرة فقط ففي مثل حجّ القران والإفراد تصرف فيهما مخيّراً بينهما ، والأحوط تقديم الحجّ ، وفي حجّ التمتّع الأقوى السقوط وصرفها في الدين وغيره ، وربما يحتمل فيه
|