(الصفحة 343)
قدّرت عليّ ، الّلهّم إن لم تكن حجّة فعمرة ، اُحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخّي وعصبي من النساء والثياب والطيب ، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة» .
[3242] مسألة 13 : يستحبّ أن يشترط ـ عند إحرامه ـ على الله أن يحلّه إذا عرض مانع من إتمام نسكه من حجّ أو عمرة ، وأن يتمّ إحرامه عمرة إذا كان للحجّ ولم يمكنه الإتيان، كما يظهر من جملة من الأخبار، واختلفوا في فائدة هذا الاشتراط، فقيل : إنّها سقوط الهدي ، وقيل : إنّها تعجيل التحلّل وعدم انتظار بلوغ الهدي محلّه ، وقيل : سقوط الحجّ من قابل ، وقيل : إنّ فائدته إدراك الثواب فهو مستحبّ تعبّدي ، وهذا هو الأظهر ، ويدلّ عليه قوله (عليه السلام)في بعض الأخبار : «هو حلّ حيث حبسه، اشترط أو لم يشترط». والظاهر عدم كفاية النيّة في حصول الاشتراط ، بل لابدّ من التلفّظ ، لكن يكفي كلّ ما أفاد هذا المعنى ، فلايعتبر فيه لفظ مخصوص، وإن كان الأولى التعيين ممّا في الأخبار .
الثاني: من واجبات الإحرام التلبيات الأربع ، والقول بوجوب الخمس أو الستّ ضعيف ، بل ادّعى جماعة الإجماع على عدم وجوب الأزيد من الأربع ، واختلفوا في صورتها على أقوال :
أحدها : أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك» .
الثاني : أن يقول بعد العبارة المذكورة : «إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» .
الثالث : أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لاشريك لك لبّيك» .
الرابع : كالثالث ، إلاّ أنّه يقول : «إنّ الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبّيك» بتقديم لفظ «والملك» على لفظ «لك». والأقوى هو القول الأوّل كما هو صريح صحيحة معاوية بن عمّار ، والزوائد مستحبّة ، والأولى التكرار بالإتيان بكلّ
(الصفحة 344)
من الصور المذكورة ، بل يستحبّ أن يقول كما في صحيحة معاوية بن عمّار : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لاشريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبّيك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك داعياً إلى دار السلام لبّيك ، لبّيك غفّار الذنوب لبّيك ، لبّيك أهل التلبية لبّيك ، لبّيك ذا الجلال والإكرام لبّيك، لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبّيك ، لبّيك تبدأ والمعاد إليك لبّيك، لبّيك كشّاف الكرب العظام لبّيك ، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك ، لبّيك ياكريم لبّيك» .
[3243] مسألة 14 : اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على قواعد العربيّة ، فلايجزئ الملحون مع التمكّن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح ، ومع عدم تمكّنه فالأحوط الجمع بينه وبين الاستنابة ، وكذا لاتجزئ الترجمة مع التمكّن ، ومع عدمه فالأحوط الجمع بينهما وبين الاستنابة ، والأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه ، والأولى أن يجمع بينهما وبين الاستنابة ، ويلبّي عن الصبي الغير المميّز وعن المغمى عليه . وفي قوله : «إنّ الحمد» الخ ، يصحّ أن يقرأ بكسر الهمزة وفتحها ، والأولى الأوّل .
و«لبّيك» مصدر منصوب بفعل مقدّر ; أي ألبّ لك إلباباً بعد إلباب ، أو لبّاً بعد لبّ ; أي إقامة بعد إقامة ، من لبّ بالمكان أو ألبّ ; أي أقام ، والأولى كونه من لبّ ، وعلى هذا فأصله لبّين لك ، فحذف اللام وأضيف إلى الكاف ، فحذف النون ، وحاصل معناه إجابتين لك ، وربما يحتمل أن يكون من لبّ بمعنى واجه ، يقال : داري تلبّ دارك ; أي تواجهها ، فمعناه مواجهتي وقصدي لك ، وأمّا احتمال كونه من لبّ الشيء ; أي خالصه ، فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد ، كما أنّ القول بأنّه كلمة مفردة نظير «على» و«لدى» فاُضيفت إلى الكاف فقلبت ألفه ياء لا وجه له ; لأنّ «على» و«لدى» إذا اُضيفا إلى الظاهر يقال فيهما بالألف كعلى زيد ، ولدى زيد ، وليس لبّى كذلك فإنّه يقال فيه : لبّي زيد بالياء .
(الصفحة 345)
[3244] مسألة 15 : لاينعقد إحرام حجّ التمتّع وإحرام عمرته ، ولا إحرام حجّ الإفراد ولا إحرام العمرة المفردة إلاّ بالتلبية ، وأمّا في حجّ القران فيتخيّر بين التلبية وبين الإشعار أو التقليد ، والإشعار مختصّ بالبدن ، والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي ، والأولى في البدن الجمع بين الإشعار والتقليد ، فينعقد إحرام حجّ القران بأحد هذه الثلاثة ، ولكن الأحوط مع اختيار الإشعار والتقليد ضمّ التلبية أيضاً . نعم ، الظاهر وجوب التلبية على القارن وإن لم يتوقّف انعقاد إحرامه عليها ، فهي واجبة عليه في نفسها ، ويستحبّ الجمع بين التلبية وأحد الأمرين ، وبأيّهما بدأ كان واجباً وكان الآخر مستحبّاً .
ثمّ إنّ الإشعار عبارة عن شقّ السنام الأيمن ; بأن يقوم الرجل من الجانب الأيسر من الهدي ويشقّ سنامه من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بدمه ، والتقليد أن يعلّق في رقبة الهدي نعلاً خَلَقاً قد صلّى فيه .
[3245] مسألة 16 : لاتجب مقارنة التلبية لنيّة الإحرام ، وإن كان أحوط ، فيجوز أن يؤخّرها عن النيّة ولبس الثوبين على الأقوى .
[3246] مسألة 17 : لاتحرم عليه محرّمات الإحرام قبل التلبية وإن دخل فيه بالنيّة ولبس الثوبين ، فلو فعل شيئاً من المحرّمات لايكون آثماً ، وليس عليه كفّارة ، وكذا في القارن إذا لم يأت بها ولا بالإشعار أو التقليد ، بل يجوز له أن يبطل الإحرام ما لم يأت بها في غير القارن، أو لم يأت بها ولا بأحد الأمرين فيه . والحاصل أنّ الشروع في الإحرام وإن كان يتحقّق بالنيّة ولبس الثوبين، إلاّ أنّه لا تحرم عليه المحرّمات ، ولايلزم البقاء عليه إلاّ بها أو بأحد الأمرين، فالتلبية وأخواها بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة .
[3247] مسألة 18 : إذا نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها، وإن لم يتمكّن أتى بها في مكان التذكّر ، والظاهر عدم وجوب الكفّارة عليه إذا كان آتياً بما
(الصفحة 346)
يوجبها ; لما عرفت من عدم انعقاد الإحرام إلاّ بها .
[3248] مسألة 19 : الواجب من التلبية مرّة واحدة . نعم ، يستحبّ الإكثار بها وتكريرها ما استطاع ، خصوصاً في دبر كلّ صلاة فريضة أو نافلة ، وعند صعود شرف أو هبوط واد ، وعند المنام ، وعند اليقظة ، وعند الركوب ، وعند النزول ، وعند ملاقاة راكب ، وفي الأسحار ، وفي بعض الأخبار : «من لبّى في إحرامه سبعين مرّة إيماناً واحتساباً أشهد الله له ألف ألف ملك براءة من النار، وبراءة من النفاق». ويستحبّ الجهر بها خصوصاً في المواضع المذكورة للرجال دون النساء ، ففي المرسل : «أنّ التلبية شعار المحرم ، فارفع صوتك بالتلبية» وفي المرفوعة : لمّا أحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال : «مر أصحابك بالعجّ والثجّ» ، فالعجّ رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ نحر البدن .
[3249] مسألة 20 : ذكر جماعة أنّ الأفضل لمن حجّ على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقاً كما قاله بعضهم ، أو في خصوص الراكب كما قيل ، ولمن حجّ على طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلاً ، ولمن حجّ من مكّة تأخيرها إلى الرقطاء كما قيل ، أو إلى أن يشرف على الأبطح ، لكن الظاهر ـ بعد عدم الإشكال في عدم وجوب مقارنتها للنيّة ولبس الثوبين ـ استحباب التعجيل بها مطلقاً ، وكون أفضليّة التأخير بالنسبة إلى الجهر بها ، فالأفضل أن يأتي بها حين النيّة ولبس الثوبين سرّاً ، ويؤخّر الجهر بها إلى المواضع المذكورة . والبيداء : أرض مخصوصة بين مكّة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكّة . والأبطح : مسيل وادي مكّة ، وهو مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، أوّله عند منقطع الشعب بين وادي منى ، وآخره متّصل بالمقبرة التي تسمّى بالمعلّى عند أهل مكّة ، والرَقطاء : موضع دون الردم يسمّى مَدعى ، ومدعى الأقوام مجتمع قبائلهم ، والردم حاجز يمنع السيل عن البيت ، ويعبّر عنه بالمدعى .
(الصفحة 347)
[3250] مسألة 21 : المعتمر عمرة التمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة في الزمن القديم ، وحدّها لمن جاء على طريق المدينة عقبة المدنيّين ، وهو مكان معروف ، والمعتمر عمرة مفردة عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم ، وعند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من مكّة لإحرامها ، والحاجّ ـ بأيّ نوع من الحجّ ـ يقطعها عند الزوال من يوم عرفة ، وظاهرهم أنّ القطع في الموارد المذكورة على سبيل الوجوب، وهو الأحوط ، وقد يقال : بكونه مستحبّاً .
[3251] مسألة 22 : الظاهر أنّه لايلزم في تكرار التلبية أن يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام ، بل ولا بإحدى الصور المذكورة في الأخبار ، بل يكفي أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك». بل لايبعد كفاية تكرار لفظ «لبّيك» .
[3252] مسألة 23 : إذا شكّ بعد الإتيان بالتلبية أنّه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحّة .
[3253] مسألة 24 : إذا أتى بالنيّة ولبس الثوبين وشكّ في أنّه أتى بالتلبية أيضاً حتّى يجب عليه ترك المحرّمات أو لا ، يبني على عدم الإتيان لها ، فيجوز له فعلها ولا كفّارة عليه .
[3254] مسألة 25 : إذا أتى بما يوجب الكفّارة وشكّ في أنّه كان بعد التلبية حتّى تجب عليه أو قبلها ، فإن كانا مجهولي التاريخ أو كان تاريخ التلبية مجهولاً لم تجب عليه الكفّارة ، وإن كان تاريخ إتيان الموجب مجهولاً فيحتمل أن يقال بوجوبها ; لأصالة التأخّر ، لكن الأقوى عدمه ; لأنّ الأصل لايثبت كونه بعد التلبية .
الثالث : من واجبات الإحرام لبس الثوبين بعد التجرّد عمّا يجب على المحرم اجتنابه ، يتّزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ، والأقوى عدم كون لبسهما شرطاً في تحقّق الإحرام ، بل كونه واجباً تعبّديّاً ، والظاهر عدم اعتبار كيفيّة مخصوصة في لبسهما ، فيجوز الاتّزار بأحدهما كيف شاء ، والارتداء بالآخر أو التوشّح به أو غير
|