(الصفحة 329)
خارج المسجد ولو اختياراً ، وإن قلنا : إنّ ذا الحليفة هو المسجد ، وذلك لأنّ مع الإحرام من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفاً ، إذ فرق بين الأمر بالإحرام من المسجد أو بالإحرام فيه ، هذا مع إمكان دعوى أنّ المسجد حدّ للإحرام فيشمل جانبيه مع محاذاته ، وإن شئت فقل: المحاذاة كافية ولو مع القرب من الميقات .
[3213] مسألة 1 : الأقوى عدم جواز التأخير إلى الجحفة وهي ميقات أهل الشام اختياراً . نعم ، يجوز مع الضرورة ; لمرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع ، لكن خصّها بعضهم بخصوص المرض والضعف لوجودهما في الأخبار ، فلايلحق بهما غيرهما من الضرورات ، والظاهر إرادة المثال ، فالأقوى جوازه مع مطلق الضرورة .
[3214] مسألة 2 : يجوز لأهل المدينة ومن أتاها العدول إلى ميقات آخر كالجحفة أو العقيق ، فعدم جواز التأخير إلى الجحفة إنّما هو إذا مشى من طريق ذي الحليفة ، بل الظاهر أنّه لو أتى إلى ذي الحليفة ثمّ أراد الرجوع منه والمشي من طريق آخر جاز ، بل يجوز أن يعدل عنه من غير رجوع ، فإنّ الذي لايجوز هو التجاوز عن الميقات محلاّ ، وإذا عدل إلى طريق آخر لايكون مجاوزاً وإن كان ذلك وهو في ذي الحليفة ، وما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد من المنع عن العدول إذا أتى المدينة ـ مع ضعفه ـ منزّل على الكراهة .
[3215] مسألة 3 : الحائض تحرم خارج المسجد على المختار ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ما مرّ ـ مرسلة يونس في كيفيّة إحرامها «ولا تدخل المسجد وتهلّ بالحجّ بغير صلاة» وأمّا على القول بالاختصاص بالمسجد فمع عدم إمكان صبرها إلى أن تطهر تدخل المسجد وتحرم في حال الاجتياز إن أمكن ، وإن لم يمكن
(الصفحة 330)
لزحم أو غيره أحرمت خارج المسجد ، وجدّدت في الجحفة أو محاذاتها .
[3216] مسألة 4 : إذا كان جنباً ولم يكن عنده ماء جاز له أن يحرم خارج المسجد ، والأحوط أن يتيمّم للدخول والإحرام ، ويتعيّن ذلك على القول بتعيين المسجد ، وكذا الحائض إذا لم يكن لها ماء بعد نقائها .
الثاني : العقيق ، وهو ميقات أهل نجد والعراق ومن يمرّ عليه من غيرهم . وأوّله المسلخ ، وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق . والمشهور جواز الإحرام من جميع مواضعه اختياراً ، وأنّ الأفضل الإحرام من المسلخ ثمّ من غمرة ، والأحوط عدم التأخير إلى ذات عرق إلاّ لمرض أو تقيّة ، فإنّه ميقات العامّة ، لكنّ الأقوى ما هو المشهور ، ويجوز في حال التقيّة الإحرام من أوّله قبل ذات عرق سرّاً، من غير نزع ما عليه من الثياب إلى ذات عرق ، ثمّ إظهاره ولبس ثوبي الإحرام هناك ، بل هو الأحوط، وإن أمكن تجرّده ولبس الثوبين سرّاً ثمّ نزعهما ولبس ثيابه إلى ذات عرق ثمّ التجرّد ولبس الثوبين فهو أولى .
الثالث : الجحفة ، وهي لأهل الشام ومصر ومغرب ومن يمرّ عليها من غيرهم إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها .
الرابع : يلملم ، وهو لأهل اليمن .
الخامس : قرن المنازل ، وهو لأهل الطائف .
السادس : مكّة ، وهي لحجّ التمتّع .
السابع : دويرة الأهل ـ أي المنزل ـ وهي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكّة ، بل لأهل مكّة أيضاً على المشهور الأقوى، وإن استشكل فيه بعضهم ، فإنّهم يحرمون لحجّ القران والإفراد من مكّة ، بل وكذا المجاور الذي انتقل فرضه إلى فرض أهل مكّة ، وإن كان الأحوط إحرامه من الجعرانة ; وهي أحد مواضع أدنى الحلّ ، للصحيحين الواردين فيه ، المقتضي إطلاقهما عدم الفرق بين من انتقل فرضه أو لم
(الصفحة 331)
ينتقل ، وإن كان القدر المتيقّن الثاني ، فلايشمل ما نحن فيه ، لكن الأحوط ما ذكرنا عملاً بإطلاقهما ، والظاهر أنّ الإحرام من المنزل للمذكورين من باب الرخصة ، وإلاّ فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت ، بل لعلّه أفضل ; لبعد المسافة وطول زمان الإحرام .
الثامن : فخّ ، وهو ميقات الصبيان في غير حجّ التمتّع عند جماعة ; بمعنى جواز تأخير إحرامهم إلى هذا المكان لا أنّه يتعيّن ذلك ، ولكن الأحوط ما عن آخرين من وجوب كون إحرامهم من الميقات ، لكن لايجرّدون إلاّ في فخّ ، ثمّ إنّ جواز التأخير على القول الأوّل إنّما هو إذا مرّوا على طريق المدينة ، وأمّا إذا سلكوا طريقاً لايصل إلى فخّ فاللازم إحرامهم من ميقات البالغين .
التاسع : محاذاة أحد المواقيت الخمسة ، وهي ميقات من لم يمرّ على أحدها ، والدليل عليه صحيحتا ابن سنان ، ولايضرّ اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثاليّة منهما وعدم القول بالفصل ، ومقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكّة إذا كان في طريق يحاذي اثنين ، فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكّة . وتتحقّق المحاذاة بأن يصل ـ في طريقه إلى مكّة ـ إلى موضع يكون بينه وبين مكّة باب ; وهي بين ذلك الميقات ومكّة بالخطّ المستقيم ، وبوجه آخر أن يكون الخطّ من موقفه إلى الميقات أقصر الخطوط في ذلك الطريق .
ثمّ إنّ المدار على صدق المحاذاة عرفاً ، فلايكفي إذا كان بعيداً عنه، فيعتبر فيها المسامتة كما لايخفى ، واللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن ، وإلاّ فالظنّ الحاصل من قول أهل الخبرة ، ومع عدمه أيضاً فاللازم الذهاب إلى الميقات أو الإحرام من أوّل موضع احتماله واستمرار النيّة والتلبية إلى آخر مواضعه ، ولايضرّ احتمال كون الإحرام قبل الميقات حينئذ ، مع أنّه لايجوز; لأنّه لا بأس به إذا كان بعنوان الاحتياط ، ولايجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلى المحاذاة ، أو أصالة عدم وجوب
(الصفحة 332)
الإحرام ; لأنّهما لايثبتان كون ما بعد ذلك محاذاة ، والمفروض لزوم كون إنشاء الإحرام من المحاذاة ، ويجوز لمثل هذا الشخص أن ينذر الإحرام قبل الميقات، فيحرم في أوّل موضع الاحتمال أو قبله على ما سيأتي من جواز ذلك مع النذر ، والأحوط في صورة الظنّ أيضاً عدم الاكتفاء به وإعمال أحد هذه الاُمور ، وإن كان الأقوى الاكتفاء ، بل الأحوط عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع إمكان الذهاب إلى الميقات ، لكن الأقوى ما ذكرنا من جوازه مطلقاً .
ثمّ إن أحرم في موضع الظنّ بالمحاذاة ولم يتبيّن الخلاف فلا إشكال ، وإن تبيّن بعد ذلك كونه قبل المحاذاة ولم يتجاوزه أعاد الإحرام . وإن تبيّن كونه قبله وقد تجاوز أو تبيّن كونه بعده ، فإن أمكن العود والتجديد تعيّن ، وإلاّ فيكفي في الصورة الثانية ويجدّد في الاُولى في مكانه ، والأولى التجديد مطلقاً ، ولا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البرّ والبحر .
ثمّ إنّ الظاهر أنّه لايتصوّر طريق لايمرّ على ميقات ولايكون محاذياً لواحد منها ; إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب ، فلابدّ من محاذاة واحد منها ، ولو فرض إمكان ذلك فاللازم الإحرام من أدنى الحلّ . وعن بعضهم أنّه يحرم من موضع يكون بينه وبين مكّة بقدر ما بينها وبين أقرب المواقيت إليها وهو مرحلتان ; لأنّه لايجوز لأحد قطعه إلاّ محرماً ، وفيه : أنّه لادليل عليه ، لكن الأحوط الإحرام منه وتجديده في أدنى الحلّ .
العاشر : أدنى الحلّ ، وهو ميقات العمرة المفردة بعد حجّ القران أو الإفراد ، بل لكلّ عمرة مفردة ، والأفضل أن يكون من الحديبيّة أو الجعرانة أو التنعيم، فإنّها منصوصة ، وهي من حدود الحرم على اختلاف بينها في القرب والبعد ، فإنّ الحديبية بالتخفيف أو التشديد : بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة ، ثمّ اُطلق على الموضع ، ويقال : نصفه في الحلّ ونصفه في الحرم ، والجعرانة بكسر الجيم
(الصفحة 333)
والعين وتشديد الراء ، أو بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء : موضع بين مكّة والطائف على سبعة أميال ، والتنعيم : موضع قريب من مكّة وهو أقرب أطراف الحلّ إلى مكّة ، ويقال : بينه وبين مكّة أربعة أميال ، ويعرف بمسجد عائشة ، كذا في «مجمع البحرين» .
وأمّا المواقيت الخمسة، فعن العلاّمة في «المنتهى» أنّ أبعدها من مكّة ذو الحليفة ، فإنّها على عشرة مراحل من مكّة ، ويليه في البعد الجحفة ، والمواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة ، بينها وبين مكّة ليلتان قاصدتان ، وقيل : إنّ الجحفة على ثلاث مراحل من مكّة .
[3217] مسألة 5 : كلّ من حجّ أو اعتمر على طريق فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق ، وإن كان مُهَلّ أرضه غيره ، كما أشرنا إليه سابقاً ، فلايتعيّن أن يحرم من مهلّ أرضه بالإجماع والنصوص ، منها صحيحة صفوان : «أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)وقّت المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها» .
[3218] مسألة 6 : قد علم ممّا مرّ أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة ، واجباً كان أو مستحبّاً ، من الآفاقي أو من أهل مكّة ، وميقات عمرته أحد المواقيت الخمسة أو محاذاتها كذلك أيضاً ، وميقات حجّ القران والإفراد أحد تلك المواقيت مطلقاً أيضاً ، إلاّ إذا كان منزله دون الميقات أو مكّة ، فميقاته منزله ، ويجوز من أحد تلك المواقيت أيضاً ، بل هو الأفضل ، وميقات عمرتهما أدنى الحلّ إذا كان في مكّة ، ويجوز من أحد المواقيت أيضاً ، وإذا لم يكن في مكّة فيتعيّن أحدها ، وكذا الحكم في العمرة المفردة ; مستحبّة كانت أو واجبة ، وإن نذر الإحرام من ميقات معيّن تعيّن ، والمجاور بمكّة بعد السنتين حاله حال أهلها ، وقبل ذلك حاله حال النائي ، فإذا أراد حجّ الإفراد أو القران يكون ميقاته أحد الخمسة أو محاذاتها ، وإذا أراد العمرة المفردة جاز إحرامها من أدنى الحلّ .
|