(الصفحة 280)
وأهمل عن وفاء النذر في عامه وجب الإتيان به في العام القابل مقدّماً على حجّة الإسلام ، وإن بقيت الاستطاعة إليه لوجوبه عليه فوراً ففوراً ، فلايجب عليه حجّة الإسلام إلاّ بعد الفراغ عنه ، لكن عن «الدروس» أنّه قال ـ بعد الحكم بأنّ استطاعة النذر شرعيّة لا عقليّة ـ : «فلو نذر ثمّ استطاع صرف ذلك إلى النذر ، فإن أهمل واستمرّت الاستطاعة إلى العام القابل وجب حجّة الإسلام أيضاً» . ولا وجه له . نعم ، لو قيّد نذره بسنة معيّنة وحصل فيها الاستطاعة فلم يف به وبقيت استطاعته إلى العام المتأخّر أمكن أن يقال بوجوب حجّة الإسلام أيضاً ; لأنّ حجّه النذري صار قضاء موسّعاً ، ففرق بين الإهمال مع الفوريّة والإهمال مع التوقيت ، بناءً على تقديم حجّة الإسلام مع كون النذري موسّعاً .
[3126] مسألة 19 : إذا نذر الحجّ وأطلق من غير تقييد بحجّة الإسلام ولا بغيره وكان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك ، فهل يتداخلان فيكفي حجّ واحد عنهما ، أو يجب التعدّد، أو يكفي نيّة الحجّ النذري عن حجّة الإسلام دون العكس؟ أقوال ، أقواها الثاني ; لأصالة تعدّد المسبّب بتعدّد السبب ، والقول بأنّ الأصل هو التداخل ضعيف ، واستدلّ للثالث بصحيحتي رفاعة ومحمّد بن مسلم عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله فمشى ، هل يجزئه عن حجّة الإسلام؟ قال (عليه السلام) : نعم ، وفيه: أنّ ظاهرهما كفاية الحجّ النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الاستطاعة وهو غير معمول به ، ويمكن حملهما على أنّه نذر المشي لا الحجّ ثمّ أراد أن يحجّ، فسأل (عليه السلام)عن أنّه هل يجزئه هذا الحجّ الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا ؟ فأجاب (عليه السلام)بالكفاية . نعم ، لو نذر أن يحجّ مطلقاً أيّ حجّ كان كفاه عن نذره حجّة الإسلام ، بل الحجّ النيابي وغيره أيضاً ; لأنّ مقصوده حينئذ حصول الحجّ منه في الخارج بأيّ وجه كان .
[3127] مسألة 20 : إذا نذر الحجّ حال عدم استطاعته معلّقاً على شفاء ولده مثلا
(الصفحة 281)
فاستطاع قبل حصول المعلّق عليه فالظاهر تقديم حجّة الإسلام ، ويحتمل تقديم المنذور إذا فرض حصول المعلّق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فوريّاً ، بل هو المتعيّن إن كان نذره من قبيل الواجب المعلّق .
[3128] مسألة 21 : إذا كان عليه حجّة الإسلام والحجّ النذري ولم يمكنه الإتيان بهما ; إمّا لظنّ الموت أو لعدم التمكّن إلاّ من أحدهما ، ففي وجوب تقديم الأسبق سبباً أو التخيير، أو تقديم حجّة الإسلام لأهمّيتها وجوه ، أوجهها الوسط ، وأحوطها الأخير ، وكذا إذا مات وعليه حجّتان ولم تفِ تركته إلاّ لإحداهما ، وأمّا إن وفت التركة فاللازم استئجارهما ولو في عام واحد .
[3129] مسألة 22 : من عليه الحجّ الواجب بالنذر الموسّع يجوز له الإتيان بالحجّ المندوب قبله .
[3130] مسألة 23 : إذا نذر أن يحجّ أو يُحجّ انعقد ووجب عليه أحدهما على وجه التخيير ، وإذا تركهما حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً .
وإذا طرأ العجز من أحدهما معيّناً تعيّن الآخر ، ولو تركه أيضاً حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً أيضاً ; لأنّ الواجب كان على وجه التخيير ، فالفائت هو الواجب المخيّر ، ولا عبرة بالتعيين العرضي ، فهو كما لو كان عليه كفّارة الإفطار في شهر رمضان وكان عاجزاً عن بعض الخصال ثمّ مات ، فإنّه يجب الإخراج عن تركته مخيّراً ، وإن تعيّن عليه في حال حياته في إحداها ، فلايتعيّن في ذلك المتعيّن . نعم ، لو كان حال النذر غير متمكّن إلاّ من أحدهما معيّناً ولم يتمكّن من الآخر إلى أن مات أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالذي كان متمكّناً منه ، بدعوى أنّ النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكّن منه ، بناءً على أنّ عدم التمكّن يوجب عدم الانعقاد ، لكن الظاهر أنّ مسألة الخصال ليست كذلك ، فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير، وإن لم يكن في حياته متمكّناً إلاّ من البعض أصلاً .
(الصفحة 282)
وربما يحتمل في الصورة المفروضة ونظائرها عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضاً ، بدعوى أنّ متعلّق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير ، ومع تعذّر أحدهما لايكون وجوب الآخر تخييريّاً ، بل عن «الدروس» اختياره في مسألة ما لو نذر إن رزق ولداً أن يحجّه أو يحجّ عنه إذا مات الولد قبل تمكّن الأب من أحد الأمرين ، وفيه : أنّ مقصود الناذر إتيان أحد الأمرين من دون اشتراط كونه على وجه التخيير ، فليس النذر مقيّداً بكونه واجباً تخييريّاً حتّى يشترط في انعقاده التمكّن منهما .
[3131] مسألة 24 : إذا نذر أن يحجّ أو يزور الحسين (عليه السلام) من بلده ثمّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته ، ولو اختلفت اُجرتهما يجب الاقتصار على أقلّهما اُجرة إلاّ إذا تبرّع الوارث بالزائد ، فلايجوز للوصيّ اختيار الأزيد اُجرةً ، وإن جعل الميّت أمر التعيين إليه ، ولو أوصى باختيار الأزيد اُجرة خرج الزائد من الثلث .
[3132] مسألة 25 : إذا علم أنّ على الميّت حجّاً ولم يعلم أنّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر وجب قضاؤه عنه من غير تعيين، وليس عليه كفّارة ، ولو تردّد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفّارة أيضاً ، وحيث إنّها مردّدة بين كفّارة النذر وكفّارة اليمين فلابدّ من الاحتياط ، ويكفي حينئذ إطعام ستّين مسكيناً ; لأنّ فيه إطعام عشرة أيضاً، الذي يكفي في كفّارة الحلف .
[3133] مسألة 26 : إذا نذر المشي في حجّه الواجب عليه أو المستحبّ انعقد مطلقاً حتّى في مورد يكون الركوب أفضل ; لأنّ المشي في حدّ نفسه أفضل من الركوب بمقتضى جملة من الأخبار ، وإن كان الركوب قد يكون أرجح لبعض الجهات ، فإنّ أرجحيّته لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حدّ نفسه ، وكذا ينعقد لو نذر الحجّ ماشياً مطلقاً ، ولو مع الإغماض عن رجحان المشي ; لكفاية
(الصفحة 283)
رجحان أصل الحجّ في الانعقاد ، إذ لايلزم أن يكون المتعلّق راجحاً بجميع قيوده وأوصافه ، فما عن بعضهم من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له ، وأضعف منه دعوى الانعقاد في أصل الحجّ لا في صفة المشي ، فيجب مطلقاً ; لأنّ المفروض نذر المقيّد، فلا معنى لبقائه مع عدم صحّة قيده .
[3134] مسألة 27 : لو نذر الحجّ راكباً انعقد ووجب ، ولايجوز حينئذ المشي وإن كان أفضل ; لما مرّ من كفاية رجحان المقيّد دون قيده . نعم ، لو نذر الركوب في حجّه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد ; لأنّ المتعلّق حينئذ الركوب لا الحجّ راكباً ، وكذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كلّ يوم أو فرسخين ، وكذا ينعقد لو نذر الحجّ حافياً ، وما في صحيحة الحذّاء من أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بركوب اُخت عقبة بن عامر ـ مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت الله حافية ـ قضيّة في واقعة، يمكن أن يكون لمانع من صحّة نذرها ; من إيجابه كشفها أو تضرّرها أو غير ذلك.
[3135] مسألة 28 : يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً تمكّن الناذر وعدم تضرّره بهما ، فلو كان عاجزاً أو كان مضرّاً ببدنه لم ينعقد . نعم ، لا مانع منه إذا كان حرجاً لايبلغ حدّ الضرر ; لأنّ رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة . هذا إذا كان حرجيّاً حين النذر وكان عالماً به ، وأمّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطاً للوجوب .
[3136] مسألة 29 : في كون مبدأ وجوب المشي، أو الحفاء بلد النذر أو الناذر، أو أقرب البلدين إلى الميقات ، أو مبدأ الشروع في السفر ، أو أفعال الحجّ أقوال ، والأقوى أنّه تابع للتعيين أو الانصراف ، ومع عدمهما فأوّل أفعال الحجّ إذا قال : «لله عليّ أن أحجّ ماشياً» . ومن حين الشروع في السفر إذا قال : «لله عليّ أن أمشي إلى بيت الله» أو نحو ذلك ، كما أنّ الأقوى أنّ منتهاه مع عدم التعيين رمي الجمار; لجملة من الأخبار لا طواف النساء كما عن المشهور ، ولا الإفاضة من عرفات كما
(الصفحة 284)
في بعض الأخبار .
[3137] مسألة 30 : لايجوز لمن نذر الحجّ ماشياً أو المشي في حجّه أن يركب البحر لمنافاته لنذره ، وإن اضطرّ إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره ، كما أنّه لو كان منحصراً فيه من الأوّل لم ينعقد ، ولو كان في طريقه نهر أو شطّ لايمكن العبور إلاّ بالمركب فالمشهور أنّه يقوم فيه لخبر السكوني ، والأقوى عدم وجوبه ; لضعف الخبر عن إثبات الوجوب ، والتمسّك بقاعدة الميسور لا وجه له ، وعلى فرضه فالميسور هو التحرّك لا القيام .
[3138] مسألة 31 : إذا نذر المشي فخالف نذره فحجّ راكباً ، فإن كان المنذور الحجّ ماشياً من غير تقييد بسنة معيّنة وجب عليه الإعادة ولا كفّارة إلاّ إذا تركها أيضاً ، وإن كان المنذور الحجّ ماشياً في سنة معيّنة فخالف وأتى به راكباً وجب عليه القضاء والكفّارة ، وإذا كان المنذور المشي في حجّ معيّن وجبت الكفّارة دون القضاء ; لفوات محلّ النذر ، والحجّ صحيح في جميع الصور ، خصوصاً الأخيرة ; لأنّ النذر لايوجب شرطيّة المشي في أصل الحجّ ، وعدم الصحّة من حيث النذر لايوجب عدمها من حيث الأصل ، فيكفي في صحّته الإتيان به بقصد القربة ، وقد يتخيّل البطلان; من حيث إنّ المنويّ ـ وهو الحجّ النذري ـ لم يقع وغيره لم يقصد .
وفيه : أنّ الحجّ في حدّ نفسه مطلوب، وقد قصده في ضمن قصد النذر وهو كاف، ألا ترى أنّه لو صام أيّاماً بقصد الكفّارة ثمّ ترك التتابع لايبطل الصيام في الأيّام السابقة أصلاً، وإنّما تبطل من حيث كونها صيام كفّارة ، وكذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته وأذكاره التي أتى بها من حيث كونها قرآناً أو ذكراً ، وقد يستدلّ للبطلان إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال بأنّ الأمر بإتيانها ماشياً موجب للنهي عن إتيانها راكباً ، وفيه : منع كون الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه ، ومنع
|