(الصفحة 501)
من نوع العمل المستأجر عليه; كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة الخيّاطي
فآجر(1) نفسه للغير للكتابة، أو عمل الكتابة بعنوان الجعالة، فإنّه ليس للمستأجر
إجازة ذلك; لأنّ المفروض أنّه مالك لمنفعة الخيّاطي، فليس له إجازة العقد الواقع
على الكتابة، فيكون مخيّراً بين الأمرين; من الفسخ واسترجاع الاُجرة المسمّـاة،
والإبقاء ومطالبة عوض الفائت.
وإن كانت على الوجه الثالث فكالثاني، إلاّ أنّه لا فرق فيه في عدم صحّة
الإجازة بين ما إذا كانت الإجارة أو الجعالة واقعة على نوع العمل المستأجر عليه
أو على غيره، إذ ليست منفعة الخياطة مثلا مملوكة للمستأجر حتّى يمكنه إجازة
العقد الواقع عليها، بل يملك(2) عمل الخياطة في ذمّة المؤجر.
- (1) يمكن أن يقال ببطلان الإجارة في هذه الصورة; لعدم كون الأجير مالكاً لمنفعة الكتابي بعد تمليك منفعة الخياطي للمستأجر، وبعد ثبوت التضادّ بينهما كما هو المفروض; لأنّ تضاد المنافع وعدم تعانقها في الوجود وإن لم يكن منافياً لملكيّتها بأجمعها إلاّ أنّ سبق تمليك إحداها للغير ينافي اعتبار بقاء الملكية بالإضافة إلى الاُخرى، وعليه فكيف يتحقّق التمليك. نعم، هنا رواية واحدة معتبرة تدلّ على صحّة المعاملة الثانية إذا كانت مع إذن المستأجر أو إجازته.
- (2) ولكنّه على نحو تكون الخياطة للآخر مضادّة للعمل المستأجر عليه كما هو المفروض، وعليه فيجري فيه الاحتمال الذي ذكرناه في الحاشية السابقة، وأمّا على مبنى الماتن من عدم كون التضادّ مانعاً عن الملكية والتمليك فالفرق بين الصورتين واضح، والإيراد عليه باقتضاء هذا الفرق أنّه لو آجر نفسه للخياطة مثلاً للغير في الذمّة في الصورتين الأوّلتين لما كان تصحيحها بإجازة المستأجر ممكناً; لعدم كونه مالكاً لما في ذمّته واضح الدفع، فإنّه بعد كون جميع المنافع أو خصوص منفعة الخياطي في زمان معيّن ملكاً للمستأجر لا مجال لاعتبار الملكية بالإضافة إلى الذمّة في ذلك المقدار من الزمان، فكيف يصحّ أن يؤجر نفسه من المستأجر الثاني حتّى يحتاج إلى الإجازة، وهذا بخلاف ما لو كانت الإجارة بنحو الفرض الثالث.
(الصفحة 502)
وإن كانت على الوجه الرابع ـ وهوكون اعتبار المباشرة أو المدّة المعيّنة على
وجه الشرطيّة لا القيديّة ـ ففيه وجهان; يمكن أن يقال بصحّة العمل(1) للغير
بعنوان الإجارة أو الجعالة من غير حاجة إلى الإجازة، وإن لم يكن جائزاً من حيث
كونه مخالفة للشرط الواجب العمل، غاية ما يكون أنّ للمستأجر خيار تخلّف
الشرط، ويمكن أن يقال بالحاجة إلى الإجازة; لأنّ الإجارة أو الجعالة منافية لحقّ
الشرط، فتكون باطلة بدون الإجازة.
[3322] مسألة 5 : إذا آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو مع تعيين
المدّة، أو من غير تعيين المدّة ولو مع اعتبار المباشرة جاز عمله للغير، ولو على
وجه الإجارة قبل الإتيان بالمستأجر عليه; لعدم منافاته له من حيث إمكان
تحصيله، لا بالمباشرة أو بعد العمل للغير; لأنّ المفروض عدم تعيين المباشرة أو
عدم تعيين المدّة. ودعوى أنّ إطلاق العقد من حيث الزمان يقتضي وجوب
التعجيل ممنوعة(2)، مع أنّ لنا أن نفرض الكلام فيما لو كانت قرينة على عدم إرادة
التعجيل.
[3323] مسألة 6 : لو استأجر دابّة لحمل متاع معيّن شخصي أو كلّي على وجه
التقييد، فحملها غير ذلك المتاع، أو استعملها في الركوب لزمه الاُجرة المسمّـاة
واُجرة المثل(3) لحمل المتاع الآخر أو للركوب، وكذا لو استأجر عبداً للخياطة
- (1) وهذا هو الأظهر.
- (2) لكنّه تقدّم منه أنّ الإطلاق يقتضي التعجيل العرفيّ، وذكرنا هناك أنّه لا يجتمع هذا مع الحكم بلزوم تعيين المدّة، كما صرّح به الماتن(قدس سره).
- (3) هذا ما تقتضيه القاعدة، ومقتضى صحيحة أبي ولاّد عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ المعروفة ـ لزوم اُجرة المثل فقط، وموردها بقرينة التعارف ما لو كانت اُجرة المثل أكثر من الاُجرة المسمّاة، فلا دلالة لها على لزوم اُجرة المثل مطلقاً.
(الصفحة 503)
فاستعمله في الكتابة، بل وكذا لو استأجر حرّاً لعمل معيّن في زمان معيّن وحمله
على غير ذلك العمل مع تعمّده وغفلة ذلك الحرّ واعتقاده أنّه العمل المستأجر عليه،
ودعوى أنّ ليس للدابّة في زمان واحد منفعتان متضادّتان، وكذا ليس للعبد في
زمان واحد إلاّ إحدى المنفعتين من الكتابة أو الخياطة، فكيف يستحقّ اُجرتين؟!
مدفوعة بأنّ المستأجر بتفويته على نفسه واستعماله في غير ما يستحقّ كأنّه(1)
حصل له منفعة اُخرى.
[3324] مسألة 7 : لو آجر نفسه للخياطة مثلا في زمان معيّن، فاشتغل بالكتابة
للمستأجر مع علمه بأنّه غير العمل المستأجر عليه لم يستحقّ شيئاً(2); أمّا الاُجرة
المسمّـاة فلتفويتها على نفسه بترك الخياطة، وأمّا اُجرة المثل للكتابة مثلا فلعدم
كونها مستأجراً عليها، فيكون كالمتبرّع بها، بل يمكن أن يقال بعدم استحقاقه لها،
ولو كان مشتبهاً غير متعمّد، خصوصاً مع جهل المستأجر بالحال.
[3325] مسألة 8 : لو آجر دابّته لحمل متاع زيد من مكان إلى آخر فاشتبه
وحمّلها متاع عمرو لم يستحقّ الاُجرة على زيد(3) ولا على عمرو.
[3326] مسألة 9 : لو آجر دابّته من زيد مثلا، فشردت قبل التسليم إليه
أو بعدهفي أثناء المدّة بطلت الإجارة(4)، وكذا لو آجر عبده فأبق. ولو
غصبهما غاصب، فإن كان قبل التسليم فكذلك، وإن كان بعده يرجع المستأجر
- (1) بل حقيقة له منفعة اُخرى، ولا مانع من ملكية المنفعتين المتضادّتين، كما رتّب عليها الأثر في المسألة الرابعة.
- (2) مع فسخ المستأجر، وأمّا مع عدمه فعلى الأجير عوض الخياطة وله الاُجرة المسمّاة.
- (3) أي مع الفسخ كما مرّ.
- (4) مطلقاً في الصورة الاُولى، وبالإضافة إلى خصوص المدّة الباقية في الصورة الثانية، وللمستأجر في هذه الصورة الفسخ بالنسبة إلى المدّة الماضية.
(الصفحة 504)
على الغاصب بعوض المقدار الفائت من المنفعة، ويحتمل(1) التخيير بين
الرجوع على الغاصب وبين الفسخ في الصورة الاُولى; وهو ما إذا كان الغصب قبل
التسليم.
[3327] مسألة 10 : إذا آجر سفينته لحمل الخلّ مثلا من بلد إلى بلد فحملها
المستأجر خمراً لم يستحقّ المؤجر إلاّ الاُجرة المسمّـاة، ولايستحقّ(2) اُجرة المثل
لحمل الخمر; لأنّ أخذ الاُجرة عليه حرام، فليست هذه المسألة مثل مسألة إجارة
العبد للخياطة فاستعمله المستأجر في الكتابة. لايقال: فعلى هذا إذا غصب السفينة
وحملها خمراً كان اللازم عدم استحقاق المالك اُجرة المثل; لأنّ اُجرة حمل الخمر
حرام، لأنّا نقول: إنّما يستحقّ المالك اُجرة المثل للمنافع المحلّلة الفائتة في هذه المدّة،
وفي المسألة المفروضة لم يفوّت على المؤجر منفعة; لأنّه أعطاه الاُجرة المسمّـاة
لحمل الخلّ بالفرض.
[3328] مسألة 11 : لو استأجر دابّة معيّنة من زيد للركوب إلى مكان فاشتبه
وركب دابّة اُخرى له لزمه الاُجرة المسمّـاة للاُولى واُجرة المثل للثانية، كما إذا
اشتبه فركب دابّة عمرو، فإنّه يلزمه اُجرة المثل لدابّة عمرو والمسمّـاة لدابّة زيد;
حيث فوّت منفعتها على نفسه.
[3329] مسألة 12 : لو آجر نفسه لصوم يوم معيّن عن زيد مثلا ثمّ آجر نفسه
لصوم ذلك اليوم عن عمرو لم تصحّ الإجارة الثانية، ولو فسخ الاُولى بخيار أو إقالة
- (1) هذا الاحتمال هو المتعيّن، وقد تقدّم منه الفتوى بذلك.
- (2) بل لا يبعد القول بأنّه يستحقّ اُجرة المثل للمنفعة المحلّلة الفائتة في هذه المدّة مضافة إلى الاُجرة المسمّاة; لعدم وضوح الفرق من جهة استحقاق اُجرتين بين هذه المسألة ومسألة إجارة العبد للخياطة إذا استعمله المستأجر في الكتابة.
(الصفحة 505)
قبل ذلك اليوم لم ينفع في صحّتها، بل ولو أجازها ثانياً(1)، بل لابدّ له من تجديد
العقد; لأنّ الإجازة كاشفة، ولايمكن الكشف هنا لوجود المانع حين الإجارة،
فيكون نظير من باع شيئاً ثمّ ملك، بل أشكل.
فصل
[في مسائل متفرّقة]
لايجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعير بما يحصل منها من الحنطة أو
الشعير، لا لما قيل من عدم كون مال الإجارة موجوداً حينئذ لا في الخارج ولا في
الذمّةـ ومن هنا يظهر عدم جواز إجارتها بما يحصل منها ولو من غير الحنطة
والشعير، بل عدم جوازها بما يحصل من أرض اُخرى أيضاً; لمنع ذلك، فإنّهما في
نظر العرف واعتبارهم بمنزلة الموجود كنفس(2) المنفعة، وهذا المقدار كاف في
الصحّة، نظير بيع الثمار سنتين أو مع ضمّ الضميمة، فإنّها لاتجعل غير الموجود
موجوداً، مع أنّ البيع وقع على المجموعـ بل للأخبار الخاصّة(3). وأمّا إذا آجرها
بالحنطة أو الشعير في الذمّة لكن بشرط الأداء منها ففي جوازه إشكال، والأحوط
العدم لما يظهر(4) من بعض الأخبار، وإن كان يمكن حمله على الصورة الاُولى. ولو
- (1) لا تبعد الصحّة مع الإجازة ثانياً.
- (2) الظاهر وضوح الفرق، فإنّ المنفعة حيث تكون من شؤون العين موجودة بوجودها ومملوكة بتبعها، بخلاف المقام الذي ليس له حظّ من الوجود أصلاً.
- (3) الظاهر عدم نهوض الأخبار لإثبات المنع، للضعف فيها سنداً أو دلالة، بل الوجه في المنع ما ذكرنا.
- (4) بل لعدم الفرق بين هذه الصورة والصورة الاُولى; من جهة التعليل الذي ذكرنا فيها إلاّ من بعض الوجوه غير الفارقة.