(الصفحة 540)
فيصير بضاعة ، ولايستحقّ (1) العامل اُجرة إلاّ مع الشرط أو القرائن الدالّة على عدم التبرّع ، ومع الشكّ فيه وفي إرادة الاُجرة يستحقّ الاُجرة أيضاً ; لقاعدة احترام عمل المسلم . وإذا قال : خذه قراضاً وتمام الربح لك ، فكذلك مضاربة فاسدة(2) إلاّ إذا علم أنّه أراد القرض . ولو لم يذكر لفظ المضاربة; بأن قال : خذه واتّجر به والربح بتمامه لي ، كان بضاعة إلاّ مع العلم بإرادة المضاربة فتكون فاسدة ، ولو قال : خذه واتّجر به والربح لك بتمامه ، فهو قرض إلاّ مع العلم بإرادة المضاربة ففاسد ، ومع الفساد في الصور المذكورة يكون تمام الربح للمالك وللعامل اُجرة عمله إلاّ مع علمه(3) بالفساد .
[3413] مسألة 24 : لو اختلف العامل والمالك في أنّها مضاربة فاسدة أو قرض ، أو مضاربة فاسدة أو بضاعة ، ولم يكن هناك ظهور لفظيّ ولا قرينة معيّنة ، فمقتضى القاعدة التحالف(4) . وقد يقال بتقديم قول من يدّعي الصحّة وهو مشكل ، إذ مورد
- (1) بل يستحقّ الاُجرة إلاّ مع شرط العدم أو كون العامل متبرّعاً، وفي صورة الشكّ يستحقّ أيضاً لقاعدة الاحترام بضميمة أصالة عدم قصد التبرّع على إشكال فيها.
- (2) مع اختلاف القراض، والقرض بحسب الماهية كما عرفت لا دليل على الحمل على كونها مضاربة فاسدة، ضرورة أنّه إن كان المقصود تمليك العين فلابدّ من كونه قرضاً، وإلاّ فلابدّ من الحمل على القراض، وتمليك تمام الربح بعد ظهوره فهي مضاربة صحيحة. غاية الأمر أنّه لا يترتّب على ذلك التمليك أثر أصلاً، فالأمر دائر بين القرض والقراض الصحيح، ولا يبعد دعوى أقوائيّة ظهور الذيل الموجب للحمل على القرض.
- (3) لا دخل للعلم والجهل في استحقاق الاُجرة وعدمه.
- (4) مطلقاً إن كان المدار في تشخيص المدّعي والمنكر هي عبارة الدعوى ومصبّها كما هو الظاهر، وأمّا لو كان المدار هو الغرض المقصود والأثر المنظور فالظاهر اختلاف الموارد، فإن كان المالك مدّعياً للقرض في صورة الخسران، أو التلف لتضمين العامل ونفي استحقاقه الاُجرة، وادّعى العامل المضاربة الفاسدة لنفي الضمان وإثبات الاُجرة، فالظاهر ثبوت التحالف وبعده يحكم بالضمان والاستحقاق، وأمّا إذا انعكست الدعوى; بأن ادّعى المالك القراض الفاسد في صورة حصول الربح ليكون جميعه له، والعامل القرض كذلك فالظاهر أنّ الحلف يتوجّه على المالك لنفي القرض، ولا يترتّب على دعوى المالك أثر أصلاً، هذا في الفرض الأوّل. وأمّا في الفرض الثاني الذي يدور الأمر فيه بين المضاربة والبضاعة، فلا مجال فيه للتحالف على هذا المبنى أصلاً، لاتّفاقهما على ثبوت الربح للمالك واستحقاق العامل للاُجرة، فلا يترتّب على دعواهما أثر.
(الصفحة 541)
الحمل على الصحّة ما إذا علم أنّهما أوقعا معاملة معيّنة واختلفا في صحّتها وفسادها ، لا مثل المقام الذي يكون الأمر دائراً بين معاملتين على إحداهما صحيح وعلى الاُخرى باطل ، نظير ما إذا اختلفا في أنّهما أوقعا البيع الصحيح أو الإجارة الفاسدة مثلا ، وفي مثل هذا مقتضى القاعدة التحالف، وأصالة الصحّة لا تثبت كونه بيعاً مثلا لا إجارة ، أو بضاعة صحيحة مثلا لا مضاربة فاسدة .
[3414] مسألة 25 : إذا قال المالك للعامل : خذ هذا المال قراضاً والربح بيننا صحّ ، ولكلّ منهما النصف ، وإذا قال : ونصف الربح لك فكذلك ، بل وكذا لو قال : ونصف الربح لي ، فإنّ الظاهر أنّ النصف الآخر للعامل ، ولكن فرّق بعضهم بين العبارتين وحكم بالصحّة في الاُولى; لأنّه صرّح فيها بكون النصف للعامل والنصف الآخر يبقى له على قاعدة التبعيّة ، بخلاف العبارة الثانية ، فإنّ كون النصف للمالك لاينافي كون الآخرله أيضاً على قاعدة التبعيّة ، فلا دلالة فيها على كون النصف الآخر للعامل، وأنت خبير بأنّ المفهوم من العبارة عرفاً كون النصف الآخر للعامل.
[3415] مسألة 26 : لا فرق بين أن يقول : خذ هذا المال قراضاً ولك نصف ربحه ، أو قال(1) : خذه قراضاً ولك ربح نصفه في الصحّة والاشتراك في الربح بالمناصفة ،
(الصفحة 542)
وربما يقال بالبطلان في الثاني، بدعوى أنّ مقتضاه كون ربح النصف الآخر بتمامه للمالك ، وقد يربح النصف فيختصّ به أحدهما ، أو يربح أكثر من النصف فلايكون الحصّة معلومة ، وأيضاً قد لايعامل إلاّ في النصف . وفيه : أنّ المراد ربح نصف ما عومل به وربح ، فلا إشكال .
[3416] مسألة 27 : يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل مع اتّحاد المال أو تميّز مال كلّ من العاملين ، فلو قال : ضاربتكما ولكما نصف الربح صحّ وكانا فيه سواء ، ولو فضّل أحدهما على الآخر صحّ أيضاً وإن كانا في العمل سواء ، فإنّ غايته اشتراط حصّة قليلة لصاحب العمل الكثير وهذا لا بأس به، ويكون العقد الواحد بمنزلة عقدين مع اثنين ، ويكون كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف، وقارض الآخر في النصف الآخر بربع الربح ولا مانع منه . وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل ; بأن كان المال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً بعقد واحد بالنصف مثلا متساوياً بينهما ، أو بالاختلاف ; بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف ، وفي حصّة الآخربالثلث أو الربع مثلا . وكذا يجوز مع عدم اشتراك المال ; بأن يكون مال كلّ منهما ممتازاً وقارضا واحداً مع الإذن في الخلط ، مع التساوي في حصّة العامل بينهما ، أو الاختلاف ; بأن يكون في مال أحدهما بالنصف ، وفي مال الآخر بالثلث أو الربع .
[3417] مسألة 28 : إذا كان مال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً واشترطا له نصف الربح وتفاضلا في النصف الآخر ; بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في ذلك المال، أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه ، فإن كان من قصدهما كون ذلك للنقص على العامل بالنسبة إلى صاحب الزيادة ; بأن يكون كأنّه اشترط على العامل في العمل بماله أقلّ ممّا شرطه الآخر له ، كأن اشترط هو للعامل ثلث ربح حصّته ، وشرط له صاحب النقيصة ثلثي ربح حصّته مثلا مع تساويهما في المال،
(الصفحة 543)
فهو صحيح(1) لجواز اختلاف الشريكين في مقدار الربح المشترط للعامل .
وإن لم يكن النقص راجعاً إلى العامل بل على الشريك الآخر; بأن يكون المجعول للعامل بالنسبة إليهما سواء ، لكن اختلفا في حصّتهما; بأن لايكون على حسب شركتهما ، فقد يقال فيه بالبطلان ; لاستلزامه زيادة لأحدهما على الآخر مع تساوي المالين ، أو تساويهما مع التفاوت في المالين بلا عمل من صاحب الزيادة ; لأنّ المفروض كون العامل غيرهما ولايجوز ذلك في الشركة، والأقوى الصحّة(2) ; لمنع عدم جواز الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه ، فإنّ الأقوى جواز ذلك بالشرط، ونمنع كونه خلاف مقتضى الشركة ، بل هو خلاف مقتضى إطلاقها ، مع أنّه يمكن أن يدّعى الفرق(3) بين الشركة والمضاربة وإن كانت متضمّنة للشركة .
[3418] مسألة 29 : تبطل المضاربة بموت كلّ من العامل والمالك ، أمّا الأوّل فلاختصاص الإذن به ، وأمّا الثاني فلانتقال المال بموته إلى وارثه ، فإبقاؤها يحتاج إلى عقد جديد بشرائطه ، فإن كان المال نقداً صحّ ، وإن كان عروضاً فلا (4); لما عرفت من عدم جواز المضاربة على غير النقدين ، وهل يجوز لوارث المالك إجازة العقد بعد موته؟ قد يقال بعدم الجواز ; لعدم علقة له بالمال حال العقد بوجه من الوجوه ، ليكون واقعاً على ماله أو متعلّق حقّه . وهذا بخلاف إجارة البطن السابق
- (1) بشرط وجود الدليل عليه، ولا يكفي مجرّد القصد والنية.
- (2) إذا وقع الشرط في الشركة العقديّة، وأمّا الاشتراط في ضمن عقد المضاربة مع كون أحد الطرفين هو العامل والآخر هو المالك، من دون أن يكون هناك شركة عقدية بين المالكين ابتداءً، أو كانت ولم يشترط فيها، فلا يكفي أصلاً.
- (3) ولكن هذا الفرق يقتضي البطلان هنا لا العكس، كما عرفت.
- (4) قد مرّ الكلام فيه في أوائل كتاب المضاربة.
(الصفحة 544)
في الوقف أزيد من مدّة حياته، فإنّ البطن اللاحق يجوز له الإجازة ; لأنّ له حقّاً بحسب جعل الواقف . وأمّا في المقام فليس للوارث حقّ حال حياة المورّث أصلا ، وإنّما ينتقل إليه المال حال موته ، وبخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصيّة ، وفي المنجّز حال المرض على القول بالثلث فيه ، فإنّ له حقّاً فيما زاد ، فلذا يصحّ إجازته ، ونظير المقام إجارة الشخص ماله مدّة مات في أثنائها على القول بالبطلان بموته ، فإنّه لايجوز للوارث إجازتها ، لكن يمكن أن يقال(1) : يكفي في صحّة الإجازة كون المال في معرض الانتقال إليه ، وإن لم يكن له علقة به حال العقد، فكونه سيصير له كاف ، ومرجع إجازته حينئذ إلى إبقاء ما فعله المورّث لا قبوله ولا تنفيذه ، فإنّ الإجازة أقسام قد تكون قبولاً لما فعله الغير ـ كما في إجازة بيع ماله فضولاً ـ وقد تكون راجعاً إلى إسقاط الحقّ ، كما في إجازة المرتهن لبيع الراهن ، وإجازة الوارث لما زاد عن الثلث ، وقد تكون إبقاءً لما فعله المالك كما في المقام .
[3419] مسألة 30 : لايجوز للعامل أن يوكّل وكيلاً في عمله ، أو يستأجر أجيراً إلاّ بإذن المالك . نعم ، لابأس بالتوكيل أو الاستئجار في بعض المقدّمات على ما هو المتعارف ، وأمّا الإيكال إلى الغير وكالة أو استئجاراً في أصل التجارة فلايجوز من دون إذن(2) المالك ، ومعه لا مانع منه ، كما أنّه لايجوز له أن يضارب غيره إلاّ بإذن المالك .
[3420] مسألة 31 : إذا أذن في مضاربة الغير، فإمّا أن يكون بجعل العامل الثاني عاملاً للمالك ، أو بجعله شريكاً معه في العمل والحصّة ، وإمّا بجعله عاملاً لنفسه ،
- (1) ثبوتاً لا إثباتاً، ضرورة عدم الدليل عليه.
- (2) أو التعارف.