(الصفحة 482)
لا تضمن إلاّ بالاستيفاء لا وجه له; لأنّ منافعه بعد العقد عليها صارت مالاً
للمستحقّ، فإذا بذلها ولم يقبل كان تلفها منه، مع أنّا لا نسلّم أنّ منافعه لا تضمن إلاّ
بالاستيفاء، بل تضمن بالتفويت أيضاً إذا صدق ذلك، كما إذا حبسه وكان كسوباً،
فإنّه يصدق في العرف أنّه فوّت عليه(1) كذا مقداراً. هذا، ولو استأجره لقلع ضرسه
فزال الألم بعد العقد لم تثبت الاُجرة لانفساخ(2) الإجارة حينئذ.
[3286] مسألة 4 : إذا تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت
الإجارة، وكذا إذا تلفت عقيب قبضها بلا فصل، وأمّا إذا تلفت بعد استيفاء(3)
منفعتها في بعض المدّة فتبطل بالنسبة إلى بقيّة المدّة، فيرجع من الاُجرة بما قابل
المتخلّف من المدّة إن نصفاً فنصف، وإن ثلثاً فثلث، مع تساوي الأجزاء بحسب
الأوقات، ومع التفاوت تلاحظ النسبة.
[3287] مسألة 5 : إذا حصل الفسخ في أثناء المدّة بأحد أسبابه تثبت الاُجرة
المسمّـاة بالنسبة إلى ما مضى، ويرجع منها بالنسبة إلى مابقي، كما ذكرنا فى البطلان
على المشهور، ويحتمل(4) قريباً أن يرجع تمام المسمّى ويكون للمؤجر اُجرة المثل
- (1) لكن لا دليل على أنّ التفويت موجب للضمان، فالظاهر عدم الضمان.
- (2) لا دليل على الانفساخ إلاّ فيما إذا صار القلع محرّماً، بل يمكن دعوى عدم الانفساخ في هذه الصورة أيضاً، ولكنّها مشكلة.
- (3) أو مضى مدّة يمكنه فيها الاستيفاء، وإن لم يستوف وكانت بعض المدّة لا تمامها.
- (4) الظاهر هو التفصيل بين الموارد، فإن كان سبب الفسخ هو اشتراط الخيار في متن العقد فالظاهر أنّه تابع لكيفيّة الاشتراط من جهة التأثير من الأصل أو من الحين، وإن كان السبب هو الخيار الذي مستنده قاعدة نفي الضرر، كخيار الغبن ونحوه فاللازم ملاحظة أنّ الضرر هل يندفع بالانحلال من الحين أو بالانفساخ من الأصل، وإن كان السبب هو الخيار الثابت بمقتضى الأدلّة الخاصّة كخيار العيب ونحوه فاللازم ملاحظتها، ولا يبعد دعوى كون الظاهر أو المتيقّن منها هو الفسخ في المجموع.
(الصفحة 483)
بالنسبة إلى ما مضى; لأنّ المفروض أنّه يفسخ العقد الواقع أوّلاً، ومقتضى الفسخ
عود كلّ عوض إلى مالكه، بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في صورة البطلان
أيضاً، لكنّه بعيد.
[3288] مسألة6: إذا تلف بعض العين المستأجرة تبطل بنسبته(1) ويجيء خيار
تبعّض الصفقة.
[3289] مسألة 7 : ظاهر كلمات العلماء أنّ الاُجرة من حين العقد مملوكة للمؤجر
بتمامها، وبالتلف قبل القبض أو بعده أو في أثناء المدّة ترجع إلى المستأجر كلاّ أو
بعضاً من حين البطلان، كما هو الحال عندهم في تلف المبيع قبل القبض، لا أن
يكون كاشفاً عن عدم ملكيّتها من الأوّل، وهو مشكل; لأنّ مع التلف ينكشف
عدم كون المؤجر مالكاً للمنفعة إلى تمام المدّة، فلم ينتقل ما يقابل المتخلّف من
الأوّل إليه، وفرق واضح بين تلف المبيع قبل القبض وتلف العين هنا; لأنّ المبيع
حين بيعه كان مالاً(2) موجوداً قوبل بالعوض، وأمّا المنفعة في المقام فلم تكن
موجودة حين العقد ولا في علم الله إلاّ بمقدار بقاء العين. وعلى هذا فإذا تصرّف في
الاُجرة يكون تصرّفه بالنسبة إلى ما يقابل المتخلّف فضوليّاً، ومن هذا يظهر أنّ
وجه البطلان في صورة التلف ـكلاّ أو بعضاًـ انكشاف عدم الملكيّة للمعوّض.
- (1) إلاّ فيما إذا كان تلف البعض موجباً لانعدام المنفعة وزوالها رأساً، كما في استئجار بقرين لحرث الأرض إذا فرض تقوّم الغرض بهما جميعاً كما في بعض البلاد، فإنّ الظاهر في مثل ذلك البطلان رأساً.
- (2) ولكن العوض المبذول بإزائه لم يبذل باعتبار هذه المالية المحدودة، وإلاّ لم يكن وجه للانفساخ، بل باعتبار ثبوت اقتضاء البقاء فيه وكون التلف أمراً طارئاً على خلاف الأصل، وهذا التقريب جار في المنفعة أيضاً، فإنّ تلف العين المستلزم لتلف المنفعة لا يوجب خللاً فيانعقاد الإجارة بعد ثبوت هذاالاقتضاء المذكور فيها، وعليه فالحكم في المقامين واحد، وما استظهره من كلمات العلماء ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ في محلّه.
(الصفحة 484)
[3290] مسألة 8 : إذا آجر دابّة كلّيّة ودفع فرداً منها فتلف لاتنفسخ الإجارة، بل
ينفسخ الوفاء(1)، فعليه أن يدفع فرداً آخر.
[3291] مسألة 9 : إذا آجره داراً فانهدمت، فإن خرجت عن الانتفاع بالمرّة(2)
بطلت، فإن كان قبل القبض أو بعده قبل أن يسكن فيها أصلاً رجعت الاُجرة
بتمامها، وإلاّ فبالنسبة(3)، ويحتمل تمامها في هذه الصورة أيضاً، ويضمن اُجرة المثل
بالنسبة إلى ما مضى، لكنّه بعيد. وإن أمكن الانتفاع بها مع ذلك كان للمستأجر
الخيار بين الإبقاء والفسخ، وإذا فسخ كان حكم الاُجرة ماذكرنا، ويقوى هنا(4)
رجوع تمام المسمّى مطلقاً ودفع اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى; لأنّ هذا هو
مقتضى فسخ العقد كما مرّ سابقاً، وإن انهدم بعض بيوتها بقيت الإجارة بالنسبة إلى
البقيّة، وكان للمستأجر خيار تبعّض الصفقة، ولو بادر المؤجر إلى تعميرها بحيث
لم يفت الانتفاع أصلاً ليس للمستأجر الفسخ حينئذ على الأقوى، خلافاً للثانيين.
[3292] مسألة 10 : إذا امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه، وإن لم
يمكن إجباره للمستأجر فسخ الإجارة والرجوع بالاُجرة، وله الإبقاء ومطالبة عوض
المنفعة الفائتة، وكذا إن أخذها(5) منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة، ومع
الفسخ في الأثناء يرجع بما يقابل المتخلّف من الاُجرة، ويحتمل(6) قويّاً رجوع تمام
الاُجرة ودفع اُجرة المثل لما مضى، كما مرّ نظيره سابقاً; لأنّ مقتضى فسخ العقد عود
- (1) في التعبير مسامحة واضحة.
- (2) أو عن الانتفاع الذي استأجرها له بنحو التقييد ووحدة المطلوب.
- (3) ويثبت للمستأجر حينئذ خيار التبعّض، وعلى تقدير الفسخ ترجع الاُجرة بتمامها.
- (4) مرّ ما هو مقتضى التحقيق.
- (5) ثبوت الخيار في صورة الأخذ بعد التسليم مشكل.
- (6) مرّ مقتضى التحقيق في المسألة الخامسة.
(الصفحة 485)
تمام كلّ من العوضين إلى مالكهما الأوّل، لكن هذا الاحتمال خلاف فتوى المشهور.
[3293] مسألة 11 : إذا منعه ظالم عن الانتفاع بالعين قبل القبض تخيّر بين الفسخ
والرجوع بالاُجرة، وبين الرجوع على الظالم بعوض ما فات، ويحتمل قويّاً(1) تعيّن
الثاني، وإن كان منع الظالم أو غصبه بعد القبض يتعيّن الوجه الثاني، فليس له
الفسخ حينئذ، سواء كان بعد القبض في ابتداء المدّة أو في أثنائها، ثمّ لو أعاد(2) الظالم
العين المستأجرة في أثناء المدّة إلى المستأجر فالخيار باق، لكن ليس له الفسخ إلاّ في
الجميع، وربما يحتمل جواز الفسخ بالنسبة إلى ما مضى من المدّة في يد الغاصب،
والرجوع بقسطه من المسمّى واستيفاء باقي المنفعة، وهو ضعيف; للزوم(3)
التبعيض في العقد، وإن كان يشكل الفرق بينه وبين ما ذكر من مذهب المشهور من
إبقاء العقد فيما مضى وفسخه فيما بقي; إذ إشكال تبعيض العقد مشترك بينهما.
[3294] مسألة 12 : لو حدث للمستأجر عذر في الاستيفاء، كما لو استأجر دابّة
لتحمله إلى بلد فمرض المستأجر ولم يقدر فالظاهر البطلان إن اشترط المباشرة على
وجه القيديّة، وكذا لو حصل له عذر آخر، ويحتمل(4) عدم البطلان. نعم، لو كان
هناك عذر عامّ بطلت قطعاً; لعدم قابليّة العين للاستيفاء حينئذ.
[3295] مسألة 13 : التلف السماوي للعين المستأجرة أو لمحلّ العمل موجب
- (1) أي فيما هو المفروض من كون المنع متوجّهاً إلى المستأجر، والممنوع عنه هو الانتفاع بالعين; لعدم الفرق حينئذ بين ما إذا كان المنع قبل القبض أو بعده، وأمّا إذا كان المنع متوجّهاً إلى المؤجر والممنوع عنه هو الإقباض فلا وجه لهذا الاحتمال أصلاً.
- (2) أي في الصورة الاُولى التي حكم فيها بالخيار، وحينئذ فالتعبير بالإعادة فيه مسامحة واضحة; لعدم كون العين في يد المستأجر في زمان أصلاً.
- (3) لا للزوم التبعيض حتّى يشكل الفرق بينه وبين ما ذكر من مذهب المشهور، بل لأجل عدم تأثير الفسخ في الزمان السابق بعد وقوع الإجارة صحيحة، وعليه فالفرق ظاهر.
- (4) وهذا هو الأظهر.
(الصفحة 486)
للبطلان، ومنه إتلاف الحيوانات. وإتلاف المستأجر بمنزلة(1) القبض، وإتلاف
المؤجر موجب للتخيير بين ضمانه والفسخ، وإتلاف الأجنبي موجب لضمانه،
والعذر العامّ بمنزلة التلف. وأمّا العذر الخاصّ بالمستأجر، كما إذا استأجر دابّة
لركوبه بنفسه فمرض ولم يقدر على المسافرة، أو رجلاً لقلع سنّه فزال ألمه أو نحو
ذلك ففيه إشكال(2)، ولايبعد أن يقال: إنّه يوجب البطلان إذا كان بحيث لو كان
قبل العقد لم يصحّ معه العقد.
[3296] مسألة 14 : إذا آجرت الزوجة نفسها بدون إذن الزوج فيما ينافي حقّ
الاستمتاع وقفت(3) على إجازة الزوج، بخلاف ما إذا لم يكن منافياً فإنّها صحيحة،
وإذا اتّفق إرادة الزوج للاستمتاع كشف عن فسادها.
[3297] مسألة 15 : قد ذكر سابقاً أنّ كلاّ من المؤجر والمستأجر يملك ما انتقل
إليه بالإجارة بنفس العقد، ولكن لايجب تسليم أحدهما إلاّ بتسليم الآخر، وتسليم
المنفعة بتسليم العين، وتسليم الاُجرة بإقباضها، إلاّ إذا كانت منفعة أيضاً فبتسليم
العين التي تستوفى منها، ولايجب على واحد منهما الابتداء بالتسليم، ولو تعاسرا
- (1) لم يدلّ دليل على هذه المنزلة، بل الظاهر أنّ صور الإتلاف الأربعة يجري فيها حكم صورة التلف وهو البطلان. غاية الأمر ضمان المتلف للمالك إذا لم يكن نفسه ولم يكن حيواناً.
- (2) قد مرّ منه استظهار البطلان فيما إذا اشترط المباشرة على وجه القيديّة، ومرّ منّا أنّ الأظهر هو العدم مطلقاً في استئجار الدابّة، وأمّا استئجار الرجل لقلع السنّ فقد عرفت أنّه لا دليل على الانفساخ فيما إذا لم يكن القلع محرّماً، وفي هذه الصورة يشكل الحكم، وأمّا ما ذكره من الضابط فغير مستقيم لعدم التلازم.
- (3) الظاهر هو الصحّة ولو مع منع الزوج; لعدم المنافاة بين الاستحقاقين; لتحقّق الاعتبار بالإضافة إليهما وعدم كون اعتبار القدرة على التسليم على فرضه موجباً للمنع بعد عدم الإخلال به.