(الصفحة 497)
الدابّة لركوبه نفسه(1)، فلايجوز إجارتها من آخر، كما أنّه إذا اشترط المؤجر عدم
إجارتها من غيره أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه كذلك أيضاً; أي لايجوز
إجارتها من الغير.
نعم، لو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه ولم يشترط كونها لنفسه جاز أيضاً
إجارتها من الغير بشرط أن يكون هو المباشر للاستيفاء لذلك الغير، ثمّ لو خالف
وآجر في هذه الصور، ففي الصورة الاُولى ـوهي ما إذا استأجر الدابّة لركوبه
نفسهـ بطلت; لعدم كونه مالكاً إلاّ ركوبه نفسه، فيكون المستأجر الثاني ضامناً
لاُجرة المثل للمالك إن استوفى المنفعة، وفي الصورة الثانية والثالثة في بطلان
الإجارة وعدمه وجهان(2) مبنيّان على أنّ التصرّف المخالف للشرط باطل لكونه
مفوّتاً لحقّ الشرط، أولا، بل حرام وموجب للخيار، وكذا في الصورة الرابعة إذا لم
يستوف هو بل سلّمها إلى ذلك الغير.
[3318] مسألة 1 : يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة وما بمعناها أن
يؤجر العين المستأجرة بأقلّ ممّا استأجر، وبالمساوي له مطلقاً أيّ شيء كانت بل
بأكثر منه أيضاً إذا أحدث فيها حدثاً، أو كانت الاُجرة من غير جنس الاُجرة
- (1) في صحّة هذا النحو من الإجارة بناءً على ما هو المعروف عندهم في معنى الاجارة من كونها عبارة عن تمليك المنفعة إشكال; لعدم بقاء الفرق حينئذ بينها وبين العارية المتقوّمة بملك الانتفاع، فلا فرق عليه بين الدابّة المستأجرة المفروضة وبين الدابّة المستعارة، وكذا اشتراط عدم الإجارة من الغير إذا لم يكن الغرض عدم النقل بعنوان الإجارة فقط، ولم يكن المراد من الغير غير المؤجر، بل أعمّ منه ومن غير المستأجر، وكذا اشتراط استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه، فإنّ الصحّة في جميع الصور الثلاثة على المذهب المشهور في معنى الإجارة مشكلة.
- (2) أوجههما الأوّل لا لما أفاده من التعليل بل لصحيح عليّ بن جعفر(عليه السلام) على ما يقتضيه التأمّل فيه.
(الصفحة 498)
السابقة، بل مع عدم الشرطين أيضاً فيما عدا البيت والدار والدكّان والأجير، وأمّا
فيها فإشكال(1)، فلايترك الاحتياط بترك إجارتها بالأكثر، بل الأحوط إلحاق
الرحى والسفينة بها أيضاً في ذلك، والأقوى جواز ذلك مع عدم الشرطين في
الأرض على كراهة; وإن كان الأحوط الترك فيها أيضاً، بل الأحوط الترك في
مطلق الأعيان إلاّ مع إحداث حدث فيها، هذا. وكذا لايجوز أن يؤجر بعض أحد
الأربعة المذكورة بأزيد من الاُجرة، كما إذا استأجر داراً بعشرة دنانير وسكن
بعضها وآجر البعض الآخر بأزيد من العشرة، فإنّه لايجوز بدون إحداث
حدث(2)، وأمّا لو آجر بأقلّ من العشرة فلا إشكال، والأقوى الجواز بالعشرة
أيضاً، وإن كان الأحوط تركه.
[3319] مسألة 2 : إذا تقبّل عملاً من غير اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف
إليها يجوز أن يوكّله إلى عبده أو صانعه أو أجنبي، ولكن الأحوط عدم تسليم
متعلّق العمل كالثوب ونحوه إلى غيره من دون إذن المالك، وإلاّ ضمن(3)، وجواز
الإيكال لايستلزم جواز الدفع، كما مرّ نظيره في العين المستأجرة، فيجوز له
استئجار غيره لذلك العمل بمساوي الاُجرة التي قرّرها في إجارته أو أكثر، وفي
جواز استئجار الغير بأقلّ من الاُجرة إشكال، إلاّ أن يحدث حدثاً أو يأتي ببعض،
فلو آجر نفسه لخياطة ثوب بدرهم يشكل استئجار غيره لها بأقلّ منه، إلاّ أن
يفصله أو يخيط شيئاً منه ولو قليلاً، بل يكفي(4) أن يشتري الخيط أو الإبرة في
جواز الأقلّ، وكذا لو آجر نفسه لعمل صلاة سنة أو صوم شهر بعشرة دراهم مثلا
- (1) بل الأقوى عدم الجواز.
- (2) أو الشرط الآخر المتقدّم.
- (3) قد عرفت جواز التسليم وعدم ثبوت الضمان.
- (4) الظاهر عدم كفاية مثل ذلك بمجرّده.
(الصفحة 499)
في صورة عدم اعتبار المباشرة يشكل استئجار غيره بتسعة مثلا، إلاّ أن يأتي
بصلاة واحدة أو صوم يوم واحد مثلا.
[3320] مسألة 3 : إذا استؤجر لعمل في ذمّته لا بشرط المباشرة يجوز تبرّع الغير
عنه، وتفرغ ذمّته بذلك، ويستحقّ الاُجرة المسمّـاة. نعم، لو أتى بذلك العمل
المعيّن غيره لابقصد التبرّع عنه لايستحقّ الاُجرة المسمّـاة، وتنفسخ الإجارة
حينئذ لفوات المحلّ، نظير ما مرّ سابقاً من الإجارة على قلع السنّ فزال ألمه، أو
لخياطة ثوب فسرق أو حرق.
[3321] مسألة 4 : الأجير الخاصّ ـ وهو من آجر نفسه على وجه يكون جميع
منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة، أو على وجه تكون منفعته الخاصّة كالخياطة مثلا
له، أو آجر نفسه لعمل مباشرة(1) مدّة معيّنة، أو كان اعتبار المباشرة أو كونها في
تلك المدّة أو كليهما على وجه الشرطيّة(2) لا القيديّة ـ لايجوز له أن يعمل في تلك
المدّة لنفسه أو لغيره بالإجارة أو الجعالة أو التبرّع عملاً ينافي حقّ المستأجر إلاّ مع
إذنه، ومثل تعيين المدّة تعيين أوّل زمان العمل بحيث لايتوانى فيه إلى الفراغ. نعم،
لابأس بغير المنافي، كما إذا عمل البنّاء لنفسه أو لغيره في الليل، فإنّه لا مانع منه إذا لم
يكن موجباً لضعفه في النهار، ومثل إجراء عقد أو إيقاع أو تعليم أو تعلّم في أثناء
الخياطة ونحوها; لانصراف المنافع عن مثلها.
هذا، ولو خالف وأتى بعمل مناف لحقّ المستأجر، فإن كانت الإجارة على
الوجه الأوّل; بأن يكون جميع منافعه للمستأجر وعمل لنفسه في تمام المدّة أو
- (1) أي بنحو التقييد.
- (2) لكنّه ليس من مصاديق الأجير الخاص، وإن كان مماثلاً له باعتبار الحكم بعدم الجواز المذكور في المتن، ومنه يعلم أنّ المراد بالجواز هو الجواز التكليفي لا الوضعي.
(الصفحة 500)
بعضها، فللمستأجر أن يفسخ ويسترجع تمام الاُجرة المسمّـاة أو بعضها(1)، أو
يبقيها ويطالب عوض الفائت(2) من المنفعة بعضاً أو كلاّ، وكذا إن عمل للغير تبرّعاً.
ولايجوز له على فرض عدم الفسخ مطالبة الغير المتبرّع له بالعوض، سواء كان
جاهلاً بالحال أو عالماً; لأنّ المؤجر هو الذي أتلف المنفعة عليه دون ذلك الغير،
وإن كان ذلك الغير آمراً(3) له بالعمل، إلاّ إذا فرض على وجه يتحققّ معه صدق
الغرور(4)، وإلاّ فالمفروض أنّ المباشر للإتلاف هو المؤجر، وإن كان عمل للغير
بعنوان الإجارة أو الجعالة فللمستأجر أن يجيز ذلك، ويكون له الاُجرة المسمّـاة
في تلك الإجارة أو الجعالة، كما أنّ له الفسخ والرجوع إلى الاُجرة المسمّـاة، وله
الإبقاء ومطالبة(5) عوض المقدار الذي فات، فيتخيّر بين الاُمور الثلاثة.
وإن كانت الإجارة على الوجه الثاني ـوهو كون منفعته الخاصّة للمستأجرـ
فحاله كالوجه الأوّل، إلاّ إذا كان العمل للغير على وجه الإجارة أو الجعالة ولم يكن
- (1) يشكل هذا لاستلزامه التبعيض في الخيار.
- (2) التعبير بالفوت إنّما يلائم مع تعيين المنفعة عليه من قبل المستأجر; بأن عيّن له خياطة ثوبه مثلاً فخالف وعمل عملاً لنفسه، وأمّا مع عدم التعيين فلا يصدق عنوان «الفوت» وعليه فالمراد بعوض الفائت هو اُجرة مثل العمل الذي عمله لنفسه، وفي الصورة الاُولى يكون المراد به هو عوض المنفعة المعيّنة، ولا يبعد جواز رجوعه إلى اُجرة مثل العمل الذي عمله أيضاً.
- (3) لا يبعد جواز الرجوع إلى المستوفي إذا كان آمراً كما هو المفروض.
- (4) كما إذا ادّعى الغير الوكالة من قبل المستأجر والاستئذان عنه في استيفاء منفعة الأجير وكان الأجير معتقداً بصدقه ثمّ انكشف الخلاف بعد الاستيفاء لكن صدق الغرور لا يصحّح الاستثناء; لأنّ الذي يرجع إلى الغارّ إنّما هو المغرور لا المستأجر كما هو المدّعى.
- (5) قد مرّ أنّ مطالبة عوض المقدار الذي فات لا تنافي جواز رجوعه إلى اُجرة مثل العمل الذي عمله لا للمستأجر، فلا يبعد جواز رجوعه إلى اُجرتين.
(الصفحة 501)
من نوع العمل المستأجر عليه; كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة الخيّاطي
فآجر(1) نفسه للغير للكتابة، أو عمل الكتابة بعنوان الجعالة، فإنّه ليس للمستأجر
إجازة ذلك; لأنّ المفروض أنّه مالك لمنفعة الخيّاطي، فليس له إجازة العقد الواقع
على الكتابة، فيكون مخيّراً بين الأمرين; من الفسخ واسترجاع الاُجرة المسمّـاة،
والإبقاء ومطالبة عوض الفائت.
وإن كانت على الوجه الثالث فكالثاني، إلاّ أنّه لا فرق فيه في عدم صحّة
الإجازة بين ما إذا كانت الإجارة أو الجعالة واقعة على نوع العمل المستأجر عليه
أو على غيره، إذ ليست منفعة الخياطة مثلا مملوكة للمستأجر حتّى يمكنه إجازة
العقد الواقع عليها، بل يملك(2) عمل الخياطة في ذمّة المؤجر.
- (1) يمكن أن يقال ببطلان الإجارة في هذه الصورة; لعدم كون الأجير مالكاً لمنفعة الكتابي بعد تمليك منفعة الخياطي للمستأجر، وبعد ثبوت التضادّ بينهما كما هو المفروض; لأنّ تضاد المنافع وعدم تعانقها في الوجود وإن لم يكن منافياً لملكيّتها بأجمعها إلاّ أنّ سبق تمليك إحداها للغير ينافي اعتبار بقاء الملكية بالإضافة إلى الاُخرى، وعليه فكيف يتحقّق التمليك. نعم، هنا رواية واحدة معتبرة تدلّ على صحّة المعاملة الثانية إذا كانت مع إذن المستأجر أو إجازته.
- (2) ولكنّه على نحو تكون الخياطة للآخر مضادّة للعمل المستأجر عليه كما هو المفروض، وعليه فيجري فيه الاحتمال الذي ذكرناه في الحاشية السابقة، وأمّا على مبنى الماتن من عدم كون التضادّ مانعاً عن الملكية والتمليك فالفرق بين الصورتين واضح، والإيراد عليه باقتضاء هذا الفرق أنّه لو آجر نفسه للخياطة مثلاً للغير في الذمّة في الصورتين الأوّلتين لما كان تصحيحها بإجازة المستأجر ممكناً; لعدم كونه مالكاً لما في ذمّته واضح الدفع، فإنّه بعد كون جميع المنافع أو خصوص منفعة الخياطي في زمان معيّن ملكاً للمستأجر لا مجال لاعتبار الملكية بالإضافة إلى الذمّة في ذلك المقدار من الزمان، فكيف يصحّ أن يؤجر نفسه من المستأجر الثاني حتّى يحتاج إلى الإجازة، وهذا بخلاف ما لو كانت الإجارة بنحو الفرض الثالث.