(الصفحة 301)
بين ما إذا أوصى أو لم يوصِ ، فإنّ مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمّته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث ، ولكنّه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد; لحصول العلم غالباً بأنّ الميّت كان مشغول الذمّة بدين أو خمس أو زكاة أو حجّ أو نحو ذلك ، إلاّ أن يدفع بالحمل على الصحّة ، فإنّ ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه ، لكنّه مشكل في الواجبات الموسّعة ، بل في غيرها أيضاً في غير الموقّتة ، فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل .
[3170] مسألة 2 : يكفي الميقاتيّة ، سواء كان الحجّ الموصى به واجباً أو مندوباً ، ويخرج الأوّل من الأصل والثاني من الثلث ، إلاّ إذا أوصى بالبلديّة ، وحينئذ فالزائد عن اُجرة الميقاتيّة في الأوّل من الثلث ، كما أنّ تمام الاُجرة في الثاني منه .
[3171] مسألة 3 : إذا لم يعيّن الاُجرة فاللازم الاقتصار على اُجرة المثل ; للانصراف إليها ، ولكن إذا كان هناك من يرضى بالأقلّ منها وجب استئجاره ، إذ الانصراف إلى اُجرة المثل إنّما هو نفي الأزيد فقط ، وهل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده؟ الأحوط ذلك توفيراً على الورثة ، خصوصاً مع الظنّ بوجوده ، وإن كان في وجوبه إشكال ، خصوصاً مع الظنّ بالعدم ، ولو وجد من يريد أن يتبرّع فالظاهر جواز الاكتفاء به ، بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار ، بل هو المتعيّن توفيراً على الورثة ، فإن أتى به صحيحاً كفى وإلاّ وجب الاستئجار ، ولو لم يوجد من يرضى باُجرة المثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحجّ واجباً ، بل وإن كان مندوباً أيضاً مع وفاء الثلث ، ولايجب الصبر إلى العام القابل ولو مع العلم بوجود من يرضى باُجرة المثل أو أقّل ، بل لايجوز; لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمّة الميّت في الواجب ، والعمل بمقتضى الوصيّة في المندوب ، وإن عيّن الموصي مقداراً للاُجرة تعيّن ، وخرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على اُجرة المثل ، وإلاّ فالزيادة من الثلث ، كما أنّ في المندوب كلّه من الثلث .
(الصفحة 302)
[3172] مسألة 4 : هل اللازم في تعيين اُجرة المثل الاقتصار على أقلّ الناس اُجرة أو يلاحظ من يناسب شأن الميّت في شرفه وضعته؟ لايبعد الثاني ، والأحوط الأظهر الأوّل ، ومثل هذا الكلام يجري أيضاً في الكفن الخارج من الأصل أيضاً .
[3173] مسألة 5 : لو أوصى بالحجّ وعيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن ، وإن لم يعيّن كفى حجّ واحد ، إلاّ أن يعلم أنّه أراد التكرار ، وعليه يحمل ما ورد في الأخبار من أنّه يحجّ عنه مادام له مال ، كما في خبرين ، أو ما بقي من ثلثه شيء كما في ثالث بعد حمل الأوّلين على الأخير من إرادة الثلث من لفظ المال ، فما عن الشيخ وجماعة من وجوب التكرار مادام الثلث باقياً ضعيف ، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من الأخبار أنّه يجب الحجّ مادام يمكن الإتيان به ببقاء شيء من الثلث بعد العمل بوصايا اُخر ، وعلى فرض ظهورها في إرادة التكرار ولو مع عدم العلم بإرادته لابدّ من طرحها لإعراض المشهور عنها ، فلاينبغي الإشكال في كفاية حجّ واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار . نعم ، لو أوصى بإخراج الثلث ولم يذكر إلاّ الحجّ يمكن أن يقال بوجوب صرف تمامه في الحجّ ، كما لو لم يذكر إلاّ المظالم أو إلاّ الزكاة أو إلاّ الخمس ، ولو أوصى أن يحجّ عنه مكرّراً كفى مرّتان ; لصدق التكرار معه .
[3174] مسألة 6 : لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحجّ سنين معيّنة ، وعيّن لكلّ سنة مقداراً معيّناً، واتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنة ، صرف نصيب سنتين في سنة ، أو ثلاث سنين في سنتين مثلا وهكذا ، لا لقاعدة الميسور ; لعدم جريانها في غير مجعولات الشارع ، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحجّ، وكون تعيين مقدار كلّ سنة بتخيّل كفايته . ويدلّ عليه أيضاً خبر عليّ بن محمّد الحضيني ، وخبر إبراهيم بن مهزيار ، ففي الأوّل تجعل حجّتين في حجّة ، وفي الثاني تجعل ثلاث حجج في حجّتين ، وكلاهما من باب المثال كما لايخفى .
هذا، ولو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجّة ، فهل ترجع ميراثاً ، أو في وجوه
(الصفحة 303)
البرّ، أو تزاد على اُجرة بعض السنين؟ وجوه ، ولو كان الموصى به الحجّ من البلد، ودار الأمر بين جعل اُجرة سنتين مثلا لسنة ، وبين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكلّ سنة، ففي تعيين الأوّل أو الثاني وجهان ، ولايبعد التخيير بل أولويّة الثاني ، إلاّ أنّ مقتضى إطلاق الخبرين الأوّل . هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحجّ بذلك المقدار على وجه التقييد ، وإلاّ فتبطل الوصيّة إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير ، أو كانت الوصيّة مقيّدة بسنين معيّنة .
[3175] مسألة 7 : إذا أوصى بالحجّ وعيّن الاُجرة في مقدار ، فإن كان الحجّ واجباً ولم يزد ذلك المقدار عن اُجرة المثل ، أو زاد وخرجت الزيادة من الثلث تعيّن ، وإن زاد ولم تخرج الزيادة من الثلث بطلت الوصيّة ويرجع إلى اُجرة المثل ، وإن كان الحجّ مندوباً فكذلك تعيّن أيضاً مع وفاء الثلث بذلك المقدار ، وإلاّ فبقدر وفاء الثلث مع عدم كون التعيين على وجه التقييد ، وإن لم يفِ الثلث بالحجّ أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصيّة وسقط وجوب الحجّ .
[3176] مسألة 8 : إذا أوصى بالحجّ وعيّن أجيراً معيّناً تعيّن استئجاره باُجرة المثل . وإن لم يقبل إلاّ بالأزيد ، فإن خرجت الزيادة من الثلث تعيّن أيضاً ، وإلاّ بطلت الوصيّة واستؤجر غيره باُجرة المثل في الواجب مطلقاً ، وكذا في المندوب إذا وفى به الثلث ولم يكن على وجه التقييد ، وكذا إذا لم يقبل أصلاً .
[3177] مسألة 9 : إذا عيّن للحجّ اُجرة لايرغب فيها أحد ، وكان الحجّ مستحبّاً بطلت الوصيّة إذا لم يرج وجود راغب فيها ، وحينئذ فهل ترجع ميراثاً ، أو تصرف في وجوه البرّ ، أو يفصّل بين ما إذا كان كذلك من الأوّل فترجع ميراثاً ، أو كان الراغب موجوداً ثمّ طرأ التعذّر؟ وجوه ، والأقوى هو الصرف في وجوه البرّ ، لا لقاعدة الميسور ، بدعوى أنّ الفصل إذا تعذّر يبقى الجنس ; لأنّها قاعدة شرعيّة ، وإنّما تجري في الأحكام الشرعيّة المجعولة للشارع ، ولا مسرح لها في مجعولات
(الصفحة 304)
الناس ، كما أشرنا إليه سابقاً ، مع أنّ الجنس لايعدّ ميسوراً للنوع ، فمحلّها المركّبات الخارجيّة إذا تعذّر بعض أجزائها ولو كانت ارتباطيّة ، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه ، وإنّما عيّن عملاً خاصّاً لكونه أنفع في نظره من غيره ، فيكون تعيينه لمثل الحجّ على وجه تعدّد المطلوب، وإن لم يكن متذكّراً لذلك حين الوصيّة .
نعم ، لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللبّ أيضاً يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة ، ولا فرق في الصورتين بين كون التعذّر طارئاً أو من الأوّل ، ويؤيّد ما ذكرنا ما ورد من الأخبار في نظائر المقام ، بل يدلّ عليه خبر عليّ بن سويد (مزيد ظ)، عن الصادق (عليه السلام)قال: قلت : مات رجل فأوصى بتركته أن أحجّ بها عنه ، فنظرت في ذلك فلم يكف للحجّ ، فسألت من عندنا من الفقهاء ، فقالوا : تصدّق بها ، فقال : ما صنعت؟ قلت : تصدّقت بها، فقال (عليه السلام) : ضمنت، إلاّ أن لا يكون يبلغ أن يحجّ به من مكّة ، فإن كان يبلغ أن يحجّ به من مكّة فأنت ضامن .
ويظهر ممّا ذكرنا حال سائر الموارد التي تبطل الوصيّة لجهة من الجهات ، هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث وعيّن له مصارف وتعذّر بعضها ، وأمّا فيه فالأمر أوضح ; لأنّه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك، فلايعود إليه .
[3178] مسألة 10 : إذا صالحه [على] داره مثلا وشرط عليه أن يحجّ عنه بعد موته صحّ ولزم وخرج من أصل التركة وإن كان الحجّ ندبيّاً ، ولايلحقه حكم الوصيّة ، ويظهر من المحقّق القمي (قدس سره) في نظير المقام إجراء حكم الوصيّة عليه ، بدعوى أنّه بهذا الشرط ملك عليه الحجّ ، وهو عمل له اُجرة ، فيحسب مقدار اُجرة المثل لهذا
(الصفحة 305)
العمل ، فإن كانت زائدة عن الثلث توقّف على إمضاء الورثة ، وفيه : أنّه لم يملك عليه الحجّ مطلقاً في ذمّته ، ثمّ أوصى أن يجعله عنه ، بل إنّما ملك بالشرط الحجّ عنه ، وهذا ليس مالاً تملكه الورثة ، فليس تمليكاً ووصيّة ، وإنّما هو تمليك على نحو خاصّ لاينتقل إلى الورثة ، وكذا الحال إذا ملّكه داره بمائة تومان مثلا بشرط أن يصرفها في الحجّ عنه أو عن غيره ، أو ملّكه إيّاها بشرط أن يبيعها ويصرف ثمنها في الحجّ أو نحوه ، فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل ، وإن كان العمل المشروط عليه ندبيّاً . نعم ، له الخيار عند تخلّف الشرط ، وهذا ينتقل إلى الوارث; بمعنى أنّ حقّ الشرط ينتقل إلى الوارث ، فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة .
[3179] مسألة 11 : لو أوصى بأن يحجّ عنه ماشياً أو حافياً صحّ واعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبيّاً ، وخروج الزائد عن اُجرة الميقاتيّة عنه إن كان واجباً . ولو نذر في حال حياته أن يحجّ ماشياً أو حافياً ولم يأت به حتّى مات ، وأوصى به أو لم يوصِ وجب الاستئجار عنه من أصل التركة كذلك . نعم ، لو كان نذره مقيّداً بالمشي ببدنه أمكن أن يقال بعدم وجوب الاستئجار عنه ; لأنّ المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط بموته ; لأنّ مشي الأجير ليس ببدنه ، ففرق بين كون المباشرة قيداً في المأمور به أو مورداً .
[3180] مسألة 12 : إذا أوصى بحجّتين أو أزيد وقال : إنّها واجبة عليه صُدّق وتخرج من أصل التركة . نعم ، لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض الموت وكان متّهماً في إقراره فالظاهر أنّه كالإقرار بالدين فيه في خروجه من الثلث إذا كان متّهماً على ما هو الأقوى .
[3181] مسألة 13 : لو مات الوصيّ بعد ما قبض من التركة اُجرة الاستئجار وشكّ في أنّه استأجر الحجّ قبل موته أو لا ، فإن مضت مدّة يمكن الاستئجار فيها
|