(الصفحة 323)
بأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين ، بل يمكن أن يقال باختصاصه بالخروج إلى خارج الحرم ، وإن كان الأحوط خلافه .
ثمّ الظاهر أنّه لا فرق في المسألة بين الحجّ الواجب والمستحبّ ، فلو نوى التمتّع مستحبّاً ثمّ أتى بعمرته يكون مرتهناً بالحجّ ، ويكون حاله في الخروج محرماً أو محلاّ والدخول كذلك ، كالحجّ الواجب .
ثمّ إن سقوط وجوب الإحرام عمّن خرج محلاّ ودخل قبل شهر مختصّ بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتّع ، وأمّا من لم يكن سبق منه عمرة فيلحقه حكم من دخل مكّة في حرمة دخوله بغير الإحرام ، إلاّ مثل الحطّاب والحشّاش ونحوهما ، وأيضاً سقوطه إذا كان بعد العمرة قبل شهر إنّما هو على وجه الرخصة ، بناءً على ما هو الأقوى من عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين ، فيجوز الدخول بإحرام قبل الشهر أيضاً ، ثمّ إذا دخل بإحرام فهل عمرة التمتّع هي العمرة الاُولى أو الأخيرة ؟ مقتضى حسنة حمّاد أنّها الأخيرة المتّصلة بالحجّ ، وعليه لايجب فيها طواف النساء ، وهل يجب حينئذ في الاُولى أو لا ؟ وجهان ; أقواهما نعم ، والأحوط الإتيان بطواف مردّد بين كونه للاُولى أو الثانية ، ثمّ الظاهر أنّه لا إشكال في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتّع قبل الإحلال منها .
[3210] مسألة 3 : لايجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل إلى غيره من القسمين الأخيرين اختياراً . نعم ، إن ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ جاز له نقل النيّة إلى الإفراد ، وأن يأتي بالعمرة بعد الحجّ بلا خلاف ولا إشكال ، وإنّما الكلام في حدّ الضيق المسوّغ لذلك ، واختلفوا فيه على أقوال :
أحدها : خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة .
الثاني : فوات الركن من الوقوف الاختياري ; وهو المسمّى منه .
الثالث : فوات الاضطراري منه .
(الصفحة 324)
الرابع : زوال يوم التروية .
الخامس : غروبه .
السادس : زوال يوم عرفة .
السابع : التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول والإتمام إذا لم يخف الفوت ، والمنشأ اختلاف الأخبار، فإنّها مختلفة أشدّ الاختلاف ، والأقوى أحد القولين الأوّلين ; لجملة مستفيضة من تلك الأخبار ، فإنّها يستفاد منها على اختلاف ألسنتها أنّ المناط في الإتمام عدم خوف فوت الوقوف بعرفة . منها : قوله (عليه السلام) في رواية يعقوب بن شعيب الميثمي : «لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ، ما لم يخف فوات الموقفين» . وفي نسخة : «لا بأس للمتمتّع أن يحرم ليلة عرفة . . .» الخ .
وأمّا الأخبار المحدّدة بزوال يوم التروية أو بغروبه أو بليلة عرفة أو سحرها فمحمولة على صورة عدم إمكان الإدراك إلاّ قبل هذه الأوقات ، فإنّه مختلف باختلاف الأوقات والأحوال والأشخاص ، ويمكن حملها على التقيّة إذا لم يخرجوا مع الناس يوم التروية ، ويمكن كون الاختلاف لأجل التقيّة كما في أخبار الأوقات للصلوات ، وربما تحمل على تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل بعد التخصيص بالحجّ المندوب ، فإنّ أفضل أنواع التمتّع أن تكون عمرته قبل ذي الحجّة ، ثمّ ما تكون عمرته قبل يوم التروية ، ثمّ ما يكون قبل يوم عرفة ، مع أنّا لو أغمضنا عن الأخبار من جهة شدّة اختلافها وتعارضها نقول : مقتضى القاعدة هو ما ذكرنا ; لأنّ المفروض أنّ الواجب عليه هو التمتّع ، فما دام ممكناً لايجوز العدول عنه ، والقدر المسلّم من جواز العدول صورة عدم إمكان إدراك الحجّ ، واللازم إدراك الاختياري من الوقوف ، فإنّ كفاية الاضطراري منه خلاف الأصل .
(الصفحة 325)
يبقى الكلام في ترجيح أحد القولين الأوّلين ، ولايبعد رجحان أوّلهما ، بناءً على كون الواجب استيعاب تمام ما بين الزوال والغروب بالوقوف ، وإن كان الركن هو المسمّى ، ولكن مع ذلك لايخلو عن إشكال ، فإنّ من جملة الأخبار مرفوع سهل، عن أبي عبدالله (عليه السلام): في متمتّع دخل يوم عرفة ، قال : «متعته تامّة إلى أن يقطع التلبية» ، حيث إنّ قطع التلبية بزوال يوم عرفة ، وصحيحة جميل : «المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر» . ومقتضاهما كفاية إدراك مسمّى الوقوف الاختياري ، فإنّ من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة وإدراك الناس في أوّل الزوال بعرفات ، وأيضاً يصدق إدراك الموقف إذا أدركهم قبل الغروب إلاّ أن يمنع الصدق، فإنّ المنساق منه إدراك تمام الواجب ، ويجاب عن المرفوعة والصحيحة بالشذوذ كما ادّعي .
وقد يؤيّد القول الثالث ـ وهو كفاية إدراك الاضطراري من عرفة ـ بالأخبار الدالّة على أنّ من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات وأدركها ليلة النحر تمّ حجّه ، وفيه : أنّ موردها غير مانحن فيه ; وهو عدم الإدراك من حيث هو ، وفيما نحن فيه يمكن الإدراك ، والمانع كونه في أثناء العمرة فلايقاس بها . نعم ، لو أتمّ عمرته في سعة الوقت ثمّ اتّفق أنّه لم يدرك الاختياري من الوقوف كفاه الاضطراري ، ودخل في مورد تلك الأخبار ، بل لايبعد دخول من اعتقد سعة الوقت فأتمّ عمرته ثمّ بان كون الوقت مضيّقاً في تلك الأخبار .
ثمّ إنّ الظاهر عموم حكم المقام بالنسبة إلى الحجّ المندوب وشمول الأخبار له ، فلو نوى التمتّع ندباً وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ جاز له العدول إلى الإفراد ، وفي وجوب العمرة بعده إشكال ، والأقوى عدم وجوبها . ولو علم من وظيفته التمتّع ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ قبل أن يدخل في العمرة هل يجوز له العدول من الأوّل إلى الإفراد؟ فيه إشكال، وإن كان غير بعيد . ولو
(الصفحة 326)
دخل في العمرة بنيّة التمتّع في سعة الوقت وأخّر الطواف والسعي متعمّداً إلى ضيق الوقت ففي جواز العدول وكفايته إشكال ، والأحوط العدول وعدم الاكتفاء إذا كان الحجّ واجباً عليه .
[3211] مسألة 4 : اختلفوا في الحائض والنفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر وإتمام العمرة وإدراك الحجّ على أقوال :
أحدها : أنّ عليهما العدول إلى الإفراد والإتمام ، ثمّ الإتيان بعمرة بعد الحجّ ; لجملة من الأخبار .
الثاني : ما عن جماعة من أنّ عليهما ترك الطواف والإتيان بالسعي ، ثمّ الإحلال وإدراك الحجّ وقضاء طواف العمرة بعده ، فيكون عليهما الطواف ثلاث مرّات : مرّة لقضاء طواف العمرة، ومرّة للحجّ ، ومرّة للنساء ، ويدلّ على ما ذكروه أيضاً جملة من الأخبار .
الثالث : ماعن الإسكافي وبعض متأخّري المتأخّرين من التخيير بين الأمرين ; للجمع بين الطائفتين بذلك .
الرابع : التفصيل بين ما إذا كانت حائضاً قبل الإحرام فتعدل ، أو كانت طاهراً حال الشروع فيه ثمّ طرأ الحيض في الأثناء فتترك الطواف وتتمّ العمرة وتقضي بعد الحجّ ، اختاره بعض، بدعوى أنّه مقتضى الجمع بين الطائفتين ; بشهادة خبر أبي بصير : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : في المرأة المتمتّعة إذا أحرمت وهي طاهر ثمّ حاضت قبل أن تقضي متعتها : «سعت ولم تطف حتّى تطهر ثمّ تقضي طوافها وقد قضت عمرتها ، وإن هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتّى تطهر» . وفي الرضوي (عليه السلام) : «إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم ـ إلى قوله (عليه السلام) ـ : وإن طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها ، فتجعلها حجّة مفردة ، وإن حاضت بعد ما
(الصفحة 327)
أحرمت سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسك كلّها إلاّ الطواف بالبيت ، فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت وهي متمتّعة بالعمرة إلى الحجّ ، وعليها طواف الحجّ وطواف العمرة وطواف النساء» .
وقيل في توجيه الفرق بين الصورتين : إنّ في الصورة الاُولى لم تدرك شيئاً من أفعال العمرة طاهراً فعليها العدول إلى الإفراد ، بخلاف الصورة الثانية، فإنّها أدركت بعض أفعالها طاهراً، فتبني عليها وتقضي الطواف بعد الحجّ ، وعن المجلسي في وجه الفرق ما محصّله : أنّ في الصورة الاُولى لا تقدر على نيّة العمرة ; لأنّها تعلم أنّها لا تطهر للطواف وإدراك الحجّ ، بخلاف الصورة الثانية ، فإنّها حيث كانت طاهرة وقعت منها النيّة والدخول فيها .
الخامس : ما نقل عن بعض من أنّها تستنيب للطواف ثمّ تتمّ العمرة وتأتي بالحجّ ، لكن لم يعرف قائله ، والأقوى من هذه الأقوال هو القول الأوّل ; للفرقة الاُولى من الأخبار التي هي أرجح من الفرقة الثانية; لشهرة العمل بها دونها . وأمّا القول الثالث ـ وهو التخيير ـ فإن كان المراد منه الواقعي بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين ، ففيه : أنّهما يعدّان من المتعارضين ، والعرف لايفهم التخيير منهما ، والجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين ذلك ، وإن كان المراد التخيير الظاهري العملي ، فهو فرع مكافئة الفرقتين ، والمفروض أنّ الفرقة الاُولى أرجح من حيث شهرة العمل بها ، وأمّا التفصيل المذكور فموهون بعدم العمل ، مع أنّ بعض أخبار القول الأوّل ظاهر في صورة كون الحيض بعد الدخول في الإحرام .
نعم ، لو فرض كونها حائضاً حال الإحرام وعلمت بأنّها لا تطهر لإدراك الحجّ يمكن أن يقال : يتعيّن عليها العدول إلى الإفراد من الأوّل ; لعدم فائدة في
|