(الصفحة 557)
على إذن العامل(1)، فيجوز معه على الأقوى من جواز إذن أحد الشريكين صاحبه.
[3432] مسألة 43 : لو كان المالك في المضاربة امرأة فاشترى العامل زوجها ، فإن كان بإذنها(2) فلا إشكال في صحّته وبطلان نكاحها ، ولا ضمان عليه وإن استلزم ذلك الضرر عليها بسقوط مهرها ونفقتها ، وإلاّ ففي المسألة أقوال : البطلان مطلقاً ; للاستلزام المذكور ، فيكون خلاف مصلحتها ، والصحّة كذلك ; لأنّه من أعمال المضاربة المأذون فيها في ضمن العقد ، كما إذا اشترى غير زوجها ، والصحّة إذا أجازت بعد ذلك ، وهذا هو الأقوى ; إذ لا فرق بين الإذن السابق والإجازة اللاحقة ، فلا وجه للقول الأوّل ، مع أنّ قائله غير معلوم ، ولعلّه من يقول بعدم صحّة الفضولي إلاّ فيما ورد دليل خاصّ ، مع أنّ الاستلزام المذكور ممنوع ; لأنّها لايستحقّ النفقة إلاّ تدريجاً ، فليست هي مالاً لها فوّته عليها وإلاّ لزم غرامتها على من قتل الزوج .
وأمّا المهر، فإن كان ذلك بعد الدخول فلا سقوط ، وإن كان قبله فيمكن أن يدّعى عدم سقوطه أيضاً بمطلق المبطل ، وإنّما يسقط(3) بالطلاق فقط ، مع أنّ المهر كان(4) لسيّدها لا لها ، وكذا لا وجه للقول الثاني بعد أن كان الشراء المذكور على خلاف مصلحتها ، لا من حيث الاستلزام الضرر المذكور ، بل لأنّها تريد زوجها لأغراض اُخر ، والإذن الذي تضمّنه العقد منصرف(5) عن مثل هذا ، وممّا ذكرنا
- (1) بالنحو الذي تقدّم، وقد عرفت أنّ الجواز محلّ تأمّل.
- (2) أي بالإذن الخاصّ.
- (3) أي نصفه، ومع ذلك فالتخصيص بالطلاق محلّ إشكال.
- (4) هذا خلاف ما هو المفروض من حرّية الزوجة ومملوكيّة زوجها فقط.
- (5) ولولا الانصراف لأمكن المناقشة فيما ذكر بأنّ المصلحة والضرر في باب المضاربة لابدّ وأن يلحظا بالإضافة إلى نفس التجارة والمعاملة لا بالإضافة إلى الاُمور الخارجة عنها.
(الصفحة 558)
ظهر حال ما إذا اشترى العامل زوجة المالك ، فإنّه صحيح مع الإذن السابق أو الإجازة اللاحقة ، ولايكفيه الإذن الضمني في العقد للانصراف .
[3433] مسألة 44 : إذا اشترى العامل من ينعتق على المالك ، فإمّا أن يكون بإذنه أو لا ، فعلى الأوّل ولم يكن فيه ربح صحّ وانعتق عليه وبطلت المضاربة بالنسبة إليه ; لأنّه خلاف وضعها وخارج عن عنوانها ; حيث إنّها مبنيّة على طلب الربح المفروض عدمه ، بل كونه خسارة محضة ، فيكون صحّة الشراء من حيث الإذن من المالك لا من حيث المضاربة(1) . وحينئذ فإن بقي من مالها غيره بقيت بالنسبة إليه ، وإلاّ بطلت من الأصل ، وللعامل اُجرة عمله إذا لم يقصد التبرّع . وإن كان فيه ربح فلا إشكال في صحّته ، لكن في كونه قراضاً فيملك العامل بمقدار حصّته من العبد ، أو يستحقّ عوضه على المالك للسراية ، أو بطلانه مضاربة واستحقاق العامل اُجرة المثل لعمله ، كما إذا لم يكن ربح أقوال ، لايبعد ترجيح الأخير ، لا لكونه خلاف وضع المضاربة ; للفرق بينه وبين صورة عدم الربح ، بل لأنّه فرع ملكيّة المالك المفروض عدمها .
ودعوى أنّه لابدّ أن يقال : إنّه يملكه آناً مّا ثمّ ينعتق، أو تقدّر ملكيّته حفظاً لحقيقة البيع على القولين في تلك المسألة ، وأيّ منهما كان يكفي في ملكيّة الربح ، مدفوعة بمعارضتها بالانعتاق الذي هو أيضاً متفرّع على ملكيّة المالك ، فإنّ لها أثرين في عرض واحد : ملكيّة العامل للربح والانعتاق ، ومقتضى بناء العتق على التغليب تقديم الثاني ، وعليه فلم يحصل للعامل ملكيّة نفس العبد ، ولم يفوّت المالك عليه أيضاً شيئاً ، بل فعل ما يمنع عن ملكيّته ، مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ التفويت من الشارع لا منه ، لكن الإنصاف أنّ المسألة مشكلة بناءً على لزوم تقدّم ملكيّة المالك
- (1) إلاّ إذا كان الشراء بتخيّل وجود الربح ثمّ انكشف الخلاف، وفي هذه الصورة لا يستحقّ اُجرة العمل أصلاً.
(الصفحة 559)
وصيرورته للعامل بعده ; إذ تقدّم الانعتاق على ملكيّة العامل عند المعارضة في محلّ المنع .
نعم ، لو قلنا : إنّ العامل يملك الربح أوّلاً بلا توسّط ملكيّة المالك بالجعل الأوّلي حين العقد ، وعدم منافاته لحقيقة المعاوضة ; لكون العوض من مال المالك والمعوّض مشتركاً بينه وبين العامل كما هو الأقوى ، لايبقى إشكال ، فيمكن أن يقال بصحّته مضاربة ، وملكيّة العامل حصّته من نفس العبد على القول بعدم السراية ، وملكيّته عوضها إن قلنا بها .
وعلى الثاني ـ أي إذا كان من غير إذن المالك ـ فإن أجاز فكما في صورة الإذن ، وإن لم يجز بطل الشراء. ودعوى البطلان ولو مع الإجازة ; لأنّه تصرّف منهيّ عنه كماترى ; إذ النهي ليس عن المعاملة بما هي بل لأمر خارج، فلا مانع من صحّتها مع الإجازة ، ولا فرق في البطلان مع عدمها بين كون العامل عالماً بأنّه ممّن ينعتق على المالك حين الشراء أو جاهلاً ، والقول بالصحّة مع الجهل ; لأنّ بناء معاملات العامل على الظاهر فهو كما إذا اشترى المعيب جهلاً بالحال ضعيف ، والفرق بين المقامين واضح ، ثمّ لا فرق في البطلان بين كون الشراء بعين مال المضاربة، أو في الذمّة بقصد الأداء منه وإن لم يذكره لفظاً .
نعم ، لو تنازع هو والبائع في كونه لنفسه أو للمضاربة قدّم قول البائع ، ويلزم العامل به ظاهراً، وإن وجب عليه التخلّص منه ، ولو لم يذكر المالك لفظاً ولا قصداً كان له ظاهراً وواقعاً .
[3434] مسألة 45 : إذا اشترى العامل أباه أو غيره ممّن ينعتق عليه، فإن كان قبل ظهور الربح ولا ربح فيه أيضاً صحّ الشراء وكان من مال القراض . وإن كان بعد ظهوره أو كان فيه ربح فمقتضى القاعدة(1) وإن كان بطلانه; لكونه خلاف وضع
- (1) في كون البطلان مطلقاً مقتضى القاعدة تأمّل.
(الصفحة 560)
المضاربة، فإنّها موضوعة كما مرّ للاسترباح بالتقليب في التجارة ، والشراء المفروض من حيث استلزامه للانعتاق ليس كذلك ، إلاّ أنّ المشهور بل ادّعي عليه الإجماع صحّته ، وهو الأقوى في صورة الجهل بكونه ممّن ينعتق عليه ، فينعتق مقدار حصّته من الربح منه ويسري في البقيّة ، وعليه عوضها للمالك مع يساره ، ويستسعى العبد فيه مع إعساره ; لصحيحة ابن أبي عمير، عن محمّد بن قيس، عن الصادق (عليه السلام) : في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لايعلم ، قال (عليه السلام) :
«يقوّم، فإن زاد درهماً واحداً انعتق واستسعى في مال الرجل». وهي مختصّة بصورة الجهل المنزّل عليها إطلاق كلمات العلماء أيضاً ، واختصاصها بشراء الأب لايضرّ بعد كون المناط كونه ممّن ينعتق عليه ، كما أنّ اختصاصها بما إذا كان فيه ربح لايضرّ أيضاً بعد عدم الفرق بينه وبين الربح السابق ، وإطلاقها من حيث اليسار والإعسار في الاستسعاء أيضاً منزّل على الثاني جمعاً بين الأدلّة .
هذا، ولو لم يكن ربح سابق ولا كان فيه أيضاً ، لكن تجدّد بعد ذلك قبل أن يباع فالظاهر أنّ حكمه أيضاً الانعتاق والسراية بمقتضى القاعدة ، مع إمكان دعوى شمول إطلاق الصحيحة أيضاً للربح المتجدّد فيه ، فيلحق به الربح الحاصل من غيره ; لعدم الفرق .
[3435] مسألة 46 : قد عرفت أنّ المضاربة من العقود الجائزة ، وأنّه يجوز لكلّ منهما الفسخ إذا لم يشترط(1) لزومها في ضمن عقد لازم ، بل أو في ضمن عقدها أيضاً . ثمّ قد يحصل الفسخ من أحدهما، وقد يحصل البطلان والانفساخ لموت أو جنون أو تلف مال التجارة بتمامها ، أو لعدم إمكان التجارة لمانع أو نحو ذلك ، فلابدّ من التكلّم في حكمها من حيث استحقاق العامل للاُجرة وعدمه ، ومن حيث
- (1) قد مرّ أنّ اشتراط اللزوم باطل، سواء كان في ضمن عقد لازم، أو في ضمن عقدها إلاّ إذا كان المشروط عدم تحقّق الفسخ خارجاً.
(الصفحة 561)
وجوب الإنضاض عليه وعدمه إذا كان بالمال عروض ، ومن حيث وجوب الجباية عليه وعدمه إذا كان به ديون على الناس ، ومن حيث وجوب الردّ إلى المالك وعدمه، وكون الاُجرة عليه أو لا .
فنقول : إمّا أن يكون الفسخ من المالك أو العامل ، وأيضاً إمّا أن يكون قبل الشروع في التجارة أو في مقدّماتها ، أو بعده قبل ظهور الربح ، أو بعده في الأثناء ، أو بعد تمام التجارة بعد إنضاض الجميع أو البعض ، أو قبله ; قبل القسمة أو بعدها(1) ، وبيان أحكامها في طيّ مسائل :
[3436] الاُولى : إذا كان الفسخ أو الانفساخ ولم يشرع في العمل ولا في مقدّماته فلا إشكال ولا شيء له ولا عليه ، وإن كان بعد تمام العمل والإنضاض فكذلك ، إذ مع حصول الربح يقتسمانه ، ومع عدمه لا شيء للعامل ولا عليه إن حصلت خسارة ، إلاّ أن يشترط المالك كونها بينهما على الأقوى من صحّة هذا الشرط(2) ، أو يشترط(3) العامل على المالك شيئاً إن لم يحصل ربح ، وربما يظهر من إطلاق بعضهم ثبوت اُجرة المثل مع عدم الربح ولا وجه له أصلاً ; لأنّ بناء المضاربة على عدم استحقاق العامل لشيء سوى الربح على فرض حصوله، كما في الجعالة .
[3437] الثانية : إذا كان الفسخ من العامل في الأثناء قبل حصول الربح فلا اُجرة له لما مضى من عمله ، واحتمال استحقاقه لقاعدة الاحترام لا وجه له أصلاً ، وإن كان من المالك أو حصل الانفساخ القهري ففيه قولان ; أقواهما العدم أيضاً بعد كونه هو المقدّم على المعاملة الجائزة التي مقتضاها عدم استحقاق شيء إلاّ الربح ، ولاينفعه بعد ذلك كون إقدامه من حيث البناء على الاستمرار .
- (1) أي بعد قسمة البعض.
- (2) قد مرّ أنّ الأقوى هو البطلان، إلاّ إذا كان مرجع الشرط إلى لزوم التدارك من ماله.
- (3) بنحو شرط الفعل.