(الصفحة 290)
الاُجرة إذا كان أجيراً على تفريغ الذمّة ، وبالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على الإتيان بالحجّ ; بمعنى الأعمال المخصوصة ، وإن مات قبل ذلك لايستحقّ شيئاً ، سواء مات قبل الشروع في المشي أو بعده ، وقبل الإحرام أو بعده ، وقبل الدخول في الحرم ; لأنّه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلاّ ولا بعضاً بعد فرض عدم إجزائه ; من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدّمات من المشي ونحوه .
نعم ، لو كان المشي داخلاً في الإجارة على وجه الجزئيّة ـ بأن يكون مطلوباً في الإجارة نفساً ـ استحقّ مقدار ما يقابله من الاُجرة ، بخلاف ما إذا لم يكن داخلاً أصلاً ، أو كان داخلاً فيها لا نفساً بل بوصف المقدّميّة ، فما ذهب إليه بعضهم من توزيع الاُجرة عليه أيضاً مطلقاً لا وجه له ، كما أنّه لا وجه لما ذكره بعضهم من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام ، إذ هو نظير ما إذا استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثمّ اُبطلت صلاته ، فإنّه لا إشكال في أنّه لايستحقّ الاُجرة على ما أتى به .
ودعوى أنّه وإن كان لايستحقّ من المسمّى بالنسبة لكن يستحقّ اُجرة المثل لما أتى به ، حيث إنّ عمله محترم ، مدفوعة بأنّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه ، والمفروض أنّه لم يكن مغروراً من قبله ، وحينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحجّ في سنة معيّنة ، ويجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة من غير استحقاق لشيء على التقديرين .
[3153] مسألة 12 : يجب في الإجارة تعيين نوع الحجّ ; من تمتّع أو قران أو إفراد ، ولايجوز للمؤجر العدول عمّا عيّن له ، وإن كان إلى الأفضل ، كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأوّل ، إلاّ إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيّراً بين النوعين أو الأنواع ، كما في الحجّ المستحبّي والمنذور المطلق ، أو كان ذا منزلين متساويين في
(الصفحة 291)
مكّة وخارجها ، وأمّا إذا كان ما عليه من نوع خاصّ فلاينفع رضاه أيضاً بالعدول إلى غيره ، وفي صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حقّ الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطيّة ، ومن باب الرضا بالوفاء بغير الجنس إن كان بعنوان القيديّة ، وعلى أيّ تقدير يستحقّ الاُجرة المسمّـاة وإن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني ; لأنّ المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عيّنه فقد وصل إليه ماله على المؤجر ، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون ، فكأنّه قد أتى بالعمل المستأجر عليه ، ولا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول .
هذا ، ويظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل ، كالعدول إلى التمتّع تعبّداً من الشارع ، لخبر أبي بصير ، عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها عنه حجّة مفردة أيجوز له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ؟ قال (عليه السلام) : «نعم ، إنّما خالف إلى الفضل» . والأقوى ما ذكرنا ، والخبر منزّل على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيّراً بين النوعين ، جمعاً بينه وبين خبر آخر في رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها حجّة مفردة، قال (عليه السلام) : «ليس له أن يتمتّع بالعمرة الى الحجّ ، لايخالف صاحب الدراهم» . وعلى ما ذكرنا من عدم جواز العدول إلاّ مع العلم بالرضا إذا عدل بدون ذلك لايستحقّ الاُجرة في صورة التعيين على وجه القيديّة ، وإن كان حجّه صحيحاً عن المنوب عنه ومفرّغاً لذمّته ، إذا لم يكن ما في ذمّته متعيّناً فيما عيّن . وأمّا إذا كان على وجه الشرطيّة فيستحقّ ، إلاّ إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلّف الشرط ، إذ حينئذ لايستحقّ المسمّى بل اُجرة المثل .
[3154] مسألة 13 : لايشترط في الإجارة تعيين الطريق وإن كان في الحجّ البلدي ; لعدم تعلّق الغرض بالطريق نوعاً ، ولكن لو عيّن تعيّن، ولايجوز العدول عنه إلى غيره ، إلاّ إذا علم أنّه لا غرض للمستأجر في خصوصيّته وإنّما ذكره على المتعارف ، فهو راض بأيّ طريق كان ، فحينئذ لو عدل صحّ واستحقّ تمام الاُجرة ،
(الصفحة 292)
وكذا إذا أسقط بعد العقد حقّ تعيينه ، فالقول بجواز العدول مطلقاً أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصيّة ضعيف ، كالاستدلال له بصحيحة حريز، عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة ، فقال : «لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه» ، إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض كما هو الغالب ، مع أنّها إنّما دلّت على صحّة الحجّ من حيث هو لا من حيث كونه عملاً مستأجراً عليه، كما هو المدّعى ، وربما تحمل على محامل اُخر .
وكيف كان، لا إشكال في صحّة حجّه وبراءة ذمّة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيّداً بخصوصيّة الطريق المعيّن ، إنّما الكلام في استحقاقه الاُجرة المسمّـاة على تقدير العدول وعدمه ، والأقوى أنّه يستحقّ من المسمّى بالنسبة ، ويسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبراً في الإجارة على وجه الجزئيّة ، ولايستحقّ شيئاً على تقدير اعتباره على وجه القيديّة ; لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ، وإن برئت ذمّة المنوب عنه بما أتى به ; لأنّه حينئذ متبرّع بعمله ، ودعوى أنّه يعدّ في العرف أنّه أتى ببعض ما استؤجر عليه فيستحقّ بالنسبة ، وقصد التقييد بالخصوصيّة لايخرجه عرفاً عن العمل ذي الأجزاء ـ كما ذهب إليه في «الجواهر» ـ لا وجه لها، ويستحقّ تمام الاُجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطيّة الفقهيّة; بمعنى الالتزام في الالتزام . نعم ، للمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط، فيرجع إلى اُجرة المثل .
[3155] مسألة 14 : إذا آجر نفسه للحجّ عن شخص مباشرة في سنة معيّنة ، ثمّ آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضاً بطلت الإجارة الثانية ; لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالاُولى ، ومع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحّتا معاً ، ودعوى بطلان الثانية وإن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الاُولى; لأنّه يعتبر في صحّة الإجارة تمكّن الأجير من العمل بنفسه،
(الصفحة 293)
فلايجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن ، وكذا لايجوز إجارة الحائض لكنس المسجد وإن لم يشترط المباشرة، ممنوعة ، فالأقوى الصحّة. هذا إذا آجر نفسه ثانياً للحجّ بلا اشتراط المباشرة ، وأمّا إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه ، وكذا تصحّ الثانية مع اختلاف السنتين ، أو مع توسعة الإجارتين أو توسعة إحداهما ، بل وكذا مع إطلاقهما أو إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف إلى التعجيل .
ولو اقترنت الإجارتان; كما إذا آجر نفسه من شخص وآجره وكيله من آخر في سنة واحدة، وكان وقوع الإجارتين في وقت واحد، بطلتا معاً مع اشتراط المباشرة فيهما ، ولو آجره فضوليّان من شخصين مع اقتران الإجارتين يجوز له إجازة إحداهما كما في صورة عدم الاقتران ، ولو آجر نفسه من شخص ثمّ علم أنّه آجره فضولي من شخص آخر سابقاً على عقد نفسه ليس له إجازة ذلك العقد ، وإن قلنا بكون الإجازة كاشفة ، بدعوى أنّها حينئذ تكشف عن بطلان إجارة نفسه ; لكون إجارته نفسه مانعاً عن صحّة الإجازة حتّى تكون كاشفة ، وانصراف أدلّة صحّة الفضولي عن مثل ذلك .
[3156] مسألة 15 : إذا آجر نفسه للحجّ في سنة معيّنة لايجوز له التأخير ، بل ولا التقديم إلاّ مع رضا المستأجر ، ولو أخّر لا لعذر أثم وتنفسخ الإجارة إن كان التعيين على وجه التقييد ، ويكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطيّة ، وإن أتى به مؤخّراً لايستحقّ الاُجرة على الأوّل وإن برئت ذمّة المنوب عنه به ، ويستحقّ المسمّـاة على الثاني إلاّ إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى اُجرة المثل ، وإذا أطلق الإجارة وقلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال. وفي ثبوت الخيار للمستأجر حينئذ وعدمه وجهان ; من أنّ الفوريّة ليست توقيتاً ، ومن كونها بمنزلة الاشتراط .
[3157] مسألة 16 : قد عرفت عدم صحّة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه من
(الصفحة 294)
شخص في سنة معيّنة ثمّ آجر من آخر فى تلك السنة ، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأوّل أو لا ؟ فيه تفصيل ، وهو أنّه إن كانت الاُولى واقعة على العمل في الذمّة لا تصحّ الثانية بالإجازة ; لأنّه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتّى تصحّ له إجازتها. وإن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة ـ بأن تكون منفعته من حيث الحجّ أو جميع منافعه له ـ جاز له إجازة الثانية ; لوقوعها على ماله . وكذا الحال في نظائر المقام ، فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معيّن، ثمّ آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم ليس لزيد إجازة العقد الثاني . وأمّا إذا ملّكه منفعته الخياطي، فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو جاز له إجازة هذا العقد ; لأنّه تصرّف في متعلّق حقّه ، وإذا أجاز يكون مال الإجارة له لا للمؤجر . نعم ، لو ملك منفعة خاصّة، كخياطة ثوب معيّن، أو الحجّ عن ميّت معيّن علىوجه التقييد يكون كالأوّل في عدم إمكان إجازته .
[3158] مسألة 17 : إذا صدّ الأجير أو اُحصر كان حكمه كالحاجّ عن نفسه فيما عليه من الأعمال ، وتنفسخ الإجارة مع كونها مقيّدة بتلك السنة، ويبقى الحجّ في ذمّته مع الإطلاق ، وللمستأجر خيار التخلّف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد ، ولايجزئ عن المنوب عنه وإن كان بعد الإحرام ودخول الحرم ; لأنّ ذلك كان في خصوص الموت من جهة الأخبار ، والقياس عليه لا وجه له ، ولو ضمن المؤجر الحجّ في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته ، والقول بوجوبه ضعيف ، وظاهرهم استحقاق الاُجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال ، وهو مشكل ; لأنّ المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه وعدم فائدة فيما أتى به ، فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصدّ والحصر ، وكالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها ، وقاعدة احترام عمل المسلم لا تجري ; لعدم الاستناد إلى المستأجر ، فلايستحقّ اُجرة المثل أيضاً .
|