(الصفحة 507)
محلّلةعقلائيّة.
[3335] مسألة 6 : يجوز الاستئجار لحيازة المباحات كالاحتطاب والاحتشاش
والاستقاء، فلو استأجر من يحمل الماء له من الشطّ مثلا ملك ذلك الماء بمجرّد
حيازة(1) السقّاء، فلو أتلفه متلف قبل الإيصال إلى المستأجر ضمن قيمته له، وكذا
في حيازة الحطب والحشيش. نعم، لو قصد المؤجر كون المحوز لنفسه فيحتمل
القول(2) بكونه له، ويكون ضامناً للمستأجر عوض ما فوّته عليه من المنفعة،
خصوصاً إذا كان المؤجر آجر نفسه على وجه يكون تمام منافعه في اليوم الفلاني
للمستأجر، أو يكون منفعته من حيث الحيازة له، وذلك لاعتبار النيّة في التملّك
بالحيازة، والمفروض أنّه لم يقصد كونه للمستأجر بل قصد نفسه، ويحتمل القول
بكونه للمستأجر; لأنّ المفروض أنّ منفعته من طرف الحيازة له، فيكون نيّة كونه
لنفسه لغواً، والمسألة مبنيّة(3) على أنّ الحيازة من الأسباب القهريّة لتملّك الحائز
ولو قصد الغير، ولازمه عدم صحّة الاستئجار لها، أو يعتبر فيها نيّة التملك ودائرة
مدارها، ولازمه صحّة الإجارة وكون المحوز لنفسه إذا قصد نفسه وإن كان أجيراً
للغير.
وأيضاً لازمه عدم حصول الملكّية له إذا قصد كونه للغير من دون أن يكون
أجيراً له أو وكيلاً عنه، وبقاؤه على الإباحة إلاّ إذا قصد بعد ذلك كونه له، بناءً على
- (1) أي للمستأجر.
- (2) وهذا هو الأظهر.
- (3) بل مبنيّة على ما أفاده بعض الأكابر من المحشّين، حيث قال: بل مبنيّة على أنّ الحيازة فعل مباشري أو أعمّ منه ومن التسبيبي، وعلى الثاني كما هو الأقوى هل التسبيب يحصل بمجرّد كون المنفعة الخاصّة للمستأجر، أو لابدّ فيه من عمل المؤجر للمستأجر وفاءً لإجارته؟ والثاني هو الأقوى، انتهى. وما قوّاه في الفرضين هو الأقوى عندي أيضاً.
(الصفحة 508)
عدم جريان التبرّع في حيازة المباحات والسبق إلى المشتركات، وإن كان لايبعد
جريانه، أو أنّها من الأسباب القهريّة لمن له تلك المنفعة، فإن لم يكن أجيراً يكون
له وإن قصد الغير فضولاً، فيملك بمجرّد قصد الحيازة، وإن كان أجيراً للغير يكون
لذلك الغير قهراً، وإن قصد نفسه أو قصد غير ذلك الغير، والظاهر عدم كونها من
الأسباب القهريّة مطلقاً، فالوجه الأوّل غير صحيح، ويبقى الإشكال في ترجيح
أحد الأخيرين ولابدّ من التأمّل.
[3336] مسألة 7 : يجوز استئجار المرأة للإرضاع بل للرضاع; بمعنى الانتفاع
بلبنها، وإن لم يكن منها فعل مدّة معيّنة، ولابدّ من مشاهدة الصبي الذي استؤجرت
لإرضاعه لاختلاف الصبيان، ويكفي وصفه على وجه يرتفع الغرر، وكذا لابدّ من
تعيين المرضعة شخصاً أو وصفاً على وجه يرتفع الغرر. نعم، لو استؤجرت
علىوجه يستحقّ منافعها أجمع ـ التي منها الرضاعـ لايعتبر حينئذ مشاهدة الصبي
أو وصفه، وإن اختلفتالأغراض بالنسبة إلى مكان الإرضاع ـ لاختلافه من
حيث السهولة والصعوبة والوثاقة وعدمها ـ لابدّ من تعيينه أيضاً.
[3337] مسألة 8 : إذا كانت المرأة المستأجرة مزوّجة لايعتبر في صحّة
استئجارها إذنه ما لم يناف ذلك لحقّ استمتاعه; لأنّ اللبن ليس له، فيجوز لها
الإرضاع من غير رضاه، ولذا يجوز لها أخذ الأُجرة من الزوج على إرضاعها
لولده، سواء كان منها أو من غيرها. نعم، لو نافى(1) ذلك حقّه لم يجز إلاّ بإذنه، ولو
- (1) المنافاة لا يترتّب عليها بطلان الاستئجار بعد كون اللبن والإرضاع مملوكين للزوجة، بل غاية الأمر بعد فرض الصحّة وقوع التنافي في الخارج في مقام إعمال الحقّين، والحكم فيه تقديم حقّ الزوج كما هو المنسوب إليهم، أو إجراء حكم التزاحم كما اختاره بعض المحقّقين، أو الرجوع إلى قاعدة العدل والإنصاف كما هو غير بعيد. ومنه ظهر أنّه لا وجه للانفساخ في الفرض الآتي الذي يقع الاستئجار في حال غيبة الزوج.
(الصفحة 509)
كان غائباً فآجرت نفسها للإرضاع فحضر في أثناء المدّة وكان على وجه ينافي حقّه
انفسخت الإجارة بالنسبة إلى بقيّة المدّة.
[3338] مسألة 9 : لو كانت الامرأة خليّة فآجرت نفسها للإرضاع أو غيره من
الأعمال، ثمّ تزوّجت قدّم(1) حقّ المستأجر على حقّ الزوج في صورة المعارضة،
حتّىأنّه إذا كان وطؤه لها مضرّاً بالولد منع منه.
[3339] مسألة10 : يجوز للمولى إجبار أمته على الإرضاع إجارة أو تبرّعاً، قنّة
كانت أو مدبّرة أو اُمّ ولد، وأمّا المكاتبة المطلقة فلايجوز له إجبارها، بل وكذا
المشروطة كما لايجوز في المبعّضة، ولافرق بين كونها ذات ولد يحتاج إلى اللبن أو لا;
لإمكان إرضاعه من لبن غيرها.
[3340] مسألة 11 : لا فرق في المرتضع بين أن يكون معيّناً أو كلّيّاً، ولا في
المستأجرة بين تعيين مباشرتها للإرضاع أو جعله في ذمّتها، فلو مات الصبي في
صورة التعيين أو الامرأة في صورة تعيين المباشرة انفسخت الإجارة، بخلاف ما لو
كان الولد كلّيّاً أو جعل في ذمّتها، فإنّه لا تبطل بموته أو موتها إلاّ مع تعذّر الغير من
صبيّ أو مرضعة.
[3341] مسألة 12 : يجوز استئجار الشاة للبنها والأشجار للانتفاع بأثمارها،
والآبار للاستقاء ونحو ذلك، ولايضرّ كون الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان; لأنّ
المناط في المنفعة هو العرف، وعندهم يعدّ اللبن منفعة للشاة(2)، والثمر منفعة للشجر
- (1) بناءً على تقديم حقّ الزوج في المسألة السابقة، وأمّا بناءً على كون المقام من باب تزاحم الحقّين أو على كونه من موارد قاعدة العدل والإنصاف فاللازم الرجوع إليهما.
- (2) فلا مانع من حصول الملكية بالإضافة إلى اللبن ونحوه، فكما أنّ استئجار الدار يؤثّر في حصول ملكية السكنى بناءً على المشهور، فكذلك استئجار الشاة يورث ملكية نفس اللبن، ولا مانع منه أصلاً.
(الصفحة 510)
وهكذا، ولذا قلنا بصحّة استئجار المرأة للرضاع وإن لم يكن منها فعل; بأن انتفع
بلبنها في حال نومها أو بوضع الولد في حجرها وجعل ثديها في فم الولد من دون
مباشرتها لذلك، فمـا عن بعض العلماء(1) من إشكال الإجارة في المذكورات لأنّ
الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان وهو خلاف وضع الإجارة لا وجه له.
[3342] مسألة 13 : لايجوز(2) الإجارة لإتيان الواجبات العينيّة كالصلوات
الخمس، والكفائيّة كتغسيل الأموات وتكفينهم والصلاة عليهم، وكتعليم القدر
الواجب من اُصول الدين وفروعه، والقدر الواجب من تعليم القرآن كالحمد
وسورة منه، وكالقضاء والفتوى ونحو ذلك، ولايجوز(3) الإجارة على الأذان. نعم،
لا بأس بارتزاق القاضي والمفتي والمؤذّن من بيت المال، ويجوز الإجارة لتعليم الفقه
والحديث والعلوم الأدبيّة وتعليم القرآن ما عدا المقدار الواجب ونحوذلك.
[3343] مسألة 14 : يجوز الإجارة لكنس المسجد والمشهد وفرشها وإشعال
السراج ونحو ذلك.
[3344] مسألة 15 : يجوز الإجارة لحفظ المتاع أو الدار أو البستان مدّة معيّنة عن
السرقة والإتلاف، واشتراط الضمان(4) لو حصلت السرقة أو الإتلاف ولو من غير
تقصير، فلابأس بما هو المتداول من اشتراط الضمان على الناطور إذا ضاع مال،
- (1) كما أنّ ما عن بعض آخر من الحكم بالصحّة وتأثير الإجارة في جواز الانتفاع فقط من دون استلزام لتملّك اللبن ونحوه لا وجه له أيضاً.
- (2) لم يقم دليل على عدم الجواز من القواعد والإجماع. نعم، قد اُستفيد من دليل بعض الواجبات العينية والكفائية لزوم الإتيان بها مجّاناً، كالأمثلة المذكورة في العبارة، فعدم الجواز فيها لهذه الجهة لا لعنوان الإجارة لإتيان الواجب، وهو(قدس سره) يصرّح بعد ذلك في المسائل الختامية بجواز أخذ الاُجرة على الطبابة مطلقاً.
- (3) فيه إشكال.
- (4) على النحو المتقدّم في اشتراطه في العين المستأجرة.
(الصفحة 511)
لكن لابدّ من تعيين العمل والمدّة والاُجرة على شرائط الإجارة.
[3345] مسألة 16 : لايجوز استئجار اثنين للصلاة عن ميّت واحد في وقت
واحد; لمنافاته للترتيب(1) المعتبر في القضاء بخلاف الصوم، فإنّه لايعتبر فيه
الترتيب. وكذا لايجوز استئجار شخص واحد لنيابة الحجّ الواجب عن اثنين،
ويجوز ذلك في الحجّ المندوب، وكذا في الزيارات، كما يجوز النيابة عن المتعدّد تبرّعاً
في الحجّ(2) والزيارات، ويجوز الإتيان بها لابعنوان النيابة بل بقصد إهداء الثواب
لواحد أو متعدّد.
[3346] مسألة 17 : لايجوز الإجارة للنيابة عن الحيّ في الصلاة ولو في الصلوات
المستحبّة. نعم، يجوز ذلك في الزيارات والحجّ المندوب، وإتيان صلاة الزيارة ليس
بعنوانالنيابة بل منباب سببيّةالزيارة لاستحبابالصلاة بعدهاركعتين، ويحتمل(3)
جواز قصد النيابة فيها لأنّها تابعة للزيارة، والأحوط إتيانها بقصد ما في الواقع.
[3347] مسألة 18 : إذا عمل للغير لا بأمره ولا إذنه لايستحقّ عليه العوض، وإن
كان بتخيّل أنّه مأجور عليه فبان خلافه.
[3348] مسألة 19 : إذا أمر بإتيان عمل فعمل المأمور ذلك، فإن كان بقصد
التبرّع لايستحقّ عليه اُجرة، وإن كان من قصد الآمر إعطاء الاُجرة(4)، وإن قصد
الاُجرة وكان ذلك العمل ممّاله اُجرة استحقّ، وإنكان منقصد الآمرإتيانه تبرّعاً(5)،
- (1) بناءً على لزومه، وقد مرّ ما هو الأقوى.
- (2) أي المندوب، وكذا في الزيارة.
- (3) ولعلّه الأقرب.
- (4) وكان العمل ممّا له اُجرة.
- (5) إلاّ أن يكون هناك قرينة على قصد التبرّع من المأمور، أو على قصد الآمر التبرّع، فإنّه لا يستحقّ الاُجرة في شيء من الصورتين.