(الصفحة 564)
مشكل ، وقوله (عليه السلام) : «على اليد ما أخذت . . .» أيضاً لايدلّ على أزيد من التخلية ، وإذا احتاج الردّ إليه إلى الاُجرة فالاُجرة على المالك ، كما في سائر الأموال . نعم ، لو سافر به بدون إذن المالك إلى بلد آخر وحصل الفسخ فيه يكون حاله حال الغاصب في وجوب الردّ والاُجرة ، وإن كان ذلك منه للجهل بالحكم الشرعي من عدم جواز السفر بدون إذنه .
[3444] مسألة 47 : قد عرفت أنّ الربح وقاية لرأس المال ; من غير فرق بين أن يكون سابقاً على التلف أو الخسران أو لاحقاً ، فالخسارة السابقة تجبر بالربح اللاحق وبالعكس ، ثمّ لايلزم أن يكون الربح حاصلاً من مجموع رأس المال ، وكذا لايلزم أن تكون الخسارة واردة على المجموع ، فلو اتّجر بجميع رأس المال فخسر ثمّ اتّجر ببعض الباقي فربح يجبر ذلك الخسران بهذا الربح ، وكذا إذا اتّجر بالبعض فخسر ثمّ اتّجر بالبعض الآخر أو بجميع الباقي فربح ، ولايلزم في الربح أو الخسران أن يكون مع بقاء المضاربة حال حصولها ، فالربح مطلقاً جابر للخسارة والتلف مطلقاً مادام لم يتمّ عمل المضاربة . ثمّ إنّه يجوز للمالك أن يستردّ بعض مال المضاربة في الأثناء ، ولكن تبطل بالنسبة إليه ، وتبقى بالنسبة إلى البقيّة وتكون رأس المال .
وحينئذ فإذا فرضنا أنّه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلى رأس المال مقداراً من البقيّة ، ثمّ اتّجر العامل بالبقيّة أو ببعضها فحصل ربح يكون ذلك الربح جابراً(1) للخسران أو التلف السابق بتمامه ، مثلا إذا كان رأس المال مائة فتلف منها عشرة أو خسر عشرة وبقي تسعون ، ثمّ أخذ المالك من التسعين عشرة ، وبقيت ثمانون فرأس المال تسعون، وإذا اتّجر بالثمانين فصار تسعين ، فهذه العشرة
- (1) لا مجال للجبر بعد فرض بطلان المضاربة بالنسبة إلى المقدار الذي أخذه المالك، فإنّ مرجعه إلى استقرار الخسران والتلف بالإضافة إلى ذلك المقدار.
(الصفحة 565)
الحاصلة ربحاً تجبر تلك العشرة ولايبقى للعامل شيء ، وكذا(1) إذا أخذ المالك بعد ما حصل الربح مقداراً من المال ـ سواء كان بعنوان استرداد بعض رأس المال أو هو مع الربح ، أو من غير قصد إلى أحد الوجهين ـ ثمّ اتّجر العامل بالباقي أو ببعضه فحصل خسران أو تلف يجبر بالربح السابق بتمامه ، حتّى المقدار الشائع منه في الذي أخذه المالك ، ولايختصّ الجبر بما عداه حتّى يكون مقدار حصّة العامل منه باقياً له . مثلا إذا كان رأس المال مائة فربح عشرة ثمّ أخذ المالك عشرة، ثمّ اتّجر العامل بالبقيّة فخسر عشرة أو تلف منه عشرة يجب جبره بالربح السابق حتّى المقدار الشائع منه في العشرة المأخوذة ، فلايبقى للعامل من الربح السابق شيء .
وعلى ما ذكرنا فلا وجه(2) لما ذكره المحقّق وتبعه غيره من أنّ الربح اللاحق لايجبر مقدار الخسران الذي ورد على العشرة المأخوذة ; لبطلان المضاربة بالنسبة إليها ، فمقدار الخسران الشائع فيها لاينجبر بهذا الربح ، فرأس المال الباقي بعد خسران العشرة في المثال المذكور لايكون تسعين ، بل أقلّ منه بمقدار حصّة خسارة العشرة المأخوذة وهو واحد وتسع ، فيكون رأس المال الباقي تسعين إلاّ واحد وتسع ; وهي تسعة وثمانون إلاّ تسع .
وكذا لاوجه لما ذكره بعضهم في الفرض الثاني أنّ مقدار الربح الشائع في العشرة التي أخذها المالك لايجبر الخسران اللاحق ، وأنّ حصّة العامل منه يبقى له ويجب على المالك ردّه إليه ، فاللازم في المثال المفروض عدم بقاء ربح للعامل بعد
- (1) مقتضى ما مرّ في الحاشية السابقة عدم جبر الخسران بتمام الربح السابق، بل يكون ما أخذه المالك مشتملاً على نصيبه من الربح، وتستقرّ المضاربة بالإضافة إليه، فللعامل أيضاً حصّته، ويشترك بمقدارها في الباقي، بناءً على القول بصيرورته شريكاً، وهذا لا فرق فيه بين الصور الثلاث أصلاً.
- (2) بل لعلّه الأوجه.
(الصفحة 566)
حصول الخسران المذكور ، بل قد عرفت سابقاً أنّه لو حصل ربح واقتسماه في الأثناء وأخذ كلّ حصّته منه ثمّ حصل خسران أنّه يستردّ من العامل مقدار ما أخذ ، بل ولو كان الخسران بعد الفسخ قبل القسمة ، بل أو بعدها(1) إذا اقتسما العروض وقلنا بوجوب الإنضاض على العامل وأنّه من تتّمات المضاربة .
[3445] مسألة 48 : إذا كانت المضاربة فاسدة فإمّا أن يكون مع جهلهما بالفساد ، أو مع علمهما ، أو علم أحدهما دون الآخر ، فعلى التقادير الربح بتمامه للمالك ; لإذنه في التجارات ، وإن كانت مضاربته باطلة . نعم ، لو كان الإذن مقيّداً بالمضاربة توقّف ذلك على إجازته وإلاّ فالمعاملات الواقعة باطلة، وعلى عدم التقيّد أو الإجازة يستحقّ العامل مع جهلهما لاُجرة عمله ، وهل يضمن عوض ما أنفقه في السفر على نفسه لتبيّن عدم استحقاقه النفقة، أو لا لأنّ المالك سلّطه على الإنفاق مجّاناً ؟ وجهان، أقواهما(2) الأوّل، ولايضمن التلف والنقص.وكذا الحال إذا كان المالك عالماً دون العامل ، فإنّه يستحقّ الاُجرة ولايضمن التلف والنقص ، وإن كانا عالمين أو كان العامل عالماً دون المالك فلا اُجرة له ; لإقدامه على العمل(3) مع علمه بعدم صحّة المعاملة ، وربما يحتمل في صورة علمهما أنّه يستحقّ حصّته من الربح من باب الجعالة .
وفيه : أنّ المفروض عدم قصدها ، كما أنّه ربما يحتمل استحقاقه اُجرة المثل إذا
- (1) قد مرّ الكلام فيه.
- (2) بل لا يخلو الثاني عن قوّة.
- (3) التعليل لا يقتضي إلاّ عدم استحقاق الحصّة المجعولة، ولا دلالة فيه على عدم استحقاق الاُجرة مطلقاً، ولا منافاة بينه وبين العلم بالفساد. نعم، في صورة عدم حصول الربح، أو كون حصّته منه أقلّ من الاُجرة لا تبعد دعوى عدم الاستحقاق مطلقاً، أو بالإضافة إلى خصوص الزيادة.
(الصفحة 567)
اعتقد أنّه يستحقّها مع الفساد ، وله وجه وإن كان الأقوى خلافه . هذا كلّه إذا حصل ربح ولو قليلاً ، وأمّا مع عدم حصوله فاستحقاق العامل الاُجرة ولو مع الجهل مشكل ; لإقدامه على عدم العوض لعمله مع عدم حصول الربح. وعلى هذا ففي صورة حصوله أيضاً يستحقّ أقلّ الأمرين من مقدار الربح واُجرة المثل ، لكن الأقوى خلافه ; لأنّ(1) رضاه بذلك كان مقيّداً بالمضاربة ، ومراعاة الاحتياط في هذا وبعض الصور المتقدّمة أولى .
[3446] مسألة 49 : إذا ادّعى على أحد أنّه أعطاه كذا مقداراً مضاربة وأنكر ولم يكن للمدّعي بيّنة فالقول قول المنكر مع اليمين .
[3447] مسألة 50 : إذا تنازع المالك والعامل في مقدار رأس المال الذي أعطاه للعامل قدّم قول العامل بيمينه مع عدم البيّنة ، من غير فرق بين كون المال موجوداً أو تالفاً مع ضمان العامل ; لأصالة عدم إعطائه أزيد ممّا يقوله ، وأصالة براءة ذمّته إذا كان تالفاً بالأزيد . هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من الربح ; كما إذا كان نزاعهما بعد حصول الربح وعلم أنّ الذي بيده هو مال المضاربة ، إذ حينئذ النزاع في قلّة رأس المال وكثرته يرجع إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا المال الموجود ، إذ على تقدير قلّة رأس المال يصير مقدار الربح منه أكثر ، فيكون نصيب العامل أزيد ، وعلى تقدير كثرته بالعكس ، ومقتضى الأصل (2) كون
- (1) أي فيما إذا كان بنحو التقيّد.
- (2) لا مجال لهذا الأصل بناءً على ما قوّاه في مسألة 44 المتقدّمة من انتقال الربح إلى العامل مستقلاًّ وعدم تلقّيه ذلك من المالك، وأمّا بناءً على ما اختاره المشهور من تلقّي المضارب الملك من المالك وكونه الواسطة في ذلك، فمقتضى الأصل وإن كان ذلك، إلاّ أنّه لابدّ من ملاحظة أنّ يد العامل هل سقطت عن الحجّية رأساً باعتبار اعترافه بكون بعض ما بيده للمالك، أو أنّ سقوطها عنها إنّما هو بالإضافة إلى خصوص المقدار الذي اعترف به، فعلى الأوّل يقدّم قول المالك بيمينه في خصوص الصورة المفروضة، التي يرجع النزاع فيها إلى النزاع في ثبوت الزيادة وعدمها، وعلى الثاني لا محيص عن تقديم قول العامل كذلك كما في نظائره.
(الصفحة 568)
جميع هذا المال للمالك إلاّ بمقدار ما أقرّ به للعامل . وعلى هذا أيضاً لا فرق بين كون المال باقياً أو تالفاً بضمان العامل ، إذ بعد الحكم بكونه للمالك إلاّ كذا مقدار منه، فإذا تلف مع ضمانه لابدّ أن يغرم المقدار الذي للمالك .
[3448] مسألة51 : لو ادّعى المالك على العامل أنّه خان أو فرّط في الحفظ فتلف ، أو شرط عليه أن لايشتري الجنس الفلاني ، أولايبيع من زيد أو نحو ذلك ، فالقول قول العامل في عدم الخيانة والتفريط ، وعدم شرط المالك عليه الشرط الكذائي ، والمفروض أنّ مع عدم الشرط يكون مختاراً في الشراء وفي البيع من أيّ شخص أراد . نعم ، لو فعل العامل ما لايجوز له إلاّ بإذن من المالك ـ كما لو سافر أو باع بالنسيئة وادّعى الإذن من المالك ـ فالقول قول المالك في عدم الإذن . والحاصل أنّ العامل لو ادّعى الإذن فيما لايجوز إلاّ بالإذن قدّم فيه قول المالك المنكر ، ولو ادّعى المالك المنع فيما يجوز إلاّ مع المنع قدّم قول العامل المنكر له .
[3449] مسألة 52 : لو ادّعى العامل التلف وأنكر المالك قدّم قول العامل ; لأنّه أمين ، سواء كان بأمر ظاهر أو خفيّ ، وكذا لو ادّعى الخسارة أو ادّعى عدم الربح، أو ادّعى عدم حصول المطالبات في النسيئة مع فرض كونه مأذوناً في البيع بالدين ، ولافرق في سماع قوله بين أن يكون الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده . نعم ، لو ادّعى بعد الفسخ التلف بعده ففي سماع قوله لبقاء حكم أمانته ، وعدمه لخروجه بعده عن كونه أميناً وجهان(1) ، ولو أقرّ بحصول الربح ثمّ بعد ذلك ادّعى التلف أو الخسارة وقال : إنّي اشتبهت في حصوله ، لم يسمع منه ; لأنّه رجوع عن إقراره
- (1) ولا يخلو الأوّل عن قوّة إلاّ إذا كان مقصّراً من ناحية الردّ إلى المالك.