(الصفحة 542)
وربما يقال بالبطلان في الثاني، بدعوى أنّ مقتضاه كون ربح النصف الآخر بتمامه للمالك ، وقد يربح النصف فيختصّ به أحدهما ، أو يربح أكثر من النصف فلايكون الحصّة معلومة ، وأيضاً قد لايعامل إلاّ في النصف . وفيه : أنّ المراد ربح نصف ما عومل به وربح ، فلا إشكال .
[3416] مسألة 27 : يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل مع اتّحاد المال أو تميّز مال كلّ من العاملين ، فلو قال : ضاربتكما ولكما نصف الربح صحّ وكانا فيه سواء ، ولو فضّل أحدهما على الآخر صحّ أيضاً وإن كانا في العمل سواء ، فإنّ غايته اشتراط حصّة قليلة لصاحب العمل الكثير وهذا لا بأس به، ويكون العقد الواحد بمنزلة عقدين مع اثنين ، ويكون كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف، وقارض الآخر في النصف الآخر بربع الربح ولا مانع منه . وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل ; بأن كان المال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً بعقد واحد بالنصف مثلا متساوياً بينهما ، أو بالاختلاف ; بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف ، وفي حصّة الآخربالثلث أو الربع مثلا . وكذا يجوز مع عدم اشتراك المال ; بأن يكون مال كلّ منهما ممتازاً وقارضا واحداً مع الإذن في الخلط ، مع التساوي في حصّة العامل بينهما ، أو الاختلاف ; بأن يكون في مال أحدهما بالنصف ، وفي مال الآخر بالثلث أو الربع .
[3417] مسألة 28 : إذا كان مال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً واشترطا له نصف الربح وتفاضلا في النصف الآخر ; بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في ذلك المال، أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه ، فإن كان من قصدهما كون ذلك للنقص على العامل بالنسبة إلى صاحب الزيادة ; بأن يكون كأنّه اشترط على العامل في العمل بماله أقلّ ممّا شرطه الآخر له ، كأن اشترط هو للعامل ثلث ربح حصّته ، وشرط له صاحب النقيصة ثلثي ربح حصّته مثلا مع تساويهما في المال،
(الصفحة 543)
فهو صحيح(1) لجواز اختلاف الشريكين في مقدار الربح المشترط للعامل .
وإن لم يكن النقص راجعاً إلى العامل بل على الشريك الآخر; بأن يكون المجعول للعامل بالنسبة إليهما سواء ، لكن اختلفا في حصّتهما; بأن لايكون على حسب شركتهما ، فقد يقال فيه بالبطلان ; لاستلزامه زيادة لأحدهما على الآخر مع تساوي المالين ، أو تساويهما مع التفاوت في المالين بلا عمل من صاحب الزيادة ; لأنّ المفروض كون العامل غيرهما ولايجوز ذلك في الشركة، والأقوى الصحّة(2) ; لمنع عدم جواز الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه ، فإنّ الأقوى جواز ذلك بالشرط، ونمنع كونه خلاف مقتضى الشركة ، بل هو خلاف مقتضى إطلاقها ، مع أنّه يمكن أن يدّعى الفرق(3) بين الشركة والمضاربة وإن كانت متضمّنة للشركة .
[3418] مسألة 29 : تبطل المضاربة بموت كلّ من العامل والمالك ، أمّا الأوّل فلاختصاص الإذن به ، وأمّا الثاني فلانتقال المال بموته إلى وارثه ، فإبقاؤها يحتاج إلى عقد جديد بشرائطه ، فإن كان المال نقداً صحّ ، وإن كان عروضاً فلا (4); لما عرفت من عدم جواز المضاربة على غير النقدين ، وهل يجوز لوارث المالك إجازة العقد بعد موته؟ قد يقال بعدم الجواز ; لعدم علقة له بالمال حال العقد بوجه من الوجوه ، ليكون واقعاً على ماله أو متعلّق حقّه . وهذا بخلاف إجارة البطن السابق
- (1) بشرط وجود الدليل عليه، ولا يكفي مجرّد القصد والنية.
- (2) إذا وقع الشرط في الشركة العقديّة، وأمّا الاشتراط في ضمن عقد المضاربة مع كون أحد الطرفين هو العامل والآخر هو المالك، من دون أن يكون هناك شركة عقدية بين المالكين ابتداءً، أو كانت ولم يشترط فيها، فلا يكفي أصلاً.
- (3) ولكن هذا الفرق يقتضي البطلان هنا لا العكس، كما عرفت.
- (4) قد مرّ الكلام فيه في أوائل كتاب المضاربة.
(الصفحة 544)
في الوقف أزيد من مدّة حياته، فإنّ البطن اللاحق يجوز له الإجازة ; لأنّ له حقّاً بحسب جعل الواقف . وأمّا في المقام فليس للوارث حقّ حال حياة المورّث أصلا ، وإنّما ينتقل إليه المال حال موته ، وبخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصيّة ، وفي المنجّز حال المرض على القول بالثلث فيه ، فإنّ له حقّاً فيما زاد ، فلذا يصحّ إجازته ، ونظير المقام إجارة الشخص ماله مدّة مات في أثنائها على القول بالبطلان بموته ، فإنّه لايجوز للوارث إجازتها ، لكن يمكن أن يقال(1) : يكفي في صحّة الإجازة كون المال في معرض الانتقال إليه ، وإن لم يكن له علقة به حال العقد، فكونه سيصير له كاف ، ومرجع إجازته حينئذ إلى إبقاء ما فعله المورّث لا قبوله ولا تنفيذه ، فإنّ الإجازة أقسام قد تكون قبولاً لما فعله الغير ـ كما في إجازة بيع ماله فضولاً ـ وقد تكون راجعاً إلى إسقاط الحقّ ، كما في إجازة المرتهن لبيع الراهن ، وإجازة الوارث لما زاد عن الثلث ، وقد تكون إبقاءً لما فعله المالك كما في المقام .
[3419] مسألة 30 : لايجوز للعامل أن يوكّل وكيلاً في عمله ، أو يستأجر أجيراً إلاّ بإذن المالك . نعم ، لابأس بالتوكيل أو الاستئجار في بعض المقدّمات على ما هو المتعارف ، وأمّا الإيكال إلى الغير وكالة أو استئجاراً في أصل التجارة فلايجوز من دون إذن(2) المالك ، ومعه لا مانع منه ، كما أنّه لايجوز له أن يضارب غيره إلاّ بإذن المالك .
[3420] مسألة 31 : إذا أذن في مضاربة الغير، فإمّا أن يكون بجعل العامل الثاني عاملاً للمالك ، أو بجعله شريكاً معه في العمل والحصّة ، وإمّا بجعله عاملاً لنفسه ،
- (1) ثبوتاً لا إثباتاً، ضرورة عدم الدليل عليه.
- (2) أو التعارف.
(الصفحة 545)
أمّا الأوّل فلا مانع منه ، وتنفسخ(1) مضاربة نفسه على الأقوى ، واحتمال بقائها مع ذلك لعدم المنافاة كما ترى ، ويكون الربح مشتركاً بين المالك والعامل الثاني ، وليس للأوّل شيء إلاّ إذا كان بعد أن عمل عملاً وحصل ربح فيستحقّ حصّته من ذلك ، وليس له أن يشترط على العامل الثاني شيئاً من الربح بعد أن لم يكن له عمل بعد المضاربة الثانية ، بل لو جعل الحصّة للعامل في المضاربة الثانية أقلّ ممّا اشترط له في الاُولى ـ كأن يكون في الاُولى بالنصف وجعله ثلثاً في الثانية ـ لايستحقّ تلك الزيادة ، بل ترجع إلى المالك ، وربما يحتمل جواز اشتراط شيء من الربح أو كون الزيادة له، بدعوى أنّ هذا المقدار ـ وهو إيقاع عقد المضاربة ثمّ جعلها للغير ـ نوع من العمل يكفي في جواز جعل حصّة من الربح له ، وفيه : أنّه وكالة لا مضاربة ، والثاني أيضاً(2) لا مانع منه ، وتكون الحصّة المجعولة له في المضاربة الاُولى مشتركة بينه وبين العامل الثاني على حسب قرارهما ، وأمّا الثالث فلايصحّ(3) من دون أن يكون له عمل مع العامل الثاني، ومعه يرجع إلى التشريك .
[3421] مسألة 32 : إذا ضارب العامل غيره مع عدم الإذن من المالك ، فإن أجاز المالك ذلك كان الحكم كما في الإذن السابق في الصور المتقدّمة ، فيلحق كلاّ حكمه ، وإن لم يجز بطلت المضاربة الثانية . وحينئذ فإن كان العامل الثاني عمل وحصل الربح فما قرّر للمالك في المضاربة الاُولى فله ، وأمّا ما قرّر للعامل فهل هو أيضاً له ، أو للعامل الأوّل ، أو مشترك بين العاملين ؟ وجوه وأقوال ، أقواها الأوّل ; لأنّ
- (1) إذا أحرز أنّ مقصود المالك كون العامل له واحداً منهما فقط، وبدونه لا وجه للانفساخ لعدم المنافاة، كوكالة اثنين في بيع مال شخص واحد.
- (2) لكنّه أيضاً يرجع إلى التوكيل في فسخ المضاربة الاُولى، وإنشاء مضاربة جديدة يكون العامل فيها متعدّداً.
- (3) أي بعنوان المضاربة.
(الصفحة 546)
المفروض بطلان المضاربة الثانية فلايستحقّ العامل الثاني شيئاً ، وأنّ العامل الأوّل لم يعمل حتّى يستحقّ ، فيكون تمام الربح للمالك إذا أجاز تلك المعاملات الواقعة على ماله ، ويستحقّ العامل الثاني اُجرة عمله مع جهله(1) بالبطلان على العامل الأوّل ; لأنّه مغرور من قبله ، وقيل : يستحقّ على المالك ، ولا وجه له مع فرض عدم الإذن منه له في العمل .
هذا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً للمالك ، وأمّا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً له، وقصد العامل في عمله العامل الأوّل، فيمكن أن يقال : إنّ الربح للعامل الأوّل ، بل هو مختار المحقّق في «الشرائع» ، وذلك بدعوى أنّ المضاربة الاُولى باقية بعد فرض بطلان الثانية ، والمفروض أنّ العامل قصد العمل للعامل الأوّل، فيكون كأنّه هو العامل فيستحقّ الربح ، وعليه اُجرة عمل العامل إذا كان جاهلاً بالبطلان ، وبطلان المعاملة لايضرّ بالإذن الحاصل منه للعمل له ، لكن هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن المباشرة معتبرة في المضاربة الاُولى ، وأمّا مع اعتبارها فلايتمّ، ويتعيّن(2) كون تمام الربح للمالك إذا أجاز المعاملات وإن لم تجز المضاربة الثانية .
[3422] مسألة 33 : إذا شرط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً ـ كأن اشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً ، أويعطيه درهماً ، أونحو ذلك أو بالعكس ـ فالظاهر صحّته ، وكذا إذا اشترط أحدهما على الآخر بيعاً أو قرضاً أو قراضاً أو بضاعة أو نحو ذلك ، ودعوى أنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن من
- (1) قد مرّ الكلام على التفصيل بين صورتي العلم والجهل.
- (2) من دون فرق بين أن تكون المباشرة معتبرة بنحو التقييد أو مأخوذة بنحو الاشتراط. أمّا في الأوّل فواضع، وأمّا في الثاني، فلأنّ مقتضى القاعدة في مورد التخلّف على تقدير الفسخ كون الربح للمالك، والأخبار التي اُشير إليها في المسألة الخامسة الدالّة على الاشتراك في مورد تخلّف الشرط لا يعلم شمولها للمقام.