(الصفحة 549)
الثاني : أنّه يملك بالإنضاض ; لأنّه قبله ليس موجوداً خارجيّاً ، بل هو مقدّر موهوم .
الثالث : أنّه يملك بالقسمة ; لأنّه لو ملك قبله لاختصّ بربحه ، ولم يكن وقاية لرأس المال .
الرابع : أنّ القسمة كاشفة عن الملك سابقاً; لأنّها توجب استقراره .
والأقوى ما ذكرنا لما ذكرنا ، ودعوى أنّه ليس موجوداً كما ترى ، وكون القيمة أمراً وهميّاً ممنوع ، مع أنّا نقول :إنّه يصير شريكاً في العين الموجودة بالنسبة ، ولذا يصحّ له مطالبة القسمة ، مع أنّ المملوك لايلزم أن يكون موجوداً خارجيّاً ، فإنّ الدين مملوك ، مع أنّه ليس في الخارج .
ومن الغريب إصرار صاحب «الجواهر» على الإشكال في ملكيّته، بدعوى أنّه حقيقة ما زاد على عين الأصل ، وقيمة الشيء أمر وهميّ لا وجود له لا ذمّة ولا خارجاً ، فلايصدق عليه الربح . نعم ، لابأس أن يقال : إنّه بالظهور ملك أن يملك ، بمعنى أنّ له الإنضاض فيملك ، وأغرب منه أنّه قال : «بل لعلّ الوجه في خبر عتق الأب ذلك أيضاً ، بناءً على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبنيّ على السراية» .
إذ لايخفى ما فيه ، مع أنّ لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكاً للمالك حتّى مقدار الربح، مع أنّه ادّعى الاتّفاق على عدم كون مقدار حصّة العامل من الربح للمالك ، فلاينبغي التأمّل في أنّ الأقوى ما هو المشهور(1) . نعم ، إن حصل خسران أو تلف
- (1) إن كان مراد المشهور من ملكية العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره صيرورته شريكاً في العين الموجودة بالنسبة، كما أيّده الماتن (قدس سره) بصحّة مطالبة القسمة. وإن كان في التأييد نظر، فهو وإن كان أمراً متصوّراً معقولاً، إلاّ أنّه لا دليل على تحقّق الشركة في نفس العين في باب المضاربة. وإن كان مرادهم حصول الملكية للعامل بمجرّد ظهور الربح لابمعنى الشركة في العين، بل بمعنى الشركة في الربح، فيرد عليهم ما أورده صاحب الجواهر (قدس سره)، والنقض عليه بمثل الدين المملوك واضح الفساد، والآثار التي يرتّبها الماتن على مختاره إنّما يترتّب على فرض الشركة في العين الموجودة، وإن كان ترتّب بعضها كالإرث لا يختصّ بهذا المبنى; لعدم اختصاص الموروث بالمال.
(الصفحة 550)
بعد ظهور الربح خرج عن ملكيّة العامل ، لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيّته من الأوّل ، وعلى ما ذكرنا يترتّب عليه جميع آثار الملكيّة من جواز المطالبة بالقسمة، وإن كانت موقوفة على رضا المالك، ومن صحّة تصرّفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ، ومن الإرث وتعلّق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعة للحجّ وتعلّق حقّ الغرماء به ، ووجوب صرفه في الدين مع المطالبة إلى غير ذلك .
[3424] مسألة 35 : الربح وقاية لرأس المال ، فملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة ، فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به إلى أن تستقرّ ملكيّته ، والاستقرار يحصل بعد الإنضاض والفسخ والقسمة ، فبعدها إذا تلف شيء لايحسب من الربح ، بل تلف كلّ على صاحبه ، ولايكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ ، بل ولا قسمة(1) الكلّ كذلك ولا بالفسخ(2) مع عدم القسمة ، فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق ، فيكون الربح مشتركاً والتلف والخسران عليهما ويتمّم رأس المال بالربح . نعم ، لو حصل الفسخ ولم يحصل الإنضاض ولو بالنسبة إلى البعض وحصلت القسمة فهل تستقرّ الملكيّة أم لا ؟ إن قلنا بوجوب(3) الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار ، وإن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان ، أقواهما الاستقرار . والحاصل أنّ اللازم أوّلاً دفع مقدار رأس المال للمالك ثمّ يقسّم مازاد عنه بينهما على حسب حصّتهما، فكلّ خسارة وتلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح ،
- (1) إلاّ إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ، فإنّها حينئذ فسخ فعليّ.
- (2) الظاهر حصول الاستقرار بالفسخ فقط كما هو مقتضى القواعد.
- (3) وجوب الإنضاض على تقديره لا ينافي الاستقرار.
(الصفحة 551)
وتماميّتها بما ذكرنا (1) من الفسخ والقسمة .
[3425] مسألة 36 : إذا ظهر الربح ونضّ تمامه أو بعض منه فطلب أحدهما قسمته ، فإن رضي الآخر فلا مانع منها ، وإن لم يرض المالك لم يجبر(2) عليها ; لاحتمال الخسران بعد ذلك والحاجة إلى جبره به ، قيل : وإن لم يرض العامل فكذلك أيضاً ; لأنّه لو حصل الخسران وجب عليه ردّ ما أخذه ، ولعلّه لايقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده وهو ضرر عليه. وفيه : أنّ هذا لايعدّ ضرراً ، فالأقوى أنّه يجبر إذا طلب المالك . وكيف كان، إذا اقتسماه ثمّ حصل الخسران ، فإن حصل بعده ربح يجبره فهو ، وإلاّ ردّ العامل أقلّ الأمرين من مقدار الخسران وما أخذ من الربح ; لأنّ الأقلّ إن كان هو الخسران فليس عليه إلاّ جبره والزائد له ، وإن كان هو الربح فليس عليه إلاّ مقدار ما أخذ .
ويظهر من الشهيد أنّ قسمة الربح موجبة لاستقراره وعدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها ، لكن قسمة مقداره ليست قسمة له من حيث إنّه مشاع في جميع المال ، فأخذ مقدار منه ليس أخذاً له فقط ; حيث قال ـ على ما نقل عنه ـ : إنّ المردود أقلّ الأمرين ممّا أخذه العامل من رأس المال لا من الربح ، فلو كان رأس المال مائة والربح عشرين فاقتسما العشرين ، فالعشرون التي هي الربح مشاعة في الجميع ; نسبتها إلى رأس المال نسبة السدس ، فالمأخوذ سدس الجميع، فيكون خمسة أسداسها من رأس المال وسدسها من الربح ، فإذا اقتسماها استقرّ ملك العامل على نصيبه من الربح ; وهو نصف سدس العشرين ، وذلك درهم وثلثان يبقى معه ثمانية وثلث من رأس المال ، فإذا خسر المال الباقي ردّ أقلّ الأمرين ممّا
- (1) بل كما عرفت بالفسخ أو القسمة إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ.
- (2) فيه إشكال والتعليل عليل، وكذا الحكم بإجبار العامل معلّلاً بما أفاده (قدس سره).
(الصفحة 552)
خسر ومن ثمانية وثلث ، وفيه ـ مضافاً إلى أنّه خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران الحاصل بعد ذلك بالربح السابق إن لم يلحقه ربح ، وأنّ عليه غرامة ما أخذه منه ـ أنظار اُخر :
منها : أنّ المأخوذ إذا كان من رأس المال فوجوب ردّه لايتوقّف على حصول الخسران بعد ذلك .
ومنها : أنّه ليس مأذوناً في أخذ رأس المال، فلا وجه للقسمة المفروضة .
ومنها : أنّ المفروض أنّهما اقتسما المقدار من الربح بعنوان أنّه ربح ، لابعنوان كونه منه ومن رأس المال . ودعوى أنّه لايتعيّن لكونه من الربح بمجرّد قصدهما مع فرض إشاعته في تمام المال ، مدفوعة بأنّ المال بعد حصول الربح يصير مشتركاً بين المالك والعامل ، فمقدار رأس المال مع حصّة من الربح للمالك ، ومقدار حصّة الربح المشروط للعامل له ، فلا وجه لعدم التعيّن بعد تعيينهما مقدار مالهما في هذا المال ، فقسمة الربح في الحقيقة قسمة لجميع المال ولا مانع منها .
[3426] مسألة 37 : إذا باع العامل حصّته من الربح بعد ظهوره صحّ(1) مع تحقّق الشرائط من معلوميّة المقدار وغيره ، وإذا حصل خسران بعد هذا لايبطل البيع بل يكون بمنزلة التلف ، فيجب عليه جبره بدفع أقلّ الأمرين من مقدار قيمة ما باعه ومقدار الخسران .
[3427] مسألة 38 : لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ، سواء كان سابقاً عليها أو لاحقاً ما دامت المضاربة باقية ولم يتمّ عملها(2) . نعم ، قد عرفت ما عن الشهيد من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا
- (1) في الحكم بالصحّة تأمّل وإشكال كما عرفت، وعلى تقديره لا يبعد كشف الخسران عن البطلان.
- (2) ولم تفسخ.
(الصفحة 553)
اقتسماه ، وأنّ مقدار الربح من المقسوم تستقرّ ملكيّته . وأمّا التلف فإمّا أن يكون بعد الدوران في التجارة ، أو بعد الشروع فيها ، أو قبله ، ثمّ إمّا أن يكون التالف البعض أو الكلّ ، وأيضاً إمّا أن يكون بآفة من الله سماويّة أو أرضيّة ، أو بإتلاف المالك أو العامل أو الأجنبي على وجه الضمان ، فإن كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر جبره بالربح ولو كان لاحقاً مطلقاً ، سواء كان التالف البعض أو الكلّ ، كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي .
ودعوى أنّ مع الضمان كأنّه لم يتلف ; لأنّه في ذمّة الضامن ، كما ترى . نعم ، لو أخذ العوض يكون من جملة المال ، بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع في التجارة وإن كان التالف الكلّ ، كما إذا اشترى في الذمّة وتلف المال قبل دفعه إلى البائع فأدّاه المالك(1) ، أو باع العامل المبيع وربح فأدّى ، كما أنّ الأقوى في تلف البعض الجبر وإن كان قبل الشروع أيضاً ، كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة ، أو في البلد أيضاً قبل أن يسافر . وأمّا تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة فالظاهر أنّه موجب لانفساخ العقد ; إذ لايبقى معه مال التجارة حتّى يجبر أو لايجبر . نعم ، إذا أتلفه أجنبي وأدّى عوضه تكون المضاربة باقية ، وكذا إذا أتلفه العامل .
[3428] مسألة 39 : العامل أمين فلايضمن إلاّ بالخيانة ، كما لو أكل بعض مال المضاربة أو اشترى شيئاً لنفسه فأدّى الثمن من ذلك، أو وطئ الجارية المشتراة أو نحو ذلك ، أو التفريط بترك الحفظ ، أو التعدّي بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه ، كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه في السفر ، أو اشترى ما نهى عن شرائه ، أو ترك شراء ما أمره به ، فإنّه يصير بذلك ضامناً للمال لو تلف ولو بآفة سماويّة، وإن بقيت
- (1) تحقّق الجبران في هذه الصورة محلّ إشكال.